لم يغير سامي عبد الحميد أسلوبه ولا طريقة عمله في المسرح، بشكل عام حين يعطي العاملين معه حرية التدخل في العملية الإخراجية، والحرية للجميع ليقولوا له رأيهم ومقترحاتهم. لكنه لن يدع الرأي طليقاً للتنفيذ قبل أن يمر على مجساته الواعية ليفلتر هو ما قدموا له من آراء ومقترحات، فإن كانت تلاءم مع خطته يأخذ بها وإن لا فيهملها. ربما هو يتفرد بهذه الميزة لكونه يؤمن بان العمل المسرحي عمل جماعي والنجاح فيه والفشل من حصة الجميع. يختار أعماله في أحيان كثيرة من مقترح يقدمه له ممثل أو طالب أو أي من الذين يحوزون ثقته وهم كثر، وفي أحيان أخرى يقترح عليه مؤلف ما ولا يهم أن يكون هذا المؤلف هاوياً أو كاتباً مهماً.
وفي أحيان أخرى تقترح عليه المؤسسات المسرحية الثقافية - وقد تكون جمعية - نصا فلاً يمانع أبدا ويوافق (على طول) ويباشر بإخراج النص المقترح من غيره، هو مخرج المهمات الصعبة. وسرعان ما يذهب إلى النص ليقدمه عرضاً مسرحياً، يشفع له في دواخله انه سوف يخضع النص إلى مشرطه، وعليه فإن في اعتباره بأنه سوف يخيط النص على مقاسه ولا يضير أن يكون الاختيار أو من اختار قد اخفق في الاختيار أو لم يخفق. فالنص سيكون آخر غير الذي أراده المؤلف. وان صادف وكان الاختيار له فهو في اختياراته لنصوصه التي يخرجها، لا يشترط فيها غير نصف النجاح- وهي مسألة مشروعة -والنصف الآخر سيأتي من التأليف الآخر للعرض والذي يسمى تأليف المخرج أو كما شاع بـ “تأليف العرض”. سامي عبد الحميد كغيره من أبناء هذا الجيل يفضل النص العراقي إذا ما توفر له ذلك النص. وهو بهذا ينطلق من حرصه في تطوير العروض المحلية وابتداء من النص وحتى آخر مهمة من مستلزمات العرض التي يتمنى أن تكون جميعها عراقية. لكنه في الغالب يهرب في الكثير من الأحيان- ولشحة النص المحلي - باتجاه النص الآخر غير العراقي، عربياً كان أم أجنبياً، ولا تهمه النوعية في الكثير من الأحيان إذا ما شعر برغبة العمل. لقد اختار “أوديب أنت اللي قتلت الوحش”-الضعيفة في تأليفها وحتى الموضوع - لعلي سالم عندما فقد الأمل في إيجاد نص آخر بديل. مثلما اختار، وهي آخر مشاريعه التي لم تقدم بسبب الاحتلال. لكن ميله الحقيقي وإيمانه ينصبان باتجاه النص العالمي ولا يهمه نوعية النصوص تقليدية كانت، حديثة، تجريبية، كلاسيكية، فجميعها تحمل ذات الأهمية بل لا يأبه من شيء في اختياراته لنصوصه مهما صعبت. فهو في مسرحية “السود” لـ “جان جينيه” كان قد تناول نصاً يعد " بمثابة مغامرة جريئة لما يتصف به هذا النص الدرامي من شكل متقدم في تكتيكه وبنائه الدرامي.، وعليه فهو يشترط في اختياراته للمسرحية الأجنبية احتواءها على مضامين إنسانية عالية، فثورة الزنج مثلاً تنتمي إلى الأدب الجماهيري الذي يمنح العاطفة حال سماع صوتها. إنها مسرحية تنقب عن أسرار الثورة في الهزيمة والانتصار والموت. كذلك الحال مع بقية المسرحيات التي أخرجها مثل: القرد الكثيف الشعر، كلكامش، مهاجر بر يسبان،بيت برنا رد ألبا، و هاملت، الخرابة، تموز يقرع الناقوس، القرد كثيف الشعر، وغيرها من المسرحيات.هذه المسرحيات وغيرها من الاختيارات من دون أن يتنازل عن شرط احتوائها على أسباب نجاحها كونها تحمل الجديد والمهم-شكلاً ومضمونا-بالنسبة للمتفرج العراقي والعربي وكمحصلة أخيرة في تعامل سامي عبد الحميد مع النصوص عموما كما يقول هو في هذا المجال: "لا أتعامل مع كل مؤلف.. أنني انتقي ولا أتعامل مع نص لا يضيف إلي تجربة ما "لا يؤمن بوجود نص متكامل ومهما كانت قيمة هذا النص أو قيمة كاتبه عربياً كان أم أجنبياً كلها تخضع إلى مشرطه في الحذف والإضافة.
هاملت عربياً وكان قد حذف "الشبح" عند تقديمه (هاملت عربياً) لشكسبير وهو في هذا يكون قد حذا حذو التفسير الروسي المنطلق من تفسير مادي مطلق، لا يؤمن بفعل الغيب الذي يوحي للآخرين عن طريق “شبح هاملت” الميت أن يقول لابنه عن طريق الرؤيا أن مقتله كان بسبب السم الذي وضع له في أذنه. فكان التفسير الماركسي من خلال الجدل العلمي أن المقتلة لكي تصيب النائم فإن الثغرة الوحيدة التي ممكن أن يدس من خلالها السم من دون أن يصحو النائم هي “الأذن”، وجميع الثغرات الأخرى “فتحات الوجه” غير امينه ويمكن للنائم أن يصحو، أما ما دست له من خلالها وهو نائم وهي “الفم، العين، الأنف”. وكان حميد محمد جواد قد أخذ نفس التفسير عندما قدمها في عام 1967 عندما قدمها على مسرح الفنون الجميلة. خدمهم كذلك تفسيرهم المنطلق من عقلانية هاملت البعيدة عن التخيل القريبة جدا من الواقع، وربما ايضا بدافع الثأر الذي تبناه. لكن هذا الإجراء لم يرتفع كثيراً بالتجربة في تحويل "هاملت الدنماركي " إلى "هاملت العربي" وظلت هذه التجربة حبيسة لجوئها إلى تغيير الشكل الخارجي في (الملابس العربية) والديكور وزخرفته العربية، وخيامه الصحراوية " فما الذي وصل إليه؟ " كما يتساءل الناقد جليل حيدر، لقد " ظلت جهوده عند مستوى هذا الاتكاء على المظهر من دون الأخذ بمعطيات العمل المسرحي، من قوانين وشخصيات وأفكار وفلسفة أو أجرائهِ الكثير من التغييرات في مسرحية " ثورة الزنج " فقد " قلص من حجم الحوار وحذف مقاطع فيها الدراما ضعيفة، ولم يلتزم بإرشادات المؤلف عن الديكور فلم تظهر البوابة أو بيت من القرن الثالث الهجري، ولم يظهر الحبل ولا الثلاجة أو المدفع الرشاش وقدم فصلاً آخر كما في مسرحية (الخيط) لعادل كاظم لكن هذا التقديم لم يرتفع إلى مستوى النص أو العرض فمثلاً " هذا النص بحاجة إلى تدخل الإخراج كأداة فاعلة أساسية تقوم بعملية فرز جذرية للنص تستطيع أن تضفي على البناء الفني المضطرب تماسكاً أكبر، أو في العرض الذي كانت بعض مقاطعه "تهبط حتى الضحالة وتقترب من التهريج وخاصة في مشاهدة المحكمة والحوار بين أسرة أبي فلانة" وهكذا نجد أن التدخل في معالجة النص من دون تدخل الإخراج لا تنهض بالنص بل توغل في هبوطه وعدم النهوض به، لكن تبقى جميع النصوص تخضع كما أسلفنا وتتساوى في حتمية الحذف والإضافة من خلال تبريرات مقنعة في الكثير من الأحيان وتصب بالتالي في مصلحة تأليف العرض المسرحي فهذه الإضافات والحذوفات عنده تخضع إلى دراسة وفهم كاملين للطريقة التي يخرج بها المسرحية، لكنه أحياناً يخفق في اختياراته أو يعجز البعض منها فتسقط تلك العروض فلا التعريق أسعف مسرحية (أوديب أنت الذي قتلت الوحش) للكاتب علي سالم، ليجعل منها مسرحية ناجحة أو مقبولة جماهيرياً. وكذلك مسرحية (مهاجر بر يسبان) للكاتب جورج شحادة التي لم تخضع للمشرطة كثيراً فبقي النص فيها " فضفاضاً يستأهل التشذيب والحذف حتى يترصن (...) ولم نلمس في إخراجه سيطرة كاملة على جو المسرحية وانقلبت سخريتها الشعبية اللاذعة والرزينة إلى نوع من التهريج العادي. إن النص الذي يستهويه هو النص الذي تتماثل صوره في مخيلته منذ (القراءة الأولى) كما يقول هو، أو " الانطباع الأول " كما يطلق عليه ستانسلافسكي، ومن المؤكد أن هذه الصور تتطور تدريجياً في ذهن سامي عبد الحميد وصولاً إلى فكر المخرج- أي ما يطمح إلى تقديمه للجمهور، فهو يسعى جاهداً إلى " إيجاد لغة فهم متبادلة بين ما يحدث على خشبة المسرح وصالة المتفرجين.
يجمل سامي عبد الحميد تجربته المسرحية بنقاط نلخصها بما يأتي:
إيمانه بجماعية العمل المخرج بتقديره مؤلف العرض المسرحي. النص في تقديره غير مكتمل يحتاج دائما إلى إضافات والى حذف وتشذيب. العمل في المسرح هو نوع من التجريب الدائم. يعطي الحرية الكاملة للممثل ويعتقده مصدر إلهام المخرجين والملهم لهم في إبداعهم. الديكور والإضاءة والملابس وبقية مستلزمات العرض هي ضرورية جداً ويوليها أهمية استثنائية حتى أنها تطغى أحيانا على أهم تلك العناصر ألا وهو التمثيل . وله تعريف خاص لا يتنازل عنه للسينوغرافيا، والتي يعتبرها الإضاءة.
عمله مع الممثل ينطلق سامي عبد الحميد في العمل مع الممثل من مبدأ معرفته بمهنة الممثل، وما عرف عنه من انه ممثل كبير كانت دراسته العليا الأولى في لندن انه تخصص في فن التمثيل. ولم يسبقه في هذا التخصص أي خريج آخر سبقه او جاء بعده. هناك اعتباران في مناقشة هذا الجانب: السلبي: حين يضطر الممثل عنده إلى تقليده. وهو لا يتفق مع الممثلين الذين امتلكوا القدرة والخصوصية، من الذين يحافظون على خصوصيتهم، ليظهر النشاز في اختلاف الأساليب المتبعة في التمثيل بين الممثلين. وهو يدعو إلى جاهزية الممثل الذي يعمل معه، وهي صفة ليست بالمنبوذة، فمخرج له هذا الباع الطويل في العمل لابد له من ممثل يتميز بتكنيك حاذق ومنتخب قادرعلى تأليف تعاليمه وصولا إلى عرض متكامل قدر الإمكان. هو يطلب ممثلا يتدرب خارج التمرين برغم تميزه بطولة البال مع الممثلين غير المكتملين فنياً أحيانا، حتى انه محط انتقاد لبعض اختياراته الممثلين الذين يتعاونون معه في تقديم أعماله المسرحية. لدرجة انه يمثل أمامهم حركة وصوتا ما يطلب منهم تحقيقه وتصل بهم الحالة من اجل الوصول إلى ما يريد انهم يقلدونه تقليدا يجعلهم نسخاً ممسوخة منه في الصوت-الذي يتميز به-وفي الحركة أو في كلاهما. وان الخطورة التي تحملها هذه الطريقة أنها تمسخ شخصية الممثل لتذوب في شخصية المخرج سامي عبد الحميد. فهو إذن " يمتلك اتجاه أشكاله المسرحية موقفاً ما. أفكارا تبدو واضحة أحيانا وغامضة أحيانا أخرى ". إن إيمانه بالشخصية المسرحية وحجمها في تقديره الذي تتجاوز فيه إمكانية أدائها من قبل ممثل واحد يدعوه أحيانا إلى إسناد الشخصية الواحدة إلى اثنين من الممثلين، كما حصل ذلك في مسرحية “الإمبراطور جونز” حين اسند شخصية (جونز) إلى اثنين من الممثلين وكذلك في مسرحية ”جلجامش” حين اسند شخصية(اوتونابشتم) إلى ممثلين اثنين بدلاً من واحد.
|