استطاعت نزيهة سليم وبسبب تفهم عائلتها الفنية من السفر الى فرنسا لدراسة الفن والمنظور، وانضمت بعد رجوعها الى جماعة بغداد للفن الحديث والتي كان يرأسها أخوها الراحل جواد سليم لتكون الرائدة نزيهة سليم تدريسية في معهد الفنون الجميلة واصبحت جزءا من حركة تشكيلية اثبتت حضورها الفني كرسامة اتسمت اعمالها بميزة الواقعية والدلالة البغدادية الصرفة فاتجهت الى رصد تجليات مفردات الحكايات البغدادية وانضمت اليها الفنانة نعيمة حكمت، مديحة عمر، وداد الاورفلي، مهين الصراف، وليلى سليم وسهام السعودي ورؤيا رؤوف وسعاد العطار وليلى العطار ونزيهة رشيد وعبلة العزاوي وعشتار جميل حمودي، وعفيفة لعيبي وسلمى العلاق، بهيجة الحكيم وساجدة المشايخي، راجحة القدسي، نضال الاغا، وسماء حسن ، اعتقال الطائي، نجوى الطيار، فرنسية خبو، لمياء نعمان رحلة الجاسم، وكريمة هاشم، نبراس هاشم، زينب عبدالكريم وانعمام اموري والعديد من الفنانات الاخريات من جيل التسعينيات وبعد الالفية الثانية.
السمات والاساليب التي تميزت بها الفنانات على مدى اكثر من اربعين عاما شكلت اطرا مختلفة متنوعة الاتجاهات والمدارس الفنية في اعمال الفنانات في الرسم والنحت والكرافيك والخزف والتي تلونت وتشكلت بها مفاهيم رؤاهن الفنية واستطعن تحقيق قفزات نوعية في الحركة الفنية المعاصرة بل بعضهن اصبحن مدرسة فنية لوحدها كنزيهة سليم ووداد الاورفلي وليلى العطار فقد تميزت اعمال الفنانة الاورفلي بالروح البغدادية الاصيلة فرسمت تفاصيل دقيقة للمآذن والقباب والمدن العائمة وانحصرت مدن الاورفلي في ذاكرة المشاهد واستطاعت مزج التراث ببيوته القديمة وبين حكايات لمدن فاكتسبت اللوحة واقعية وتعبيرية التقنية الصرفة في نسق وهندسة تلك المدن الخارجة عن واقعنا لكنها مدن تختزن داخلها الهدوء والسكون الذي طالما ارادته وداد الاورفلي في لوحاتها.
وتمكنت الفنانة سعاد العطار المقيمة في لندن من اتخاذ اساليب فنية معاصرة امتزجت باريج جذورها العراقية فظلت تتواصل مع المعارض التي تقيمها الدولة في السابق فكان لها حضور فني رغم غيابها في العراق.
اما اختها ليلى العطار فقد اتسمت اعمالها بضبابية الالوان والشخوص المتوارية وراء ستار شفاف من اللون الممزوج بالخجل لتصنع محاور انثوية كانت موضوعاتها لوحاتها، فزادت مساحات اللوحة بخصوصية الفقر وبالاسلوب فكانت شبيهة بترنيمات موسيقية يحلق بها المشاهد مع اشجارها وطيورها ونسائها الى مديات الحلم، لكن اعمالها واسلوبها كانت مقاربة لاعمال الفنان نوري الراوي المشهور بضبابية مدنه الافلاطونية ومفرداته في القباب والطير والديك.. الا ان العطار كانت لديها الحس الانثوي غالبا على تكويناتها الرمزية التعبيرية.
وشخصت وسماء حسن المرأة بجمالها البغدادي وتوازنها مع مفردات الحياة الاجتماعية الحافلة بالالوان والمرح وتتمتع فضاءات لوحاتها البهجة واللون وكبر حجم شخصياتها من النساء لكنها على الرغم من ذلك اقتنصت تجليات لهموم الحياة النسوية بمفاهيمها الاجتماعية لتستدرك اهمية دلالات واقعية شخوصها الذين ازدحمت بها تكوينات لوحاتها.
واكثر فنانة اشتهرت برسوم الطبيعة والورود والازهار والرياحين هي الفنانة بهيجة الحكيم التي تميزت لوحاتها بالتماثيل والتشابه وبزخرفية عالية تسمح للفضاء ان يتنفس في حدائقها الغناء، فتمحورت لوحاتها وتفردت بالالوان من تلك الازهار التي زينت مرة بالفضة ومرة اخرى بالذهب وبالوان عدة تبهج النفس قبل التمعن بها.
وكانت عبلة العزاوي التي بدأت رحلتها الفنية في ايطاليا لتعلم تقنية الخزف والسيراميك فقد تلونت اعمالها بشغف اللون والتكوين والبساطة فاحتفظت برؤيتها وبخصوصية الخزف العراقي وبتأكيدات لتقنيات معاصرة مازجتها بطروحات ابعدت خزفياتها ومهاراتها في الفخار عن تكرار نفسها وعملها.
ولم تكن الخزافة الاخرى سهام السعودي تقليدية بل كانت مثار اعجاب المهتمين بهذه الحرفة فاستخدمت مهارات جديدة للتلاعب في تكوينات الطين وابعدته عن تقليديته في صناعة الفخار فكانت خامة الطين طيعة في اناملها لتصنع اعمالاً ظلت في ذاكرة تلامذتها وطلابها.
وزميلتها الخزافة الاخرى ساجدة المشايخي فقد اتبعت فكرة التجديد والابتعاد عن نمطية الخزف فاحتلت خزفياتها اروقة قاعات المعارض الكبرى وامتازت بكبر حجم اعمالها، ودللت فخارياتها المتقنة بنضج تجربتها في السيراميك من حيث التقنية والابتكار.
اما الفنانة عفيفة لعيبي فقد عبرت ضفة الالتزام بمحور البيئة والسمة البغدادية والهوية العراقية، فاتجهت الى العالمية خاصة بعد دراستها في موسكو واستقرارها في هولندا، فكانت تأثيرات الحجوم الروسية وسكونة الطبيعة وجمال الالوان تعبيراً لنمطية حذرة في اعمالها، فكانت مضامين لوحاتها ومحورها المرأة لكن هذه المرأة افصحت عن الكثير من الشجون والحلم رغم تغيير ملامحها وفضائها ومضمون تفكيرها وعمق دلالة موضوعاتها واستطاعت ليعبي ان تتخلص من الالوان الشرقية التي حاصرت فنانينا وفناناتنا كونهم موجودين داخل العراق، فاكتنزت اعمالها السمة الاوروبية بالمضمون والتشكيل والتكوين لفضاء اللوحة.
لم تتوان الفنانات العراقيات اللواتي ازددن في السنوات الاخيرة من المشاركة في المعارض الدائمة التي تقام في المناسبات، ومساهماتهم تلك كانت بعيدة عن العناوين الرسمية الحكومية وعلى الرغم من مشاركهتن في معارض نسوية عربية وتجمعات لفن نسوي الا انهن شكلن وجودا وحضورا ذاتيا ذات تأويلات تضيف جودة لخصائصهن الفنية، ولم يرغبن بعناوين تصنف اعمالهن على اساس فن تشكيلي نسوي رغم محاولة الفقاد والفنانين من الاقتراب هذه الميزة، بل رغبن في ان يكون الفن محوراً لاعمالهن المختلفة من خزف وكرافيك ورسم ونحت وتصميم وبوستر والفنانة العراقية كانت تشارك اعمال زميلها الفنان العراقي داخل العراق وخارجه لتضيف لمسات كبرى الى اصالة هوية فنية عراقية دون تمييز فاعتمدن في ميزان اعمالهن النزعة الانسانية والذي كانت له الصلة الواضحة وما تزال بالموضوعات الاجتماعية والوطنية عبر تجليات سكنت حياتهن وهواجسهن، فعبرن عبر اشتغالهن في الفن وعبر المعارض الشخصية والجماعية عن انحيازهن لرؤية المعالجات الواعية والانسانية ولم يهتمن بتكريس الفن باستذكارات ودلالات واقعية كواجهة لاعمالهن بل كانت استعادات فلسفية ورؤيا لمضامين توجهات فنية للازمات والمعاني الحياتية التي مررن بها طوال حياتهن.
ولم تكن الفنانات العراقيات غائبات عن مجريات الاحداث وديمومة الحياة وصيرورتها واشكالياتها بل كن يعانين ما كان يعانيه المواطن والفنان، فاكتسبت اعمالهن بعدا فلسفيا وحياتيا وجماليا وانسانيا، وعشن صراعات عديدة بسبب ما كان يمر به الوضع الاجتماعي والسياسي والوطني يمنح اعمالهن مكونات ونزعات موغلة بالتشخيص التقني والصوري فاصبحت سمة لوحاتهن وانماط اساليبهن وتشكيلات رؤياهـن تقنيات اخـرى اكتسبن فيها هويـة عراقية رغـم اتبـاع بعضهن لاساليب فنية متعددة، وعلى الرغم مـن التغيرات التي حصلت الفـن المعاصر واكتساحة لساحـة الفـن التشكيلي العراقي لاعـوام طويلة الا ان اغلبهن احتفظن بموروثات الروح العراقية والبغدادية بشكل خاص، ولـم يتجاوزن رغم وحـدة موضوعاتهن خطـوط التأثر بالسمة البغداديـة والعراقية، واعتبرن المدارس الفنية والاتجاهات المختلفة المعاصرة ما هي الا امتدادات لفن تختلف امتداداته وتجاربه على اختلاف البيئة فاصبحت حدود الوعـي الفني لواقعية الفـن حـدودا غير ضيقـة، فاتسعت مفاهيمهـن لتجارب جديـدة بعيـدا عـن تأثيرات الحداثـة والتجريب والـذي يحـاول الفنانـون التغريب والتجريب فـي مفاصله.