الفنان التشكيليّ "هاشم تايه

المقاله تحت باب  محور النقد
في 
02/09/2007 06:00 AM
GMT



أعي أن جزءاً من خصوصيّة أيّ عمل تشكيليّ ناجم عن طبيعة مادته التي يتشكّل منها. الفنان التشكيلي" هاشم تايه" ولد في البصرة عام 1948 حصل على بكالوريوس /آداب اللغة العربية من جامعة البصرة عام 1970 .. مارس الرسم وأقام معارض شخصية منها:
1-معرض تشكيلي في عام 1974 على قاعة جمعية الاقتصاديين في البصرة  .
2-معرض تشكيلي في عام 1976 على قاعة كاليري 75 التي أسسها الفنان الراحل ناصر الزبيدي في البصرة  .
3- معرض تشكيلي في عام 1989 على قاعة اتحاد الأدباء في البصرة  .
4 –معرض تشكيلي في عام 1992 على قاعة المتحف الوطني العراقي بغداد.

ساهم في معارض تشكيلية جماعية متعددة. يمارس أيضا التصوير الفوتوغرافي وينشر صوره مع تعليقاته الباهرة في بعض المواقع الالكترونية على شبكة الانترنت العالمية.. ويكتب كذلك الشعر والقصة والنقد التشكيلي. وقد نُشرت بعض مقالاته وقصصه وقصائده في صحف ومجلات عراقية وعربية. كما كُتبت بعض الدراسات عن معارضه وقصائده فيها. للفترة 25 نيسان-10 آيار 2007 أقام معرضه الأخير بعنوان (منفيّات) في قاعة البيت الثقافي في البصرة وضم (24 ) منحوتا، معتمدا فيها خامات غير تقليدية ومواد تستخدم في الحياة اليومية وبعد استنفاد الحاجة منها واليها ترمى وتهمل ويتم التخلص منها عشوائيا بصفتها "نفايات" لا قيمة لها ثانية..الا انه عمد الى التقاطها وتجميعها في أماكن تواجدها الأخيرة .. وهي ملقاة على الأرصفة لا تثير المارة .. او في المناطق السكنية الشعبية وتلال نفاياتها الحالية .. كما انه قصد بعض أماكن الطمر الصحي التي تقع خارج المدينة منقبا فيها لأيام وأسابيع بهوس وحنان غريبين ملتقطا منها ما يراه سيشكل بعد ان يعيد العمل عليه قيمة فنية في الواقع المنظور ومكونا من تلك المواد التي لا قيمة أو منفعة لها، بنية نحتية- فنية عرضها في معرضه النحتي الأول.

 عن معرضه هذا والمواد التي استخدمها ودوافعه ورؤاه التي بثها وجسدها في منحوتاته هذا الحوار:
معرضك الأخير" منفيات" انتقلت فيه من الرسم الى النحت..لماذا؟
هل استنفد الرسم رؤاك بينما ثمة ألوان وخطوط تعود للرسم وتشتغل على فضاءات أجساد المنحوتات" المنفية" الهزيلة؟
* لديّ أكثر من سبب دعاني إلى إخراج أعمال معرضي الشخصيّ النحتي الأول والذي سمّيته (منفيات) إلى الفضاء في بنية شبه نحتيّة، بينها رغبتي في تنويع خطابي البَصَريّ، ونزوعي إلى التجريب باستخدام خامات غير تقليديّة، هي بطبيعتها كمواد لا يمكن أن تعيش إلاّ في فضاء مفتوح خارج أيّ إطار، بالإضافة إلى ما يتصل بالعمل النحتي الذي يتوفّر، بسبب طبيعته الخاصّة، على إمكانية أن يُرى من أكثر من زاوية ممّا يجعله قابلاً لأن يتعدّد ويتكاثر، وهناك أيضاً محاولتي الجمع بين الرسم والنحت في بنية موحّدة، وأخيراً قناعتي بأن نقل عناصر تشكيليّة معيّنة من سطح تصويري ذي بعديْن في لوحة تُعلَّق على جدار، إلى الفضاء الطلق في بناء نحتي من شأنه أن يجعل تلك العناصر أكثر حضوراً وأشدّ تأثيراً..
 كيف يتجسد ذلك في النحت؟
*حين يجري تحويل الخطّ مثلاً إلى شاخص مادي على خلفية حيّة هي الفضاء، فيصبح الأمر وكأنّك ترسم على الفضاء، وليس على سطح مغلق. * في منحوتاتك مواد صلبة( شيش حديد للبناء،خشب،قنانٍ زجاج وبلاستك وبراغ ،أسلاك معدنية..الخ) وهناك ما هو لين سيتهرأ مع الزمن،( خيوط،شماريخ نخل، ورق جرائد يومية، أغلفة بضائع مستوردة..الخ) كيف سيكون شكل هذه المنحوتات بمواجهة التواتر الزمني مستقبلا؟ أتعيد تغليفها وتشكيلها ثانية أم تتحول إلى "منفيات" أخرى..؟
* أعتقد أنّ الكثير من أعمالي، بسبب هشاشة مادته، لن يعيش طويلاً في الزمن، وإذا قُدِّر له أن يعيش فسوف يخضع لمزاج النحات الأبديّ الذي هو الزمن، وربما تكون بصمات الزمن على بعض هذه الأعمال لصالحها أخيرا..
 
 أسأل هنا عن مفعول التقادم الزمني الذي يجعل الأعمال الفنية أكثر رسوخا وتوهجا والنحتية بالذات؟
*هناك طبعاً إمكانيّة أن يعاد إنتاج أعمالي بمواد صلبة أكثر قدرة على مواجهة الزمن، وهذا يتطلّب الاستعانة بنحّاتين محترفين ذوي خبرة أنا محروم منها بأسباب خاصّة... أنا معنيّ بهذه اللحظة التي أعيش فيها، لكنّني أحبّ جدّاً أن تجد بعض أعمالي مبررات الوجود في زمن آخر بعدي، فهذا يسعدني..ما يهمني الآن أن أجد فرصتي في التعبير عمّا أحسّه بخيالي، بالمادة التي هي مادة زمني وبيئتي حتّى لو كانت تافهة وضئيلة القيمة، مادامت تلبّي حاجتي إلى التعبير الحرّ، وطيّعة في التشكّل بحسب هواي، وبحسب احتياجي إلى الاستمتاع بتشكيل الأشياء، وعلى وفق مطالب الذات الباحثة عن التوازن والاكتمال، ورأب صدوع الاضطراب الذي تعيشه.
 
*أجلست وأوقفت بعض المنحوتات على علب كارتون او صناديق بلاستك..وتركت بعضها مفتوحة مجوفة عند منطقة البطن ودون أحشاء وأخرى أحرقت عيونها الخشبية وبعض الاجساد الشبحية الهزيلة صنعت لها عيونا من قناني البلاستك المجسمة البارزة خارج شكلها الضامر وبعضها حلقات معدنية بدلا من أفواهها..هل تقرأ فيها الحاضر العراقي الدامي الملتبس أم ماضيه وعذاباته التي لاتفارقه كقدر تراجيدي مستمرة؟

*هذه الأعمال التي يتداخل فيها الرسم بالنحت جميعها بنات لاشعوري الخاص الذي هو مخلوق ماضٍ عشته، وهو لاشعور يعمل في لحظة راهنة تُلقي بأعبائها عليه، وما من أثرٍِ فنيّ إلاّ وهو حصيلة هذا الاضطراب أو التمازج الذي ينجم عن اختلاط الحاضر بالماضي..عادةً الماضي يعمّق شكل الحاضر، كما لو أنّه ظلّه العميق الذي يحتاجه لتظهر ملامحه بسطوع، وفي كلّ عمل فني ينتجه الحاضر تجد صدى الماضي الذي يصعد من الأعماق، ويتسرّب بعفويّة، ويمثل بأسبابه الخاصّة..بالنسبة لصناديق البلاستك، وعلب الكارتون، هذه مادة الحياة الهشّة التي أعيشها، وعلامتها الفارقة التي لا يمكنني نسيانها، ألتقيها، كلّ يوم، على الأرصفة وفي الطرقات، وبين النفايات، وقد وجدت فيها إمكانية أن تكون مادة عمل فني تحضر فيه كمفارقة ساخرة، وكهجاء بلغة الخيال لما هو هشّ، ولا يمتلك من مقوّمات البقاء
شيئاً.. أعتقد أنّ استثمار البسيط المهمل  من المواد التي يستعملها الناس عادة خلال حياتهم اليوميّة في عمل فنيّ يجعل من هذا العمل أليفاً ومثيراً في نفس الوقت، ويجعل من الممكن صناعة أثر ممتع بمادة بسيطة.
 
 *رأى بعض الفنانين والمثقفين الذين تحدثوا عن معرضك لبعض الفضائيات التي رافقت افتتاحه ، وقدمت عنه فلما تسجيلا تلفزيونيا ، انه ليس معرضا نحتيا خالصا وإنما هو "معرض تجميعيّ بسبب امتزاج الألوان والأشكال في وعلى الهياكل المجسمة والمواد التي جمعتها واستخدمتها" كما كتب أيضا الناقد التشكيلي " خالد خضير" بأنك:
"تخرق قوانين النحت .. لـتؤسس أعمالك في معرضك هذا على تنافذ استعاري"؟
*" منفيّات" هي محاولة لاستخدام خامات غير تقليديّة تتصل بالرغبة في تعزيز التجربة بما هو خاص يفردها عن غيرها من التجارب بمواد بسيطة أليفة تعيش بيننا.. وأنا أعي أن جزءاً من خصوصيّة أيّ عمل تشكيليّ ناجم عن طبيعة مادته التي يتشكّل منها، وطبيعة هذه المادة تفرض تعاملاً خاصّاً قد تكون نهايته انتهاكاً لقانون جنس فنيّ.. وإذا كان هناك خرق لقانون من قوانين النحت في تجربتي، فقد وقع في ظلّ الوعي بتلك القوانين التي وجدت أصلاً لتعين الفنّان، وتسهّل عليه العمل، لا لتُقيّده وتقطع عليه طريق الابتكار والتجديد.. كلّ عمل من أعمالي هو حصيلة اقتراحات الخيال التي تبتهج بها العين، ويجري استبدالها باقتراحات أخرى طبقاً لمعايير جماليّة، وتصعيدها في سيرورة عمل تكون نهايته الصورة الأخيرة التي تقف على ما يراه الفنّان الذروة.
 
 وما قيل عن ان منحوتاتك تقع في منطقة الـ" تجميع"؟
* لا يضير أيّ عمل نحتيّ أن يكون قد جرى إنجازه بأسلوب تجميعيّ، مادام قد تحقّق بشروط الفن، وانتهى إلى كيان جماليّ يستثير الذائقة والوعيّ.. إنّ منحوتات كثيرة أنتجها فنّانون عالميون بهذا الأسلوب، منذ زمن ليس بالقصير، ما تزال، إلى يومنا تحتفظ بحيويّتها وبقدرتها على التأثير والإبهار..