تجسد تجربة على جبار في الوعي بقيمة ما ينتجه جماليا بحكم الروح المثابرة البارعة التي تتملك شغاف تطلعاته الجمالية..نحتا ورسما وتواصلا إنسانيا بأحداث العالم وقضاياه المتشعبة السريعة ومنها الوعي المعمق بما يجري حولنا من تحولات على معراج الفن والثقافة المرتبطة بتلك القيمة الجمالية والاجتماعية، وكانت تجربته تعبيرا مخلصا ان أفكار المستقبليين المتطلعين لتغيير وحدات ومفردات عالم آيل للسقوط باتجاه حياة أفضل ورؤى مستحدثة قادرة على التعبير عن الإنسان المتقدم.
أعماله في الرسم والنحت تتحدث عن مسيرة وحياة وآمال مستولدة من كل ذلك .و ينبغي أن يكون جزءا من مجموع عمليات تستولد البراعة ..
وتضم أفكارا وحيوات، كانت تبدو وكأنها مبعثرة على امتداد سنوات مضنية من البحث الميداني، ، جمع مفرداتها عن شريحة مجتمع تنغمر أرواحهم وأجسادهم الآن في تفاصيل حياتهم اليومية، رصدتها (عيناه) وعقله وفكره ويداه، فوجد معظم تخطيطاتها بين أنسجة ألوان ومساحات وأفئدة الفنانين التشكيليين والشعراء والعلماء والمبدعين كافة. يظهر هذا الجهد إذن، في اللحظة الحافلة المطلوبة، وفي زمنها الحقيقي، في منحوتاته أيضا يظهر هذا التعارض مع مفردات المجتمع الشكلية وهذا التطابق مع مضامين الحياة الكلية .على ما هو عليه من تفاعل مع تكامليات المرحلة التأسيسية للفن التشكيلي العربي، ليغدو مدخلا يؤرخ مسيرة الفن المعاصر في العراق والوطن العربي، وومضة ، وخطوة من أصعب الخطوات في ميدان البحث عن محتوى وشكل التجربة التشكيلية الناهضة في رؤيتها وفلسفتها عبر الخصوصية التاريخية المبتغاة.
لهذا يسعى في تجربته إلى تفسير جانب مبسط م ن تاريخ الوعي بالذات، هو مرحلة ( طفولة) يجب أن تتجاوزها الفاعلية الإبداعية باتجاه خلق الذات وصنع تاريخها نحو الإضافة المعرفية. ولأول مرة في تاريخ الثقافة والفنون المعاصرة، ونحن في عام 2006، تسعى صفوة من الفنانين والشعراء والروائيين والكتاب في هذا السفر، إلى جمع جهود الفاعلين، روادا وشبابا، محترفين وهواة، من أجل المستقبل. حاول معهم أ الفنان علي جبار أن يبني (سا فا) في معمار الفن، وأن يكون شكلا ومضمونا موحدا، لأن طبيعة البحث، تسعى إلى وحدة المكونات الجوهرية في الفن التشكيلي المعاصر في الوطن العربي والإسلامي. ( وعلى هذا نستطيع أن نري في التجارب التأسيسية شكلا وليدا لخيال الأولين ، ورمزا لفكر المحدثين ).
تنطوي فكرة هذه الرسالة الفنية وغايتها، على الكثير من الأسئلة المثمرة التي تبرق في أذهان العديد من الفنانين التشكيليين الشباب، بسبب انشغالهم بالبحث والتجريبية والتشخيصية ومناهج واتجاهات الفن الحديث التي بدأت مع محاولة الفنانين الأوائل في الذين مارسوا بحوثهم وتجاربهم الفنية، ضمن الفترة (التأسيسية). دون أن ينسوا ما جرى، عندما أعادت، حركات النهضة الاجتماعية في الخليج العربي! (في العقد الثاني من القرن العشرين المنصرم)، إلى الضوء أولوياتها التعليمية الابتدائية، وقد تقدمت شوطا مهما في الثلث الأخير من القرن العشرين بعد انتشار وتوسع المعارف والمدارس والجامعات. و كانت الحركة الفنية التربوية قد ابتدأت "بالصورة" الواقعية والمشهدية الطبيعية والتشخيصية ثم اتجهت، بعد سفر هواة الفن للدراسة في أوربا وأمريكا وفي معاهد وجامعات الفنون التشكيلية العربية في مصر والعراق والشام .. وبعد عودة (موفدي الفن) محملين بخبرات جديدة، استطاعوا ان يبلوروا لأنفسهم طرقا في الفن والتربية خلال الثقافة والفنون، فلجأ البعض منهم إلى تطبيق الإتجاهات والنزعات والمدارس الفنية السائدة في العالم ، بينما نزع البعض الآخر إلى استلهام جوهريات التاريخ المشرقة. ومالت فئة اخرى من الفنانين نحو التجريد، واستلهام الحروف والارقام العربية, فانحسرت الملمحية والشخصانية من محاولات الرسم، وحلت مكانها الإشارية والإيحائية والرمزية والتعبيرية، في حين طورت معالجات النحت المدور والناتيء و(البرليف: إظهار ثلاثة أرباع الشكل) نحو مفهوم ارحب وأشد تأثيرا من "وسائل الرسم المتنوعة" والتوسع بمناقشة . أسس " اللوح!
كما ينبغي أن تكون عليه القيمة الجمالية والابداعية: هناك أعمال فنية نشاهدها بسعادة، و ننساها.. وهناك نتاجات تشكيلية نراها بنوع من التقدير، دون الموافقة عليها أو رفضها، ولوحات او تماثيل، تبقى معنا، لاننا أحببناها بعمق، فنقتنيها. وهناك أعمال لا تحتاج لتعليقنا.. إذن، فمشاهدة العمل الفني الحقيقي، هي حوار الرؤية الذي يتم بصمت. هذه العملية تعطي تجربة الذائقة الفنية بعدها الواقعي، فا للوحات المعلقة على جدران المتاحف وقاعات العروض الفنية، وفي مراسم ومحترفات التشكيليين، تتحدث الى مشاهديها. وهي عملية ممتعة للعقل والجسد، فيها لذة التوحد مع الفن. وهناك أعمال رسمت في ظروفها وبنت ساعتها، وكأنها منشورات سرية أو صرخة مظلوم، كلوحة الكورنيكا لبيكاسو ولوحات ريفيرا وسكيروس في المكسيك وتمثال السجين السياسي المجهول، أوالمفكر ونصب الحرية لجواد سليم وتمثال نهضة مصر لمحمود مختار وأعمال آدم حنين ومحمد غني واسماعيل فتاح في النحت وصرخات تماثيل سامي محمد المكتومة وعشرات الأعمال الفنية التي كانت مشفوعة بكتابة مذكرات يومية، شخصية. وهذا ماتسعى أعمال على جبار إلى بيانه في تجربته المدهشة.
|