يعتمد فن الكاريكاتير على بناء مشهد مفارقة، على درجة عالية من التركيز و(الكاريكاتيريست) يؤدي بذلك ثلاثة ادوار :
بوصفه كاتبا للسيناريو ومخرجا ورساما في النهاية، ولذا، أجد أن من الاختزال المجحف وصف الكاريكاتيريست بالرسام، بظرا لتعقد الوظيفة التي يقوم بها ان هذا التوصيف يمكننا من التعامل مع الفن الكاريكاريكاتيري بخصوصية اوضح لاننا نواجه فيه مستويات متعددة من الاداء ، كما ويجعلنا اكثر قدرة في تشخيص خصوصية انجاز فنان عن اخر، ومن بين مستويات القراءة التي تساعد على هذا التشخيص:
خصوصية البناء الدرامي لبطل الكاريكاتير ، فالفنان مؤيد نعمة يمتاز بالبطل المشاكس العنيد الذي يضعه الفنان دوما في حالة اصطدام مع مفارقة الواقع، وهو هنا غير معني بتعاطف المتلقي مع البطل بقدر رغبته في اثارة استنكاره منها، في حين يسيطر على ابطال خضير الحميري الهلع والذهول امام هذه المفارقة ليعمق الاحساس بها من جهة، وليمنح المتلقي القدرة على التعاطف مع ابطاله، وهنا لا يمكن التغاضي عن حقيقة ان ابطال الكاريكاتير هم الى حد ما نماذج سير ذاتية للكاريكاتيريست، عرّضت للتكثيف في لا وعي الفنان، لتكون حاضرة بقوة في المشهد المختزل للمفارقة. السؤال الذي يثار هنا :
ماالذي يميز ابطال حسين قاسم؟ وللاجابة نقول:
ان ابطاله هم نموذج حي للطبقة الوسطى المسحوقة التي يرى قاسم حسين نفسه جزءا منها، هذه الطبقة التي اتيح للعديد من ابنائها اكمال التعليم الاكاديمي.
انها تظهر في اعماله بهيئتها الناحلة الناتئة العظام مع احتفاظها بنوع من المظهر المتمدن والسلوك الحضاري امام المفارقة فابطاله يواجهون المفارقة بقدر من التهذيب والسكينة على الرغم من دمويتها، ليس لسلبيتهم ولكن لادراكهم المسبق لحجم الحيز الذي خصص لهم والذي لا يحلمون ان سيتغير في يوم من الايام ، ان ابطاله متعلمون وطيبون ولكنهم ليسوا كالاجيال الماضية التي امتشقت سيوف دون كيشوت لتقارع طواحين الهواء.
رغم هذا الإيحاء بعقم المواجهة الذي يصادفك في البدء، فانك لا تملك الا ان تقف الى صفهم، ليس تعاطفا، ولكن من خلال اثارة نوع من التمرد الخفي على هذا الإجحاف الذي تعيش فيه هذه الطبقة، انه يجعلنا نضم صوتنا لصوته، من خلال اثارة غضبنا نحن الشهود على الجريمة التي تمارس بحقهم وباسمهم أحيانا.
إن الغضب الذي يخلفه رماد سخريتنا ونحن نتامل اعمال قاسم حسين قريب من الغضب الذي تشعله خطوط مؤيد نعمه، ولكن مؤيد نعمة كان اخر المحاربين بينما ادرك قاسم انه تسلم متاخرا راية ممزقة لبقايا جيش مبعثر، لا يملك الا ان يشير الى هيبتها الا من بعيد وبتهذب عال ان ابطاله لا يصرخون بوجه المفارقة ولا يصابون بالذهول لوطاتها ولكنهم يتقبلونها بسكينة ودعة ، ولكن هذه السكينة في الوقت ذاته تصرخ في وجوهنا (ان حجم المفارقة اكبر واكثر خطرا مما اتيح لهم ليواجهوه) . هنا اعتقد ان قاسم حين اوصل ابطاله الى هذه المواجهة المهذبة مع الواقع المرير لم يكن سلبيا ولكنه اظهر للمتلقي افضل الاسلحة التي يمتلكها ابطاله، انه هذا التهذيب العالي والكياسة التي تليق بصاحبها لانه مهما تكن النتيجة وهي غير مضمونة ابدا ، فلا يصح ان نتخلى عن لياقتنا العالية وما تركته فينا اخلاق الفرسان للحظات الاخيرة. |