|
|
للحب فضاء الجسد |
|
|
|
|
تاريخ النشر
03/03/2008 06:00 AM
|
|
|
قراءة في تجربة الفنان دييغو ريفيرا Diego Rivera
(الرسّام المكسيكي الذي صمم جداريات جريئةْ أحيت تقليد الرسوم الجدارية في أمريكا اللاتينية).
ولد هذا الفنان في عام 1886 في مدينة غانا جوانو ، وقد مكنته منحة حكومية من دراسة الفن في أكاديمية سان كارلوس وهو في العاشرة من عمره وواصل دراسته الفنية في أوربا في عام 1907 بمساعدة منحة من حاكم فيراكروز Veracruz حيث درس في إسبانيا . في عام 1909 استقر في باريس حيث اصبح صديقا لبابلو بيكاسو وجورج براك Braque . حوالي عام 1917 ترك أسلوب الرسم التكعيبي ( لوحة رقم 1 ) و اقترب من أسلوب بول سيزان Paul Cizanne, (ما بعد الانطباعي Postimpressionism ) وتبنى لغة بصرية ذات أشكال مُبَسَّطةِ ومناطقِ لونية جريئةِ ِ. عادَ ريفيرا Rivera إلى المكسيك بعد لقائه بمواطنه الرسّامِ المكسيكيِ ديفيد الفارو سكويروز Alfaro Siqueiros. حيث أرادَ كلاهما خَلْق فَنّ وطني جديد مبني على مواضيعِ ثوريةِ لتُزيّنُ المبانيَ العامّةَ في أعقاب الثورةِ المكسيكيةِ. عاشَ ريفييرا في الولايات المتّحدةِ مِنْ عام 1930 إلى 1934، حيث أنجز جداريات مدرسةِ كاليفورنيا للفنون الجميلةِ في سان فرانسيسكو (1931)، ومعهد ديترويت للفنونِ (1932)، ومركز روكيفيلير Rockefeller في مدينة نيويورك (1933). كلف بإنجاز الكثير من الجداريات بعد عودته إلى المكسيك في 1921 ( وتعد جدارية ملحمة تأريخِ المكسيك التي نفذها في القصرِ الوطنيِ أكثر جدارياته الطموحةِ والعملاقةِ، لكنه مات قبل أن يتمها في عام 1957 ). في بداية تجربته الفنية، تعامل ريفيرا في لوحاته التكعيبية بأسلوب هو اقرب إلى أسلوب خوان غريس من أسلوب بيكاسو. ( إذ لم يكن خوان غريس يرغب في أن يدفع بتحليله إلى نقطة تكف عندها أشياؤه عن أن تكون ملحوظة وملموسة) ، وربما دفع دييغو هذا الأمر إلى تبني التبسيط الموحي لأشكاله البشرية فيما بعد ، هذا الأسلوب الذي نضج عند عودته إلى المكسيك فيما بعد كما يظهر في لوحاته الأخرى. الأمر الذي يستدعي الانتباه هو علاقة هذا التوجه بأعمال بيكاسو التي تبنت مقاربة مشابهة في لوحتي ألام والطفل التي رسمهما بيكاسو في عامي 1921و1922 تباعا والتي ذكر فيها الناقد الان باونيس بان الأشكال الضخمة فيها منحت سعة كبيرة بحيث لم تعد ألام وطفلها يمثلان زوجة بيكاسو وابنه الرضيع بل صورة الأمومة, هنا نجح بيكاسو في تصعيد عواطفه الخاصة إلى مستوى الحالة الإنسانية الشاملة . تعامل الفنان فرناند ليجيه fernand leger مع شخوصه التي رسمها في لوحاته بأسلوب مشابه ففي اللوحات (نجد نساء مفخمات ومتراخيات يشبهن الأصنام – أصناما لا تتراءى وفق نظام ميتا فيزيقي بل وفق النظرية الصورية. إن شخوصه تنتمي إلى جنس اكثر نشاطا واكثر عافية من جنسنا البشري ) وإذا كانت الأمومة في لوحة بيكاسو قد مثلت تصعيدا عاطفيا من خلال تضخيم الأشكال البشرية فان شخوص فرناند ليجيه ينضحون صحة وحيوية، انه الإنسان الذي بشرت به رفاهية التقدم الصناعي. من الواضح إن مقاربة بيكاسو و فرناند ليجيه تهدف من خلال عملقة الشخوص إلى عملقة موضوع اللوحة. أما شخوص دييغو فإنها مشحونة بالمعاناة وهذا واضح من خلال الأوضاع التي تتخذها أجسادهم ، وهي أوضاع مرهقة واحيانا منكسرة ويطرح هذا الأمر تساؤلا: كيف تحتفظ هذه الأجساد بمثل هذه الضخامة رغم هذه المعاناة ورغم كونها محاطة بفضاءات منحسرة؟ وكأن هؤلاء الشخوص محاصرون وحياتهم ليس فيها ذلك المتنفس مما يزيد من وطأة إحساس المتلقي بمعاناتهم . تجدر الإشارة إلى أن هنالك مستويين في لوحات دييغو، مستوى التكوين ومستوى اللون، فعلى الرغم من حجم المعاناة التي تشي بها لوحاته فان ألوانه تميل إلى الإشراق والحيوية وربما يجيب ذلك على تساؤلنا، إن حيوية و اندفاع شخوصه وعشقهم للحياة هو الذي جعلهم يتعملقون رغم معاناتهم ليشكلوا هذا الحضور القوي إن معاناتهم لم تمنعهم من أن يأخذوا حجمهم الذي يستحقوه على لوحة حياتهم القاسية. انه مؤمن بالإنسان المكسيكي على الرغم من قسوة معاناته الظاهرة. هل يريد القول بان الإنسان المكسيكي كبير بمعاناته ؟ ربما تجيب المرأة البرجوازية الجالسة في لوحة رقم (5) على هذا السؤال فشكلها يتراجع عن هذه الضخامة ، ربما لأنها لوحة شخصية ولكنها مع ذلك لا تنتمي إلى عالم الفنان المزدحم بالمزارعين وبائعي الزهور وربات البيوت الذين يتشكلون كجسد واحد بملامحه، وربما كان لميوله الاشتراكية دور في هذه الرؤية ، هذه الميول التي دفعت ممولي جدارية "رجل في تقاطعِ طرق" في روكيفيلير التي أنجزها أثناء إقامته في الولايات المتحدة في عام 1933 إلى تحطيمها لان فلاديمير لينين كان مرسوما فيها. علي أية حال فان لوحات دييغو توحي بما لا يقبل الشك بحبه لإنسان هذه الأرض وهذا الحب هو الذي جعله يضخم شخوصه بازاء فضاء القماشة وهذا الحب هو الذي وشح ألوان لوحاته بالحياة وجعل شخوصه يتعملقون رغم معاناتهم الواضحة ويفرضون وجودهم الجميل على قماشة دييغو ريفيرا.
( لوحة رقم 1 )
( لوحة رقم 2 )
( لوحة رقم 3 )
( لوحة رقم 4 )
( لوحة رقم 5 )
المصادر:
• ENCYCLOPEDIA BRITANICA • PICTURE HISTORY OF PAINTING FROM CAVE PAINTINGS TO MODERN TIMES./W.H. Janson & Dova Jane Janson • مائة عام من الرسم الحديث: جي. أي . مولر وفرانك ايغلر/ ترجمة فخري خليل • الفن الأوربي الحديث: الان باونيس/ ترجمة فخري خليل • موسوعة تاريخ الفن والعمارة /الجزء الثاني/ عفيف بهنسي |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ د.فائز الحمداني
|
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| |
|
|
|
|
|