افتتح يوم الأحد الرابع عشر من شهر أيلول الجاري المعرض التشكيلي الشخصي للفنان العراقي المقيم في هولندا صادق كويش والذي يستمر حتى الثاني عشر من شهر أكتوبر المقبل، و حمل عنوان " عزيزي ريلكه، نحن كلنا مسافرون". عرض فيه ذات التقنية التي بدأها في معرضه السابق والتي حملت عنوان "مولود في التاسع من نيسان" التي مزج فيها فن الرسم مع الفيديو آرت، حيث أضاف في معرضه الجديد تقنية الأوديو التي تقود المشاهد منذ بداية ولوجه صالة العرض لأجواء موضوعة الفنان التي تتمحور حول السفر والقلق الأبديين بمعناهما الفلسفي. المشاهد تتلقفه جملة تتكرر بلا توقف " Dear Rilke, we are all travelers" ترافقه عنوة من خلال شاشتي عرض رقميتين صغيرتين يظهر فيهما شاب مكلل بالبياض في مكان ضيق يدور حول نفسه كأنه في رحلة نحو الممات. وكما في جميع معارض الفنان كويش يحضر اللون الأسود بهالته التي تفرض هيبتها على المكان، مستخدماً في تنفيذها ورق الرز مع الجنفاص الذي بدا منصاعا لسطوة الحبر. يقول الفنان صادق كويش لإيلاف إنه قرر استخدام الأوديو في هذا المعرض ليكون الصوت جزءاً من اللوحات واللوحات جزءا من الصوت المكرر ليحيل المشاهد لجو يحشره في اتجاه معين لمشاهدة اللوحة. وحول الفيديو يرى امكانية "عرضه لوحده في صالة خاصة لكن توظيفه في هذا المعرض المعرض جاء لإبقاء اللوحة في الذاكرة". لكن توظيف الفيديو جاء في هذا المعرض كمالياً أي ان لوحات المعرض بدون الفيديو تبقى محافظة على موضوعها الذي عنون بيه الفنان معرضه. اضافة الى ان شاشتي العرض بحجمهما الصغير ومكانها غير الظاهر بشكل جلي قياسا باللوحات الكبيرة التي تميزت بها معارض الفنان صادق كويش. غير ان الاوديو كان له حضوره الاجباري على المشاهد وقد نجح الفنان في استخدامه كمحرض ملحاح على مايريد الفنان ان يوجه به المشاهد.. يؤكد كويش على أن اللوحة لم تعد تكفي لجمع كل شتات الأفكار التي تدور في مخيلة الفنيشان، بل يجب خلق أجواء أخرى مكملة، وربما ستكون هناك معارض قادمة تخلو من لوحات بل تجارب تقنية أخرى. غياب الالوان المزدحمة واقتصار لوحاته على الاسود والابيض ميزة عرف بها الفنان كويش الذي يقول إن الأسود هو الخيط الذي يربط المعرض كله، وهو لوني، وربما يعود السبب للأصول الكرافيكية التي عرف بها الفنان صادق كويش. ويضيف "أن كتلة اللون الأسود في أعمالي ربما تعود لكثرة عملي في الحفر على الخشب سابقا حيث كان اللون الأسود يبرز بشكل جلي". لكن الأسود الطاغي على بياض خلفية اللوحة يأنس بين لوحة وأخرى بضربات نادرة لبعض الألوان التي يوظفها الفنان لخدمة موضوعه في معرضه الحالي " عزيزي ريلكه نحن كلنا مسافرون" تلك الجملة التي وردت في مرثية للشاعر الألماني ريلكه التي يسال فيها: إذا ما صرخت من سيسمعني من الملائكة؟ ولكن قل لي من هم هؤلاء المسافرون؟ ويشير إلى البهلوانات في لوحة بيكاسو بذات الاسم التي رسمها عام 1905 وتأثر بها ريلكه، وجاء هذا المعرض كجواب على تساؤل ريلكه الأنف عن أولئك البهلوانات البائسين في لوحة بيكاسو الناظرين بحزن للمجهول. ثمة نص نثري في احد اركان المعرض مطبوع على ورقة بيضاء كتبه الفنان بنفسه: "أن تكون مسافرا ذلك يعني انك في مكان ما بين الانطلاق والوصول ولأننا دائما في مكان ما بين نقطتين فإننا في الحقيقة في سفر أبدي ندور حول أنفسنا نحن المسافرون الأبديون بين البداية والنهاية التي هي الموت". يقول الفنان كويش ان هذا النص هو موضوع المعرض. لكن طريقة عرض النص تبدو الورقة المطبوع عليها النص تبدو مضطهدة من حيث مكانها وحجمها والمادة المستخدمة لعرضها " A4`"مقارنة بالاحتفاء الواضح باللوحات. وبالامكان الاستغناء عنها لتكون في بروشور المعرض الذي حفل بنص من مرثية ريلكه باللغة الانكليزية. حيث يتميز الفنان صادق كويش باجتهاده بين اقرانه في تقنيته وباختياراته لموضوعاته بالاستفادة مما تقع عليه عيناه قراءة أو مشاهدة لتوظيف اللافت منها في معارضه.
المعرض جلب حضورا نوعياً جله من النخبة الهولندية حيث تعتبر الصالة التي عرض فيها كويش إحدى أهم الصالات في هولندا "مايكه هوستيجه" يحرص على العرض فيها أهم الفنانين الهولنديين ولها سمعة طيبة حتى خارج هولندا. ويأتي هذا المعرض في مدينة دنبوش جنوب هولندا بعد معرض الفنان صادق كويش السابق بذات التقنية الذي افتتح في متحف المدينة قبل أشهر، وهو استمرار لتجربة الفنان كويش التي بدأها منذ ثمانينيات القرن الماضي حيث اقام العديد من المعارض الشخصية والمشتركة في العراق والأردن وروسيا ورومانيا وايطاليا وليتوانيا والولايات المتحدة الأميركية وبلغاريا وبلجيكا إضافة إلى هولندا.
|