... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله Bookmark and Share

 

  محور النقد

   
المنهج الواقعي في تجربة الفنان غالب ناهي

ماضي حسن نعمة

تاريخ النشر       11/11/2009 06:00 AM


من خلال تتبعي لأعمال الفنان الراحل غالب ناهي وفهم جوانب شخصيته الهادئه، المواظبة والمخلصة لصميمية العمل والتدريس، لاسيما انني درست عنده مادة الكرافيك قبل عقدين ونيف من الزمن أي سنة 1980-1981 في السنة المنتهية من الأكاديمية
وجدت انه يمتلك الرغبة الحقيقية في التفتيش عن الموضوعات الجدية التي تتعلق بتداعيات الواقع الموضوعي، لذلك نجد ان تلك الموضوعات تحرك في أعماقه شحنة التنفيذ دون التباطؤ من اجل اضفاء عوامل أخرى تثقل تكوينات المشروع، فالدافع الوجداني المتعلق بمصداقية اقتناص الفكرة، هو العامل الأهم الذي يسعى من اجله الفنان، ما دعاه الى عدم الاكتراث بالعوامل الأخرى التي من شأنها ان تثير عامل الدهشة اللحظية لدى المتلقي.. واقصد هنا متطلبات اللوحة في جوانبها المثيرة.. والمباشرة..
فالملاحظ ان واقعيته تخضع الى زخم التحوير والاختزال، وهو لا يرغب في الإفصاح عن تكويناته الا بحدود الإيماء والتعبير في مناخ إيحائي وضمن أبعادها المرئية، ولكن الفنان يركز على المدلولات التعبيري لأشخاصه اذ يتوغل في الغوص داخل أعماقهم وخلجاتهم الإنسانية، ففي هذا المضمار أود ان أشير الى جانب أخر، ان الفنان الراحل قد تميز بعدم الانكفاء والتوقف عند تصوير الخارج والمحيط والطبيعة (يقول الناقد عادل كامل فإذا كانت تجارب فائق حسن وجيله قد اهتم بالمعالجات الخارجية للأشكال، فان غالب ناهي كواحد من الجيل التالي – الستيني سيغوص في الداخل، ولكن دون ترك القيم الأخرى) ونحن نرى أن الفنان استطاع أن يخلق موازنة بين الاهتمام بالظواهر الخارجية وتصويرها وبين الإفصاح عن عالمه الداخلي، أي التركيز على الوحدة العضوية بينهما على حد سواء، ورغم أن هذه الميزة ترتبط بالجيل الذي ينتمي إليه أي جيل الستينات الا انه استطاع أن يطور هذا الاتجاه بما يتلاءم مع أسلوبه من حيث الوحدة بين الموضوعي وبين الأفكار والتقنيات، لقد كان الفنان الناهي في تجربته امتداد الى تجارب جيل الرواد حيث استلهم أسس فنه من تلك التجارب في ترسيخ وتأكيد قيمة الواقعية وتعزيز اسلوبه وتطويره ومنحه سمه تؤكد انطباع واقعيته الى عمل فني يعكس الحالات النفسية والاجتماعية، حيث عكس واقع البيئة العراقية في أعماله الفنية. وانه رسم أعمالا كثيرة لقرى الجنوب واعمال ذي حس شعبي، وقد نفذها بقيم واقعية تعبيرية وهي مستمدة من تجارب الرواد كما ذكرت أنفا وبالذات من أستاذه فائق حسن، ولكنه منحها البعد المرتبط بتجربته الشخصية أي بإعادة صياغتها منطلقا الأسس السابقة.
ضوابط علمية في التقنيات
لقد أكد الفنان وجود الأسس العلمية ببناء عمله الفني بجانب الأسس الفكرية مضافا اليه تجربته الشخصية وخبرته كأستاذ اهتم بالجانب التقني للعمل الفني، لاسيما خبرته في عمل الكرافيك، ومن الملاحظ ان تقني العمل الزيتي تسودها الكثافة في اللون ويستخدم سطحا خشنا بجانب سطح ناعم، كما ان تداخل الألوان وضبابية معالم رموزها أي عدم التلويح بملامحها بشكل مباشر وتدخلاتها مبتعدة عن البهرجة الوهاجة أعطت نتائج توحي بتركيز الفنان على الاهتمام بالفكرة وايحاءاتها الرمزية، وعلى الصعيد التقني في فن الكرافيك فقد لاحظت ذلك من خلال تدريسه لنا حيث كان يصب جل اهتمامه بإتقان الصنعة وتتبع مراحلها سواء كان ذلك بالحفر المباشر او غير المباشر وعلى السطوح المختلفة الزنك، النحاس، الكاوجك، الخشب... الخ، اذ اكتسبها تراكمات خبرته الشخصية في التطبيقات أما فيما يخص الجانب الانشائي فقد كان يهتم بعلاقة الكتلة مع المساحة، والمساحة هنا غير متاتية نتيجة فراغ فائض في حدود العفوية.. بل هو مكمل مع غائية الكتلة وحدودها، وان الخطوط المتداخلة والمتشابكة بالتقنية ذاتها التي منحته الخبرة في ادائها. وفي نطاق التعامل مع الحداثة فان الفنان قد التزم بمنهجه الواقعي الرمزي او رؤيته التعبيرية، فهو استطاع ان يخرج عن الأفق المدرسي، ومحاكاة الواقع، وهو لم يغامر في التأثر بالمدارس المعاصرة او الخروج عن أسلوبه المعروف بل حافظ على حدود ما كان يخطط له، وهو لم يحاول ان يطور او يغير في تركيبة أسلوبه في إدخال أشكال جديدة.. وقد يكون الأمر متعلقا بخياله او قناعته الذاتية في هذا المنهج ولكنه استفاد في إدخال التقنيات المعاصرة والمتطورة في أعماله لاسيما في مادة الكرافيك وقد انعكس ذلك أيضا على الأعمال الزيتية بشكل واضح، فالحافظ على مديات وحدود اسلوبه في هذا النطاق كان ما يشغله هو الفكرة والموضوع وان الصناعة الفنية هي خدمة لتلك الأفكار، واهم ما كان يميز عمله في الجانب التقني هو الاهتمام الخاص باستعمال القيمة الضوئية في جانب من جوانب عمله بما يتقن المحتوى الإنساني.
دلالة الجوهر والإنسان عنده هو الموضوع الرئيسي في أعماله بما يحمله من هموم وفزع ومحنه وقلق ولكنه يجعل من هذا الإنسان، منتفض، متوتب، متماسك، غير مشوه أو مسحوق، وقد يعالج ذلك ويعبر عنهما في تقنياته العالية. ونستطيع القول ان تفكيره يجتاز المحيط الزمني المحدد لتلك المرحلة، بل انه في مجال أخر نجد ان مداركه الحسية الخيالية في أشخاصه تستقري المستقبل الذي يلوح افقه في التبشير والنزوع الى الحرية والخلاص من زمام القيود وتفحص المستقبل برؤية تفاؤلية منتفضة وليس مستسلمة قانطة، وانا اختلف بهذا الجانب مع ماذهب اليه بعض النقاد حين أشاروا (ان شخوصه لا يحتفون موقف أنساني المعارض او غير المرغوب فيه فهم على ارتفاع ومصالحه دائمة مع الواقع الإنساني ) وفي جانب اخر ان تجربته تمتد الى عمق التراث وليست في حدود الواقع الشعبي والقروي، ففي مجال تقنيات الكرافيك كانت لها علاقة بفن الطباعة العراقية الأولية القديمة (الأختام الأسطوانية ) فالعلاقة بين الطباعة والأختام والكرافيك مهدت لأول مفهوم يخص الحداثة في الكرافيك العراقي وعلاقة هذا الفن بالرسم وباقي الفنون التشكيلية الأخرى، فضلاً عن ان الفنان غالب ناهي هو اول من درس مادة الكرافيك بمعهد الفنون الجميلة عام 1968 -1969 أي قبل مجيء الفنان رافع الناصري الذي تخرج من ايطاليا ولكن كانت بدايته قبل السفر نقل الصور الفوتوغرافيه على المداليات الذهبية وقد وجهه الفنان جواد سليم بالعزوف عنها والعمل على انجاز أعمال اكثر فكر وحرية وخيال فقد نفذ أعمال لجواد محفورة على صحون موجودة في متحف الرواد، لذلك فان مسيرته في فن الحفر جاءت في مراحل متتالية خاضعة للتجربة والتطور تتلمس البحث عن التقنيات والموضوعات الملائمة لأفكاره وادخل الزخرفة الإسلامية في موضوعات أخرى من أعماله. وفي مراحله الأخيرة اخذت أعماله الواقعية التعبيرية تقترب من التجريبية الرمزية في اعتمادها على الكتله والمساحة التي تتناول موضوعات طبيعية جامدة وموضوعات حياتية واجتماعية وخاصة في معرضه الخامس، الا انه بقية مرتبط الى حد ما بحدود شروط اللوحة الواقعية وان أسلوبيته التكنيكية كانت تخضع أيضا الى الاتجاه العقلي، ولكن بحدود النزعة في قيمة التشكيلية المعبرة في حدود الواقعية، لقد كان الفنان ابن الواقع العراقي يتحسس هذا المحيط بأدراك المسؤولية، لذلك فأن قيمة الجوهرية هي تناول تلك المشاهد الدرامية التي جسدها في شخوصه التي تتحرك بدافع الوعي بدورها وتحديد أبعادها الاجتماعية، والانعكاسات النفسية عليها، فهو لا يحلق بعيداً في فنطازية ما ورائيه تبعده عن الواقع، بل انه توغل في داخل الأعماق الإنسانية كالاستجابة في واقع الظروف التي يمر بها البلد السياسية والاجتماعية والثقافية، فهو أذن ملتزم مع ذاته ومع محيطه.
تنوع التجربة
من ملاحظ ان اغلب ما يميز أساليب الفنانين أنها انتهت الى مطاف يسمو على أعمالهم وحدة تشابه إيقاعي أو تقني يكاد أن يجعل أعمال البعض يصل الى ( العمل الواحد ) كإفصاح عن هوية الفنان المزعومة أن تلك الحالة مشروعة لو كانت في سياق الانعكاس النفسي والتقني للفنان بشكل تلقائي رغم تنوع تنفيذ التقنيات بعد مخاض تجارب متقدمة والفنان غالب ناهي ابتعد عن مسار هذا السياق رغم افتقاره الى المغامرة في التجريب الغزير إلا أن تقنياته قد تنوعت في إطار الإخلاص والصدق العفوي لذلك بقيت نتائج عمله مرتبطه بالصلة الواقعية للأهداف لأنها كانت هي الهاجس الرئيس في توجهاته الفنية وهذا الأمر في النتيجة لم يمنع من إفصاح أسلوبية الفنان الشخصية في مجالات التنوع وذلك لوجود وحدة الدافع والارتباط بالموضوع والهدف كما ان بلورة المقدرة على استخدام التقنيات واختيار الألوان التي هي ملائمة مع مناخات البيئة العراقية كل ذلك يستطيع المتلقي ان يشخص مسحت الفنان الشخصية في ( الأثر ) ويجدر بنا القول ان طريقة التعبير الشخوصية الإنسانية كذلك هي سمه أسلوبيته قد انفرد بها الفنان أي التعبير بحدود أبعادها الواقعية لذلك فان التزام الفنان واعتماده على المهارات التي اكتسبها من جراء تجاربه الغزيرة لاسيما تقنيات الحفر في الكرافيك جعلته يخطو بثقة عالية دون الانسياق وراء اكتساب استعارات خارجية كي تدعم عمله التشكيلي وزحم الثقه التي اعتمد عليها هي الإخلاص الى مبررات وجود موضوعاته الإنسانية وفي الأعمال الزيتية حصرياً كان ما يميز أسلوبه هو استخدام الألوان الكثيفة على سطح اللوحة وقد تبدو كأن مزجها قد تم على سطح اللوحة تواً دون سابق أعداد على الباليت والأمر يرتبط بالدوافع النفسية التي ارقته بما يتضمن من مأساة دراماتيكية للهدف الاجتماعي الإنساني للموضوع كما ان الألوان التي استخدمها هي امتداد الى واقعية الفنان فائق حسن من حيث القرب للبيئة العراقية رغم الاختلاف في الإخراج النهائي للعمل.. ان الفنان غالب ناهي تنوعت أساليبه في المواد والتقنيات ولم يكترث الى المظاهر الشكلية التي تعلن عن سياقات تعريفية للأسلوب والتجربة.
واخيراً يمكن أجمال ما تحدثت عنه بالإيجاز الأتي:
1- الفنان غالب ناهي كانت تجربته امتداد طبيعيا ومنطقيا لتجارب الرواد ولذلك فقد أرسى أسس اتجاهه انطلاقاً من هذا الامتداد.
2- كان واقعياً تعبيرياً تجريدياً رمزياً في منهجه.
3- الإنسان او الشخوص الآدمية، الموضوع الرئيسي لاعماله.
4- الموازنة بين الاهتمام بالتشكيل الخارجي وتصويره وبين المحتوى الداخلي والنفسي للإنسان.
5- الاستفادة من تقنيات معاصرة وخاصة في مجال الكرافيك.
6- الالتزام بواقع البيئة العراقية التي تجسدت مواضيعه في القرى والمناخات الشعبية.
7-الابتعاد عن المغامرة والتأثر بالمدارس الغربية المعاصرة الا بحدود التقنيات.
8-التركيز على الفكرة والموضوع وان التقنيات هي خدمة تلك الغايات.






رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  ماضي حسن نعمة


 

بحث :

Search Help


دليل الفنانيين التشكيليين

موسوعة الامثال العراقيه

انضموا الى قائمتنا البريدية

ألأسم:

البريد ألألكتروني:



 

 

 

 

Copyright © 1997- IraqiArt.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
ENANA.COM