سلمان شُكر علمٌ بارز في عالم الموسيقى العربية, فهو عازفٌ وأستاذٌ لآلة ا لعود وأستاذٌ في الموسيقى الشرقية ومؤلفٌ وباحثٌ موسيقي يُشار لهُ في العالم العربي وعالمياً. ولد سلمان شكر في بغداد عام 1921 وهو سلمان بن شكر بن داود بن حيدر محمد علي1 , ولم تكن ظروف البيت الذي نشأ فيه مواتية ومُشجعة على تعلم الموسيقى وامتهاِنها لذا فقد فقدَ أُستاذنا وهو في بداية تعلمهِ عدة أعواد من قِبل والدهِ , وتخبرنا الأنباء التي تواردت عن ظروف نشأتهِ بأنه كان ينزوي في مكان منعزل من البيت لغرض التدريب على آلاته العود. وكان قبل دخولهِ للمعهد عازفِاً على آلة الكلارنيت في الجوق الموسيقي الذي أسسهُ الرائد الموسيقي حنا بطرس2
التحقَ الأستاذ سلمان شكر بأول دورة في معهد الموسيقى عام 1936 حيث درس آلة العود والموسيقى الشرقية على يد الموسيقار الشريف محي الدين حيدر بن علي وتخرج عام 1944 بعد أن ترك الدراسة لمدة ثلاثة أعوام بسبب ظروفهِ العائلية وقد عين أُستاذاً لآلة العود في المعهد في عام 1947, وظل مُحتفظاً بهذا المنصب لمدة ثلاثين عاماً, وعلى يده تخرج العديد من الموسيقيين العراقيين كالأساتذة علي الأمام و معتز محمد صالح البياتي وحبيب ظاهر العباس والمرحوم الأستاذ حسام الجلبي وعازف العود اليمني جميل غانم 4 كما وشغل في وزارة الثقافة والأعلام ولعدة سنوات درجة مستشار فني, كذلك تولى رئاسة اللجنة الوطنية للموسيقى لعدة سنوات ومثل العراق في مؤتمرات وندوات ومهرجانات كثيرة 5,وله تسجيلات متعددة في دار الإذاعة والتلفزيون العراقية إضافة إلى تقديم العديد من العروض المنفردة لآلة العود في الصين, إيران , الإتحاد السوفيتي سابقا, مصر, المانيا, إنكلترا, والولايات المتحدة الأمريكية. ظل الأستاذ سلمان شكر محافِظاًً ووفياً على نمطية وتفكير أستاذه الشريف محي الدين حيدر ولم يخرج عن هذه الدائرة مُتأثراً بأسلوبه المُشبع بالروحية التركية اداءً وعزفاً وتعبيراً وهو بهذا يعتبر وبدون أدنى شك آخر من يمثل هذا الاتجاه في العزف على آلة العود. ويبدو أن هناك نوعاً من الاهتمام قد حفي به أستاذنا من لدن أستاذه بل أن هناك نوعاً من الاهتمام المتبادل, ففي معرض مدحهِ لأستاذه الشريف محي الدين حيدر شبه نفسهُ وهو في مرحلة التلقي والإعداد بالمريد عند شيخ طريقة 6 لقد كان من ثمرات هذا الاهتمام والإعجاب بأستاذه اهتمام الأستاذ سلمان شكر بالموسيقى العربية الكلاسيكية الأثر الذي سوف يفعل فعله لاحقا ,وكذلك عزفه للموروث الموسيقي العثماني7 من بشارف وسماعيات , فلم نُشاهد الأستاذ سلمان شكر مثلا مُصاحباً بعودهِ لمغنِ أو عازفاً للموروث الموسيقي العراقي من بستات أو أغاني شعبية والسؤال المطروح هو لماذا لم يفعل ذلك؟ والجواب في تقديري هو للحفاظ على المحتوى الموسيقي والفلسفي لمدرسة بغداد للعود هذا المحتوى الذي وضعهُ أُستاذه الشريف محي الدين حيدر بإعطاء آلة العود منزلة أوسع وأكبر من كونها آلة مُصاحبة ومراسلة وإنما بإظهار هويتها وشخصيتها كآلة منفردة تستطيع أن تعبر عن ذاتها وعن إمكانياتها الصوتية وعن قدرتها في التعبير بعبارة أُخرى للحفاظ على أرستقراطية هذه الآلة.يقول الأستاذ ي. قوجمان في كتابهِ الموسوم ( الموسيقى الفنية المعاصرة في العراق ) (( ..... انقسم طلاب الشريف إلى فريقين واصل أحدهُما العزف منفرداً بطريقة الشريف وبذلك انعزل عن سائر الموسيقيين العراقيين من الناحية الموسيقية على الأقل. وأوضح مثل على هؤلاء الموسيقار سلمان شكر الذي حافظ على طريقة الشريف وخلد قطع الشريف بحفلاته التي شملت أوروبا كلها تقريبا. كذلك ألف سلمان شكر قطعه على نفس الطريقة وهو يعد بحق أقوى تلاميذ الشريف في هذا المضمار. وقد لاقت حفلاته التي أقامها في السنوات الأخيرة في بريطانيا إقبالاً واسعاً ونجاحاً باهراً. ولم يستطع هذا الفريق الاندماج بسائر الموسيقيين العراقيين ومشاركتهم العزف الجماعي في الحفلات العامة سواء منها حفلات العزف أو الغناء.))8 لقد كان اهتمام الأستاذ سلمان شكر في الموسيقى العربية الكلاسيكية كما قلنا أعلاه مستوحى من اهتمام أستاذه بها, فلأول مرة يستمع المستمع العربي ومن قبل أستاذنا لمعزوفات موسيقية من القرن الرابع أو الخامس عشر الميلادي موثقة ومنسوبة إلى الموسيقار والعالم بالموسيقى عبد القادر الُمراغي ( 1350-1435 ) 9 .كما وتفرغ للبحث في جامعة ( درهام ) في انكلترا مع المستشرق البريطاني البروفسور ( جون هيوود) لغرض البحث في كتاب ( الأدوار) للموسيقي والعالم بالموسيقى ( صفي الدين بن عبد المؤمن الأرموي البغدادي )10 ( 1216م-1294م ) .
ويطلعنا الأستاذ علي الشوك بكتابهِ الموسوم ( الموسيقى بين الشرق والغرب) عن مدى اهتمام وولع أستاذنا بهذا الجانب من التراث فيقول: (( ومن الجدير بالذكر أن الفنان سلمان شكر قام بترجمة أولية للجزء المتعلق بالموسيقى من مخطوطة ( درة التاج في غرة الديباج ) . كما قدم قراءة جديدة لمدونة ( يا مليكا به يطيب زماني) اعتمد فيها نغمة (مي) لمطلق الوتر, بدلا من ( دو) الذي أعتمده المستشرقون , وكان بذلك أقرب إلى روح النص وقام بعزفها أيضا .))11
لقد كان الأستاذ سلمان شكر دائم المحاولة في أعماله الموسيقية لإيجاد رابط ما بين الموسيقى العربية والغربية وكشاهد على ذلك خماسيتهِ ( حورية الجبل) و(مهرجان في بغداد) ولا بد من الوقوف ولو قليلا لتحليل بسيط لهذين العملين ففي معزوفة ( حورية الجبل ) يستخدم الأستاذ سلمان شكر قالباً موسيقياً مسُتخدماً في الموسيقى الغربية ألا وهو قالب الروندو المتكون من أجزاء متعددة ومختلفة مربوطة بجزء يعاد دائما بعد نهاية كل جزء من الأجزاء, أما ( مهرجان في بغداد ) فقد صاغهُ الأستاذ سلمان شكر على صيغة المتتالية ( السويت) , وقد قام الدكتور فاسلاف كوبتسكا12 المدرس في معهد الفنون الجميلة,بتوزيعها لرباعي وتري رافق العود الذي أدى الأقسام المنفردة ,كان ذلك سنة 1966 حيث قام الأستاذ سلمان شُكر بعزف القسم الخاص بالعود بالمشاركة مع آرام تاجريان و آرام بابوخيان ( كمان أول وثانٍ) وجورج مان ( Viola أو كمان أوسط) وحسين قدوري جلو, وسُمي هذا الخماسي (بخماسي العود البغدادي). 13
كانت هذهِ التجربة محط اهتمام كثير من النقاد والباحثين ففي كتابهِ المعنون مدخل إلى الموسيقى العراقية للمرحوم الأستاذ اسعد محمد علي يقول ((..أما الأسلوب الذي اتبعه الموزع فحاول أن يكون قريبا من أسلوب السويت مع إضافات شخصية أدت إلى أن يجيء العمل خليطا بين أصل مكتوب لأداة شرقية معروفة وبين مقاطع أضافها الموزع من عنده لم تعمل على تعميق الأصل إنما كادت تبعده عن روحيته.))14 وفي الثمانينات من القرن الماضي وأثناء تواجده في لندن قام بعمل مشترك مع البروفيسور هيوود ألا وهو كونشورتو العود مع الاوركسترا والتي تم تقديمها بالتعاون مع ال بي بي سي ولندن سمفوني أوركسترا . يمتاز أسلوب الأستاذ سلمان شكُر في العزف على آلة العود بإضفاء مسحة صوفية على عزفه مع استخدام رقيق و مرهف للمِضراب , كذلك استخدام أسلوب الزحف عند العفق على مساحة ضيقة للصوت الموسيقي المنتج , كما يقوم في أحياناً كثيرة بالضرب على أوتار عدة في نفس الوقت , لرُبما تأثُراً بإبراهيم الموصلي , يقول الأستاذ علي الشوك في كتابهِ السابق الذكر (...ويتحدث سلمان شكر عن مخرج الأوتار عند إبراهيم الموصلي , أي العزف على كافة الأوتار المطلقة مرة واحدة, ويقول في سياق حوار أجرتهُ معهً شهرزاد قاسم حسن: " كان العود ينصب على الخامسات , فإذا ماضُرِبت كلها على المطلق نحصل على نوع من التوافق, وهذا في زمن ابراهيم الموصلي ". ويشير إلى أن دائرة الماخوري عباسية الأصل , وتنسب إلى إبراهيم الموصلي. وعلى عهدة الأصفهاني أن هذا اللحن كان يغنى في المواخير. إلا أن هناك –القرن الخامس للهجرة- من قال إنه – أي إبراهيم – كان يمخر الأوتار مخرا, مما يحدث نوعا من المركبات الصوتية chords أو التوافق Harmony .)15 ,
قال عنهُ المستشرق والعالم بالموسيقى Jean-Claude Chabrier: ((Salman Shukur may be described not as an improviser of taqsim-s But rather as a musician of a mystical nature, playing either ancient classical works or personal compositions. His use of the pick is delicate and his playing completely anti-demagogical.))16
من مؤلفاته الموسيقية ذات البعد التعبيري : الغجرية 1944, وادي الموت 1949 ,من وحيها 1952 , إضافة إلى القطعتين المار ذكِرهم أعلاه ( حورية الجبل , ومهرجان في بغداد) كذلك مؤلفاته الُمصاغة على القالبين التراثيين السماعي والبشرف مثال ذلك (سماعي ماهور 1949 , سماعي رست 1972 , وبشرف شد عربان 1974 , سماعي نهاوند 1958 ).
عاصم الجلبي
الهوامش: 1) ص31 من كتاب المقام العراقي إلى أين- تأليف: حسين إسماعيل الأعظمي . 2) نقلاً عن الأستاذ منير الله ويردي من لقاء شخصي معهُ. 3) ص 79 من كتاب الشريف محي الدين حيدر وتلامذته- تأليف: حبيب ظاهر العباس, بغداد وزارة الثقافة والأعلام , دائرة الفنون الموسيقية, 1994 . 4) جميل غانم عازف عود يمني درس في بغداد – معهد الفنون الجميلة. لدى الأستاذين جميل بشير وسلمان شكر, واحد من خيرة تلامذة الأستاذ سلمان شكر, توفي من سنوات , كان مُديراً للمعهد الموسيقي في عدن/اليمن.قام المستشرق الفرنسي Jean-Claude Chabrier بعمل تسجيل لعزفهِ المُنفرد ضمن سلسلة التسجيلات الموسومة بArabesques ووصف أسلوبهُ في العزف بالأتي: (In a less spectacular style than that of Jamil Beshir but with a rather seductive virtuosity, he improvises at great length on classic maqam-s, without dramatic pause, with broad sweep.) P 101,Jean-Claude Chabrier, New Developments in Arabian Instrumental Music. 5) ص 80 من كتاب الشريف محي الدين حيدر وتلامذته- تأليف: حبيب ظاهر العباس, بغداد وزارة الثقافة والأعلام , دائرة الفنون الموسيقية, 1994 . 6) من لقاء شخصي مع الأستاذ سلمان شُكر في فيينا/النمسا سنة 1986. 7) نقصد بالموروث الموسيقي العثماني هو التراث الموسيقي الآلي من بشارف وسماعيات والتي لحُنت وكُتبت أثناء حكم السلطنة العثمانية , وهذا الموروث واسع وكبير جدا وهو يغطي فترة زمنية ليست بالقصيرة ,وكانت للفرق الصوفية وخصوصا منها المولوية لمؤسسِها الشاعر والفيلسوف الصوفي جلال الدين الرومي السبق بالاحتفاظ بهذا الموروث وعزفه أثناء طقوسهم التعبدية. 8) ص 105 من كتاب الموسيقى الفنية المعاصرة في العراق – لمؤلفه ي, قوجمان , إصدار أكت –للتراجم العربية , لندن سنة 1978 . 9) هو أبو الفضائل كمال الدين عبد القادر بن غيبي المراغي . ولد في مراغة ( اذربيجان ) وتوفي في هراة كان عواداً في بغداد ثم في سمرقند . لهُ كتب كثيرة في علم الموسيقى منها ( جامع الألحان , مختصر الألحان , كنز الألحان, مقاصد الألحان وغيرها). 10) هو صفي الدين عبد المؤمن بن يوسف بن فاخر الارموي البغدادي, والذي كان شاهدِاًً على سقوط بغداد على يد هولاكو المغولي , كان موسيقياً وعازفاً بارعاً على العود وخطاطاً مجيداً , وصلت لنا من كتبهِ في علم الموسيقى كتابا الأدوار والرسالة الشرفية . يعتبر صفي الدين مؤسِساً لمدرسة المنهجيين أو النظاميين في الموسيقى العربية في القرون الوسطى قال عنهُ عالم الموسيقى Riemann بأن سلمهُ المنهجي أكمل سلم على الإطلاق لأنه يعطينا أصواتا متوافقة أنقى مما يعطينا سلمنا ذو الدرجات المتعادلة well-tempered. 11) ص151 من كتاب الموسيقى بين الشرق والغرب – تأليف : علي الشوك, منشورات الجمل 1997 كولونيا-المانيا. 12) ص 16 من كتاب مدخل إلى الموسيقى العراقية- أسعد محمد علي. 13) ص17 من كتاب النغم المبتكر في الموسيقى العراقية والعربية – تأليف : عبد الوهاب بلال. 14) ص 16 من كتاب مدخل إلى الموسيقى العراقية- أسعد محمد علي. 15) ص 96 من كتاب الموسيقى بين الشرق والغرب – تأليف : علي الشوك, منشورات الجمل 1997 كولونيا-المانيا.16 16)P 101,Jean-Claude Chabrier, New Developments in Arabian Instrumental Music.
|