بدأت المسرحية بظهور ثلاث نساء يمشين بخطى واهنة في الجزءالاخير من المسرح، وظهرت خلفهن دمى لرجال،ثم فجأة يقتربن من نوافذ وابواب ويلوحن بالمناديل، ثم يظهر رجل (يحيى ابراهيم) يسير بخطى واثقة ويسير الى ابعد من منتصف الخشبة، ثم يستدير ليذهب نحو مصباح مثبت على عمود على الطرف الامامي من الخشبة، يقف امامه ثم ينزع منه قماشة بيضاء ويلوح بها للنساء، ثم يعصب بها عينيه ويذهب ليدور وسط الخشبة ويتحرك نحو النساء الذي كانت السعادة تغمرهن، فلعبن وضحكن وتراقصن، ثم امسك بواحدة منهن (فائزة جاسم) وضمها اليه بقوة لكنها سرعان ما تخلصت من بين يديه وان كانت غير رافضة لاحضانه، وهي تسأله باهتمام : ماذا تريد؟، فيجيبها : انا اسير في الطريق الصحيح، وسرعان ما راح تخنقه بالقماشة وهي تقول له : هذه هي جزيرة الماعز، ثم تسأله : كيف اتيت الى هنا وهي تقول له : مات رجل المنزل منذ سنين؟ لكنه يسألها عن كونها ابنته او زوجته، فيشير الى ان ملامح الشباب التي تبدو عليها ليست لزوجة، فتعرف منه انه كان سجينا مع شقيقها، ومن هنا تنطلق المسرحية في سرد التوصيفات الجنسية التي ارادها المخرج مع حضور السرير وانطفاء الضوء وصعود الفتاة فوق جسد الرجل وتقلباتها ما بين الرفض والقبول لكن اللقطات تذهب الى تأكيد وقوع اللحظة الجنسية حيث تظهر واضحة في الالتصاقات والاندفاعات، وتتجدد تلك اللقطات مع الزوجة الفاقدة لزوجها (ليلى محمد) وتكرر حركات اكثراثارة على صدر السريرالمنغرز ما بين الظلمة والضوء في الطرف القصي من المسرح، فتشهق الصورة بانثيالاتها المجنونة حين تركب المرأة فوقه الرجل وكان انشغال الجمهور اكثر ما كان في الصور المتلاحقة، ولم تكن اللقطات مع البنت (بسمة ياسين)، في اعتقاد الجمهور،الا ايحاءات لصورة مكررة لمشاهد جنسية على الرغم من عدم حدوثها، الا ان الدلالات كانت تشير الى وقوع اغتصاب، كما ان النهاية لم تكن واضحة بالنسبة للمتلقي الذي لم يعرف ماهو شكل الجريمة.ولا بد هنا من الاشارة الى اداء الفنانين الذين استطاعوا يمنحوا العرض جمالية لاسيما الفنانة فائزة جاسم التي تمثل المسرحية عودة موفقة لها بعد غياب لاكثر من 12 عاما وكان حضورها لافتا، كما كان اداء يحيى ابراهيم الذي اكد نجوميته واظهر قدرة مميزة ولياقة بدنية ساعدته على تجاوز صعوبات الاداء التي تحتاج الى مرونة عالية.
وبعد انتهاء العرض انتهزنا الفرصة لقراءة الاراء، فأول من صادفته كان الفنان سامي عبد الحميد الذي رفض اعطاع رأيه، ولكن اصرار مني قال لي : هل تعرف متى انا اخرجت هذه المسرحية، ومع اجابتي بالنفي طلبت منه ان يقول اي كلمة عنها فقال : المخرج لم يعرف ما القضية!!.
لكن الدكتور عقيل مهدي عميد كلية الفنون الجميلة تحدث عنها قائلا : اثبت ابراهيم بأكثر من تجربة قدراته الاخراجية وهو يمثل جيلا جديدا في المسرح العراقي يمتاز بالجرأة وبالتشكيل الجمالي لـ (الميزانسين) والحركات والاضاءة وتحولاتها ليصل الى معاني حقيقة تهم الانسان وجوديا دون رتوش، واضاف : ان للحروب اثارا مأساوية تترك على المصائر لا سيما النساء اللواتي يكابدن الفقر والتقولات والانطباعات التدميرية تجاه اغلانسان فيتحملن مصائرهن لوحدهن.
اما الفنان الدكتور خالد احمد مصطفى فقال : نحن نرحب بأي جهد مسرحي يقدم حاليا، وهذا العمل خطوة متقدمة للمخرج ابراهيم حنون، وان كنت ارى بشكل شخصي ان عمله السابق (الموت والعذراء) كانت فيه ومضات اكثر من هذا العمل، كما ان الممثلين كانوا جيدين وان احسست ان هناك بعض الخفوت رغم رونقهم، ابراهيم لديه ومضات حلوة، واضاف : الرسالة التي اراد ان يقولها المخرج من خلال العمل هي اننا سمحنا للدخيل ان يتغلغل في حياتنا ومهما كان لابد من اوان ينتهي به اي تدخل وتخريب، وانا اعتقد ان الجرأة مطلوبة الان، فالعمل الاصلي سشتغل على الغريزة وهي ايضا ما اشتغل عليه ابراهيم، ونحن بحاجة الى نبدأ بتذوق ونستمتع بلقطات كنا نخشى ان نقف امامها، وانا مع ابرهيم في جرأته واؤكد ثنائي على الفنانات الجريئات.
وقال المخرج المسرحي ظفار احمد المفرجي : بنى المخرج منظومته على عدة مستويات اجتماعية ابرزها هؤلاء النساء اللواتي احداهن فاقدة لزوجها والاخرى غير متزوجة والثالثة الصغيرة، واراد المخرج ان يقول من خلال العمل ان الامور وصلت من السوء حدا لايمكن السكوت عليه، لدينا نساء كثيرات ولكن الرجال قليلون، وهو يشير الى ان واقع الحال يدفع بنا الى اتجاهات اسوأ واسوأ.
اما المخرج المسرحي عماد محمد فقال : اذا اردنا ان نكون حقيقيين بصدد مشروع مسرحي عراقي له سماته وخصوصياته وهويته، علينا ان نكون في غاية الدقة والحقيقة عندما نريد ان نشخص هذا الواقع المسرحي وننظر اليه ليس من جانب نقدي فقط بل من عدة جوانب كون الجانب النقدي الفني جزء منها، هذاالموضوع يضعنا امام مسؤولية ان نسأل انفسنا : ما هو مشروعنا المسرحي الان وكيف نقدمه ونطوره.
واضاف : في (جريمة في جزيرة الماعز) بالذات افتقد لكل هذه المقومات، العرض لم يعالج بشكل واضح كونه نصا عالميا برؤى معينة الى ان اقتنع انه سيكون على مساس مع الواقع العراقي او الانسان العراقي او القضية العراقية،فما قيمة منجز مسرحي ان لم ينتم الى واقع او قضية او الى متلقيه، والمتلقي بحاجة الى ان يشاهد اعمالا محفزة لعقله وخياله ووعيه ليكون فاعلا ضمن العملية المسرحية لانه ركن اساسي.
واستطرد عماد : ما رأيناه من محاولة المخرج ان يقدم نصا عالميا غلب عليه الانفلات،على مستوى الحركة والصورة والسينوغرافيا وعلى مستوى دائرة العلاقات مابين الشخصيات، وكذلك لم نجد انسجاما ما بين كل هذه العناصر، فانقاد العمل الى نوع من الفوضى حيث ركز المخرج وانشغل بمفردات العرض واصبحت كأنها هي الاساس في بنية العرض،فما جدوى ان ان أأتي بكتل وأضع لها عجلات ويبقى الممثل منشغلا بكيفية تحريكها وهي التي لاترتبط بالمكان ولم يستطع المخرج ان يحرك الكثير من هذه الكتل واصبحت ايقونات ثابتة، ولم نفهم تظيف الدمى التي بقيت جامدة ولم تعط دلالة، وماذا يريد بالاطارات الخشبية المغلفة بالنايلون، وحتى السرير ومحاولات الاشتغال عليه بدلالات متعددة لكنها في بعض الاحيان اصبح خارج السرب،اما على مستوى المضمون العرض كانفيه تخبط فكري جاء من رؤية النصالاصلية التياشتغل عليها المؤلف الاصلي وما اراده المخرج مماجعلنا نضيع ما بين المخرج والمؤلف،ولم تكن هناكرسالة واضحة وان كان القصد منها ان تبنى على الجانب الصوري والجنس كانت معالجته باهتة وغيرملتصقة بالقضية المطلوبة،كانت هناك رسالة ولكنها ضاعت ما بين هذه التفاصيل.
لقطات حميمة ومشاهد هائجة وغريزة فاضحة كانت الصور الجنسية شاخصة برؤاها بشكل فاضح،لقطات متتابعة على اسرة نصف مضاءة، وكان الجمهور يعلن اندهاشه مما يشاهد، ثمة التقاءات حميمة ومشاهد تبرز الغريزة واضحة على ملامحها، كل حركة كانت مثيرة في تعاطيها، وكل لمحة معبرة عن فعل عارم باللذة، بينما الكلمات كانت تشير الى اشتعال رغبة تتطور الى هيجان لتلغي الحدود حين تثغب كاشفة عن تأوهات ليست بريئة تعتمل في النفس وتضج عبرالجسد الذي يتشنج وينبسط وفق تطورات الموقف، تلك هي اغلب المشاهد التي جادت بها مسرحية (جريمة في جزيرة الماعز) للكاتب الايطالي ايغو بتي، واعداد واخراج ابراهيم حنون وتمثيل ليلى محمد ويحيى ابراهيم وفائزة جاسم وبسمة ياسين، والتي عرضت على خشبة المسرح الوطني ببغداد في مساءات ثلاثة ايام متتالية، وهي من انتاج الفرقة القومية للتمثيل التابعة لدائرة السينما والمسرح.
