... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله Bookmark and Share

 

  مقالات فنيه

   
قدود و ورود.. فلسفة الجمال بحس أنثوي

محمد الأنصاري

تاريخ النشر       23/02/2009 06:00 AM


 يرى الفيلسوف الإيطالي «كروتشي» أن ما يبذله الفنان في تصوّر الفكرة أكثر إعجازاً، من إظهارها للوجود عبر الريشة، ومن ثم اللوحة أو العمل الفني، لأن إظهارها لا يعدو كونه صياغة آلية لتلك الأفكار، وهو يرى أن جوهر الجمال المطلق يتحقق في الفن مفضلاً إياه على العلم والميتافيزيقيا، ولكي نتذوق العمل الفني، فإننا لا نحتاج لأكثر من التطلع نحوه، والاستماع إليه، أو قراءته المرة تلو الأخرى.
 
والجمال لا يعرّف بتعريف حصري؛ لأنه من المطلقات في الوجود وتعريفه يحد منه، ولكن الإحساس به هو الأهم، فتذوق الجمال يبقى لدى الناس جميعاً، حتى الذي يفقد عقله بعد أن تندثر لديه كل الحواس. وفي قراءة أولى لمعرض «قدود و ورود» للفنانتين العراقيتين زهراء الهيتي وفهيمة فتاح في غاليري العرجون في أبوظبي؛ تجتمع فلسفة الجمال بالحس الأنثوي، لتقدم سحراً شرقياً يجمع بين بهجة الألوان وشفافية الخطوط والتكوينات، وتترك للرائي مساحة من التأمل في إبداع هذه الأنامل الساحرة. 
 
وبالنظر إلى تنوع الأعمال في قدود وورود، فإننا لا ندعي القدرة على حصر قراءتها بالكلمات، التي ربما تتخذ تفرعات ومتاهات كثيرة، لذا أردنا أن نقرأ أعمال كل فنانة على حدة، رغم المشتركات الكثيرة بين أعمالهما.. فزهراء الهيتي التي تفرغت للفن التشكيلي بصورة كلية بعد دراستها للفرنسية؛ اطلعت على مئات التجارب في الفن الأوروبي لتصقل من موهبتها وتقودها في جولة طويلة مع تاريخ الفن الأوروبي، فمن الهولندي فان غوخ استلهمت عفويته وحبه للزهور.
 

ومن الإيطالي دافنشي عمق الفكرة، ومن الأسباني بيكاسو صفاء الألوان ونقاء الروح المحيطة بالعمل الفني، وبعد جولتها في عالم الفن الأوروبي الذي أتاح لها ثقافة موسوعية في تاريخ الفن، عادت من أوروبا إلى العراق لتكمل مشوارها الفني متتلمذة على يد نخبة من رواد التشكيل العراقي، ومنهم: نوري الراوي، وماهود أحمد، وحسام عبد المحسن.
 

محطات
 

كانت حياة زهراء الهيتي عبارة عن محطات في العديد من البلاد، تركت انعكاسها على فنها، حيث نجد الطبيعة النمساوية، حيث كانت تقيم مع والدها، بالزهور وجمالها، ونجد تارة أخرى الطبيعة العراقية الأصيلة ونهر الفرات، الذي يبدو واضحاً بنواعيره وشواطئه.
 

حيث كانت تذهب الى بساتينه في مدينة هيت التي تعتبر من أقدم حواضر العالم- مسقط رأس أجدادها، ووصولاً لاستقرارها في الإمارات، واستلهامها صور التراث المنتشرة فيها، من صور المرأة الإماراتية بشموخها وجمالها وغموضها وأسرارها الذي تعبر عنه الفنانة بتموجات الألوان، وانتهاءً بالمحطة الأخيرة، الأبرز في حياتها، المتمثلة بتأسيس غاليري العرجون وهو أحد الغاليريات المرموقة في أبوظبي.
 

إن أغلب لوحات زهراء الهيتي؛ تبرز ثلاثة محاور أو موضوعات رئيسية، يبدأ الأول مع المرأة التي ترى فيها آية كونية للإبداع، والثاني هو الزهور بتشكيلاتها وألوانها المختلفة، وثالث تلك المحاور هي النخلة التي لم تغادر مخيلتها وتعتبر أحد رموز الحضارة العراقية القديمة، وتمتاز لوحاتها بخروجها قليلاً عن الواقعية تجاه الخيال حيث انها بمجرد أن تخضب الفرشاة باللون حتى تتحول إلى عصا سحرية تأخذ بالفنانة إلى عوالم أخرى من السحر والخيال.
 

أيام بغداد
 

تتخذ تجربة الفنانة فهيمة فتاح تراكماً فنياً مدهشاً، فهذا هو معرضها الأول بعد أن رأت تجربتها قد نضجت طيلة السنوات الماضية، أما عن بدايتها فتقول عنها: لقد كان لتوجيهات وتشجيع الفنانة الراحلة نزيهة سليم مدرسة مادة الرسم في المرحلة الدراسية المتوسطة، أكبر الفضل علي في تنمية موهبتي في الرسم، وقد كان عمري آنذاك 17 سنة، ومع تحفظ المجتمع البغدادي تجاه دخول البنت لمجال الفن بأنواعه، فقد آثرت النزول عند رغبة الأهل، بعدم الاشتراك في أي من المعارض والدورات الفنية.
 

وظلت رغبة فهيمة فتاح بممارسة الرسم وعشق الألوان دفينة في نفسها، تظهر كلما سرقت من الزمن لحظات من الهدوء والصفاء، فتشتغل تارة على المناظر الطبيعية من ذاكرة الأمكنة العراقية جامعة بين الانطباعية الحالمة والواقعية التصويرية، وأخرى تتخذ من المرأة موضوعاً رئيسياً لها تبدأه بسيدة الجمال الأولى في حضارة وادي الرافدين الملكة السومرية شبعاد التي تقول عنها: لقد أدهشني ذلك التمثال النصفي الذي يظهر جمال تلك الملكة العظيمة، وتاجها الذهبي الذي يحمل أزهار الخير ودلالاتها الميثولوجية.
 

واعتقد أن حالة العشق التي ربطتني بهذا التمثال الذي ينطق بالجمال محركاً أحاسيس مختلفة لدى المرء، ومن لوحة الملكة السومرية تنطلق فهيمة فتاح في عالم المرأة، فترسم النساء الريفيات العاملات في العراق، والنساء ذوات البراقع الذهبية في الإمارات، ونساء الهند الصابرات على هموم الحياة، لتشكل نساء «فهيمة» حالة من الوجود الإنساني الذي يقول على لسان الفنانة ان المرأة ليست نصف الدنيا فحسب، بل هي الدنيا بأسرها، بغموضها وأسرار عالمها الخيالي وحركتها في الحياة.
 

ذاكرة
 

أما تقنيات فهيمة فتاح واشتغالها على مدارس متنوعة تتباين بين التجريب والواقعية والانطباعية في الاشتغال على الطبيعة والتكوينات الجمالية الأخرى؛ فهي تدلل على إمكانية كبيرة في التعامل مع اللون والفكرة والتكوين، وقدرة على خلق مساحات من الجمال، تترك للمتلقي فضاءً من حرية التجوال المدهش مع الفنون الجميلة. ويبقى للفنانة حلم آخر بالعودة لوطنها العراق، ويمتزج هذا الحلم بشعور من الخوف مما ستشاهده من تغير الأمكنة التي أحبتها، والحضارة التي طرزت أيام وادي الرافدين، وخوف من رؤية الخراب الذي أصابها.
 

ولدت فهيمة سامي فتاح في بغداد؛ لأسرة ارستقراطية عريقة، فوالدها هو سامي فتاح باشا وزير الداخلية في عهد الملك فيصل الثاني، وفي بيئة بغدادية أصيلة تحيط بها شروط الجمال وأيام الزمن الجميل، نشأت فهيمة وتجولت في تلك الأزقة القديمة لبغداد المحاذية لنهر دجلة، فترى طبيعة الحياة البغدادية البسيطة والجميلة في الوقت ذاته.
 

فظلت أطياف النخيل والقباب الفيروزية والشناشيل ووجوه النساء القادمات من الريف المحيط ببغداد، وهن يحملن بحركات وتوازن مبهر؛ طبقات من آنية منتجات الألبان، كما ظلت عالقة في مخيلة الفنانة تلك القطع الجميلة من الأثاث المعتاد وجوده في البيوت العراقية، والسماور وملحقاته لإعداد الشاي، وعشرات من الذكريات والصور.
 

طيور مهاجرة
 

بعد تلاشي أيام المجد الملكي العراقي، الذي كان يغمر حياة الناس بالحب والسكينة والسلام؛ حيث ذلك العصر الذي أنجب التشكيلي العالمي جواد سليم، وشاعر العرب محمد مهدي الجواهري، وأساطين الفكر والعلم: علي الوردي، ومصطفى جواد، وجواد علي، وبهجت الأثري، وأنستاس الكرملي، وعمالقة الفن ناظم الغزالي ومحمد القبانجي، وعيون المها بين الرصافة والجسر.
 

فغاب الجمال وغاب الحب ليرحل السلام عن مدينة السلام، وترحل الطيور المهاجرة عن أرضها، وفهيمة فتاح إحدى تلك الطيور التي فارقت العراق منذ سنوات طويلة، فارقته جسداً وبقيت روحها هناك، حاملة ريشتها وألوانها لتنقل ما علق في ذاكرتها الصورية والفكرية على سطح اللوحات المشرقة بحب بلاد الرافدين وكل ذرة فيها.
 

من بغداد إلى عمان إلى كندا ثم أبوظبي، تتلمذت فهيمة فتاح على يد أشهر الفنانين العراقيين والعرب ومنهم رافع الناصري وراشد ذياب وآخرون، لتقدم في معرض «قدود وورود»، خلاصة تجربة تمتد لعشرات السنوات من التجوال بين الضوء والظل واللون والتكوين. 






رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  محمد الأنصاري


 

بحث :

Search Help


دليل الفنانيين التشكيليين

موسوعة الامثال العراقيه

انضموا الى قائمتنا البريدية

ألأسم:

البريد ألألكتروني:



 

 

 

 

Copyright © 1997- IraqiArt.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
ENANA.COM