أكمل الفنان التشكيلي قيس السندي إخراج أول عمل له من نوعية فن الفيديو الآرت، وأسماه "حروف لا تحترق". ويستنكر السندي بهذا العمل الفني، الذي يمتد عشر دقائق، عملية حرق مكتبات العراق ضمن أحداث الفوضى التي أعقبت الحرب الأخيرة، إذ اشتمل العمل على مكتبة مقطعها العرضي على شكل حرف مسماري، كدلالة بأن العراق أرض الرافدين هي مهد اختراع الكتابة. ويقول السندي "جاءت فكرة هذا العمل إلى مخيلتي وأنا أنظر إلى مكتبة كلية الفنون الجميلة التي أصبحت مجرد رماد، ولم يبق كتاب إلا وحرق بالكامل، واختفت جميع الكلمات والأحرف"، مشيرا إلى أن هذا الأمر نفسه تعرضت له كتب الجامعات والمعاهد العلمية الأخرى، "إذ هي محاولة لتحطيم الفكر والثقافة".
ويضيف "لم تبق هناك أي مصادر أو مراجع يعتمدها طلبة الكلية، فجاءت هذه الفكرة من خلال العمل الفني لاستنكار هذه الجريمة ونشر صدى هذا الاستنكار في العالم". وكتب السندي قصة الفيديو آرت وأخرجها، إذ كانت محاولته الأولى في الإخراج، بمساعدة المخرج محمد خالد الذي قام بمساعدته بتعريفه في هذا المجال، وتعريفه بالأمور الفنية والعملية. وقام بتمثيل هذا العمل الفني زين كرازون، التي قامت بدور الفتاة التي تعبر عن الثقافة بأسلوب سريالي، والممثل فهد باكير، إذ يعبر هذا الشاب عن الجهل واللامعرفة. وتستند الفكرة إلى مفهوم أزلي وهو الصراع بين الخير والشر، الخير في العطاء الثقافي الفكري والشر في محاولة تدمير هذه الهوية المعرفية.
ويشتمل العمل، بحسب السندي، على رقصتين من تصميم فؤاد ذنون مدير الفرقة القومية للفنون الشعبية العراقية، إذ تمثل الرقصة الأولى التي تؤديها الفتاة الرقصة الاحتفالية بالمكتبة كدلالة رمزية بأن أهل العالم العربي هم بناة الفكر ورواد العلم والمعرفة، أما الرقصة الثانية فهي رقصة الصراع بين الفتى والفتاة، الذي يمثل صراع الحياة والموت ونزاع العلم والجهل. أما الموسيقى فكانت من تأليف وتوزيع أنس غانم حداد، وهي موسيقى خالصة وخلاقة لروح الفكرة ذاتها، إذ تنسجم مع آلية التصوير التعبيرية في أداء الممثلين. تصل مرحلة الذروة في دراما العمل، بحسب السندي، إلى المرحلة التي يحرق فيها الشاب الشرير المكتبة، هذا الشخص الشرير الذي لا تعرف هويته ولا انتماءاته، وكان الأمل بخروج الفتاة التي تكتب الحروف الأولى في الهجائية العربية في نهاية الفيلم، مشيرا إلى أنه أحضر 300 كتاب في العرض لتصوير هذه المأساة فعليا.
وسيعرض الفيديو آرت في معرض قيس السندي الشخصي، والذي سيضم أيضا المكتبة المحروقة فعلاً وموجوداتها من الكتب التالفة، إضافة إلى العديد من الأعمال الفنية الأخرى من لوحات واسنتليشن. إن الغاية من هذا الفيلم، بحسب السندي، هي إيصال رسالة وخطاب إلى المشاهد عن الذي حصل في مكاتب العراق على هامش الحرب الأخيرة، مبينا أن عملية الاستنكار قامت على أساس فني بإظهار الناحية الجمالية من الشيء القبيح، ولتسليط الضوء على هذا الفعل الكارثي. كما يهدف هذا الفيلم إلى استفزاز مشاعر المشاهدين والاحتجاج على هذا الفعل، كذلك استنباط القيم الجمالية من المعارف والثقافة والعلوم والفنون، مشيرا إلى أنه سيقوم بعرضه قريبا في عمان وأميركا وفرنسا.
ويرى السندي، الذي قام برسم لوحات فنية عديدة، بأن الفن ليس مجرد لوحات تعلق على الجدران، إنما هو رسالة وقضية وموقف، مشيرا إلى أنه شارك في عدة معارض في العراق "وطن وألوان" وفي ماليزيا والسويد وقطر، ودول أخرى. يذكر أن قيس السندي من مواليد بغداد عام 1967، ويتنقل بين بغداد وعمّان، وكان قد عمل كعضو هيئة تدريس في كلية الهندسة في تخصص العمارة في جامعة العلوم التطبيقية الخاصة ودرس الرسم اليدوي الحر "الجرافيك" والرسم بشكل عام.
ويشار إلى ان السندي عضو في رابطة الفنانين العراقيين وعضو في جمعية الفن التشكيلي العراقي وعضو في الجمعية الدولية للفنون التشكيلية (AIAP) التابعة لليونسكو.
|