|
|
معرض باريسي ضخم يجمع أعمال بيكاسو ومراجعه |
|
|
|
|
تاريخ النشر
22/10/2008 06:00 AM
|
|
|
قال بيكاسو يوماً: «كل فنان له أب وأم، ولا يولد من العدم»، لكنه قال أيضاً: «أرسم ضد اللوحات التي أقدّرها وانطلاقاً مما ينقصها». ويختصر هذان القولان وحدهما مسعى هذا العملاق الذي يُعتبَر بلا منازع أكبر فنان في القرن العشرين، كما يختصران موضوع معرضه الضخم الذي تنظمه جمعية المتاحف الوطنية في «القصر الكبير» تحت عنوان «بيكاسو والمعلّمون»، بالاشتراك مع متحف اللوفر ومتحف أورسيه. وقبل التوقف عند خصوصيات هذا المعرض، لا بد من الإشارة أولاً إلى أن بيكاسو تعلّم منذ صغره قواعد الرسم الأكاديمي على والده الذي كان أستاذاً في مدرسة الفنون الجميلة ومدير متحف مالاغا، ثم خلال دراسته الأكاديمية لفن الرسم (1893-1899). ومنذ تلك الفترة، شعر بضيقٍ كبير أمام هذا الكمّ من القواعد الصارمة، الأمر الذي غذّى لديه تلك الرغبة التخريبية التي واكبته طوال مساره الفني وقادته إلى تسجيل قطيعة راديكالية مع الأشكال الفنية المعتمدَة، وبالتالي إلى وضع أسس الفن الحديث وبلورة مبادئه. ويُشكّل المعرض الراهن الذي يتضمّن أكثر من مئتي عمل فني له ولكبار الفنانين الذين أُعجب بفنهم، المحاولة الأولى لفهم مسعاه الفني انطلاقاً من إعادة قراءته النقدية لبعض أعمال هؤلاء «المعلّمين»، ومن هنا أهميته القصوى. تستحضر الصالة الأولى «متحف بيكاسو» الخاص من خلال سلسلة بورتريات ذاتية وغير ذاتية، تتوسّطها اللوحة التي خصّ الفنان بها أباه، معلّمه الأول. وتتجلى في هذه اللوحات المنافسة التي خاضها بيكاسو منذ البداية مع «الرؤوس» التي رسمها غريكو وبوسان ودولاكروا وآنغر والمحدّثون الثلاثة: سيزان وفان غوغ وغوغان. في الصالة الثانية، نشاهد للمرة الأولى الرسوم والدراسات التي حققها الفنان خلال سنوات الدراسة وفقاً لقواعد الرسم القديمة أو كنسخٍ للوحات كلاسيكية ورمزية وانطباعية شهيرة. ويظهر في هذه الأعمال تأثّره بالتماثيل اليونانية والرومانية وبالأسلوب الباروكي، وطغيان موضوع العري النسائي الذي سيبقى أحد مواضيعه الرئيسة حتى وفاته، والمعالَج آنذاك وفقاً لأسلوب غريكو وغوغان وبوفي دو شافان وسيزان ورونوار. في الصالتين الثالثة والرابعة، نتأمّل عدداً من «اللوحات السوداء» التي استعار ألوانها من غريكو وغويا وفيلاسكيز، ودقّتها الهندسية وتقشّفها التشكيلي من زورباران وريبييرا، إلى جانب لوحات من «المرحلة الزرقاء» تتشابك فيها مراجع متناقضة: الألوان الانطباعية والوجوه التعبيرية والتبسيط الشكلي، كما يظهر فيها ولع بيكاسو الباكر برسم شخصياتٍ هامشية وأطفال وأقزام ورهبان ومتصوّفين. وتُبرز الصالة الخامسة موضوع «المغامِر الاسباني» (conquistador) بهندامه الأحمر والذهبي وذكوريته الواضحة التي ظهرت في أعمال بيكاسو أثناء دراسته بعض لوحات رامبرانت وفيلاسكيز حول هذه الشخصية الباروكية. وحين نتمعّن في هذه الأعمال نستشفّ ملامح الفنان نفسه وهواجسه. الصالة السادسة مخصّصة للأعمال الكثيرة التي حقّقها بيكاسو انطلاقاً من لوحات شهيرة، كسلسلة «نساء الجزائر بحسب دولاكروا» (1954)، ويمكننا مشاهدتها في متحف اللوفر، وسلسلة «Les Ménines» بحسب فيلاسكيز (1957) وسلسلة «الغذاء على العشب» بحسب مانه (1960-1962) المعروضة في متحف أورسيه. ولكن أيضاً لوحة «خطف نساء سابا» التي رسمها عام 1963 مستوحياً لوحة دافيد التي تحمل العنوان ذاته ولوحة بوسان «مذبحة الأبرياء»، والمحفورات والرسوم التي أنجزها بحسب غرونفالد وكراناش ورامبرانت. وفي كل هذه الأعمال، يستعيد بيكاسو صور أو مواضيع اللوحات المذكورة بهدف تحويلها وتملّكها. ويعكس هذا التحويل (détournement) الذي يتميّز بطرافةٍ وسخريةٍ عالية رغبة انتهاكية في الذهاب أبعد من التقليد التشكيلي وفي ابتكار سيناريوات غير منتظرة لهذه اللوحات الشهيرة. في الصالة السابعة، يتبيّن لنا كيف أن موضوع «الطبيعة الجامدة» شكّل ثابتة في مسار بيكاسو، منذ التشكيلات الأولى ذات الهندسة السيزانية، مروراً بـ «الأيقونات» التكعيبية الموجزة والمبسّطة (1910-1914)، وبأعمال مرحلة العشرينات من القرن الماضي التي حرّف فيها بسخرية موضوعات شاردان، وصولاً إلى لوحة «طبيعة جامدة وسرطان البحر» (1965). والملاحظ في هذه الأعمال طريقة تمثيل بيكاسو الأشياء اليومية التي تظهر ببعدٍ مقدّس، تماماً كما في لوحات زورباران وفيلاسكيز وميــــلانـــيز. وفي الصالتين الثامنة والتاسعة، نشــاهد سلسلة بورتريات نسائية ترتــــكز على مبــــدأ التشويه وحققها بيكاسو انطــلاقاً من لوحات شهيرة لغويا ومانه وآنغر ودوميي ودوانيي روسوـــ وفان غوغ. فــــلوحة «فرناندا مرتدية وشاحاً» تستحضر لوحة دوغا «الأفسنتين» (1875)، وتـــعيد بــورتـريات «أولغا في مِعطف الفرو» تشكيل التــشويهات التي تميّز لوحتَي آنغر «بورتريه الآنسة ريفييـــرا» (1793) و «الســيّدة مواتيسيي» (1856)، وتعـــود طــــريقة استخدام الألوان في بورتريات ماري تيريز ودورا مار (1936-1938) إلى لوحة فان غوغ «فتاة آرل» (1888) ولوحة مانه «الخريف» (1881). أما الصالة العاشرة والأخيرة فخُصِّصت لاهتمام بيكاسو بـ «العلامات» التي ابتكرها كبار الفنانين قبله ككمٍّ من الاستراتيجيات التي تهدف إلى «بلوغ العري كما هو». وفي هذا السياق، نشاهد اللوحات التي تأمّلها بعمقٍ وتأثّر بها، كلوحة «فينوس تلهو مع الحب والموسيقى» التي رسمها تيتيان عام 1548، ولوحة «المرأة عند النبع» التي حققها رامبران عام 1654، ولوحة «الجارية» التي أنجزها آنغر بين عامَي 1824 و1834، ولوحة «أولمبيا» التي رسمها مانه عام 1863. وعلى غرار هؤلاء الفنانين، حقّق بيكاسو مجموعة من اللوحات الكبيرة حول هذا الموضوع انطلاقاً من العام 1964، حاور في كل منها إحدى اللوحات الشهيرة المذكورة متوقّفاً عند أحد تفاصيلها أو عند وضعية المرأة فيها وطريقة استلقائها، أو عند أسلوب هندستها أو استخدام الألوان فيها. وأكثر من مجرّد هاجس، شكّل «بلوغ العري كما هو» بالنسبة إلى بيكاسو مهمة (بمعنى الرسالة) تغذّى منها فنّه في كل مراحله لاعتباره أن العري يُشكّل مادّة فن الرسم وجوهره. |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ انطوان جوكي
|
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| |
|
|
|
|
|