المقاله تحت باب محور النقد في
12/09/2007 06:00 AM GMT
ألقى الناقد التشكيلي العراقي خالد خضيرالصالحي محاضرة بعنوان (الفن التشكيلي العراقي إبداعا ونقدا) تناول فيها مراحل تطور الفن التشكيلي العراقي الحديث منذ نشأته في الربع الثاني من القرن الماضي الى التجارب الحالية ، أنتاجا ونقدا . فأكد أن الإشكالية الحضارية لعصر النهضة العربية والخطاب الذي تمخض عنها قد اعتمدت (على معادلة طرفاها: التراث العربي الإسلامي - من جهة ، والتراث الأوربي الغربي الذي تم تركيزه في الكشوفات العلمية وثمارها التكنولوجية من جهة أخرى-وكان التوفيق بين طرفي هذه المعادلة هو أساس مشروع النهضة العربية) إلا ان النتيجة النهائية التي ترسبت هي تبلور خطاب عصر النهضة في موقف تعامل نفعي مع (الآخر) ، تعامل (يفصل بين التكنولوجيا وبين الفكر الذي انتجها، فيكتفي باستيراد التكنولوجيا لاعنا أساسها العلمي) ، وتضمّـن شكل الموقف من الآخر تناقضا فاضحا باعتباره (غازيا) و(معلما) في الوقت ذاته ، غازيا فيما يتعلق بالمستوى الفكري ، ومعلما فيما يتعلق بالمستوى العلمي أو بصفة أدق المستوى التكنولوجي . فتولد حيال ذلك (موقف) هو رد فعل يرفض (الغزو الفكري) ، ويتقبل المخترعات العلمية وما يتعلق بها من معارف. ويعتقد أن الفنون التشكيلية ومنها فن الرسم ، كانت مجالا عصيا على الانضواء تحت خيمة الأيديولوجي وذلك بسبب بنيته غير اللغوية وبالتالي العصية على الأدلجة أولا ، وثانيا بسبب التغيرات الجوهرية والدرامية المتسارعة التي إصابته في أوربا خلال فترة وجيزة عادلت قرونا من التحولات ، وهو ما جعله عسيرا على الهضم من قبل الكثيرين وقتذاك. و يستعين المحاضر بتنظيرات شاكر حسن آل سعيد التي تؤكد أن الظروف الأيديولوجمالية التي كانت تستند عليها جماعة بغداد للفن الحديث ، والفنانون العائدون لتوهم من أوربا ، فيقول "تبلورت الأجواء ، ونضجت عندي مسؤولية التعبير بالرسم على غرار ما كان يحدث بالشعر العربي الحديث ، ما حدث للشعر سيحدث للفن مع (جماعة بغداد للفن الحديث) بعد ان نضجت فكرة تأسيسها بين عامي 1950 و 1951- كنا نريد ان نوضح للفنان العراقي عامة ، ولأنفسنا كجماعة فنية خاصة ، بأن استلهامنا للتراث في الفن هو المنطلق الأساسي للوصول بأساليب حديثة إلى الرؤية الحضارية" ويواصل تحديد الهدف بدقة بأنه (التعبير المحلي بتقنية حديثة)"وشاكر حسن هو الذي كتب البيان التاسيسي للجماعة. وفي معرض تعليقه عن الاشكالية التي واجهت الرعيل الاول في انجاز لوحة ذات خصائص محلية يقول:ان أهم معضلة واجهت الرعيل الأول من دارسي الفن في أوربا هو : كيف نجد سبيلنا الذي يضمن إمكانية المحافظة على التوازن بين التراث والمعاصرة ؟ ، وهما قيمتان غير جماليتين، و بعد ان حققت المعاصرة أولى خطواتها بقبول شروط (تكنولوجيا) اللوحة المسندية والألوان الزيتية وبعض من الرؤى التعبيرية التجريدية التي لم تكن خطيرة ، و لم تكن تتعدى حدودها لتصل الى حد المساس بالشكل التشخيصي العربي الإسلامي الذي يفصل الرسام عن المزوق والخطاط العربي . لقد واجه جواد سليم هذه المعضلة في الميدان التطبيقي ( بينما تولى غيره مشاكلها التنظيرية) فوجد نفسه أمام مشكلتين : كونه رساما ـ نحاتا في الوقت ذاته ، الأمر الذي ألقى عليه أعباء إضافية لم يتعرض لها الآخرون الذين تخصصوا في أحد الفنين دون الآخر ، ففي فن الرسم تم الحل بالعودة إلى الواسطي مخلوطا بتأثيرات من بيكاسو و ماتيس (لوحات : لورنا ، طفلان يأكلان الرقي ، حكاية تتضمن مكر النساء وان كيدهن عظيم -) بينما استعصم عليه الأمر في النحت ، أولا بسبب الافتقار إلى نموذج عربي إسلامي للنحت ، كانت المعضلة عند جواد سليم اشد تعقيدا ، فقد كان فهمه للتراث لا يتعدى تحقيق السمات المحلية بمعانيها الضيقة التي تعني الأجواء البغدادية، وهو أمر عسير بما فيه الكفاية. لقد كانت سطوة النحات الإنجليزي هنري مور عليه طاغية حينما لا يرغب في نسخ الواقع في النحت المجسم (منحوتات الأمومة مثلا) ، لذا توجب عليه (إدخال) الواسطي إلى النحت ! لكن الحل كان بمنتهى السذاجة ولم يكن يتعدىاكثر من الاكتفاء بإدخال شكل شبيه بالهلال ! للموازنة بين المعاصرة والتراث !! . لقد وجد جواد نفسه ، ربما أمام اصعب مهمة واجهته في حياته ، وهو يهم بإنجاز نصب الحرية ، وقد تم حلها بالتخلي عن النحت المجسم الى استخدام النحت الناتئ (الريليف) ، الذي هو برأي المحاضر، مرحلة وسطى بين الرسم والنحت ، وربما بمعنى أدق (رسم بالحجر) ، أي تم حل معضلة تخص النحت بالعودة الى الرسم ، بالعودة الى الواسطي ، لقد كان اكتشاف الواسطي اذن مفتاحا سحريا لكل الحلول !!. وظل كثير من الرسامين يرزحون تحت وطأة منجز جواد سليم ، منهم ليس على سبيل الحصر: نزيهة سليم ، خالد الرحال، محمد غني حكمت ، وحتى نهاية حياتهم ، أما شاكر حسن آل سعيد فقد أرتد (في نهاية الخمسينات لينحاز بصورة حازمة الى النزعة التجريدية ، لكيما تتمثل خصوصا في التجريدية اللاشكلية) أو البعد الواحد ، بعد ان (- توقف قليلا في تلك السنوات أمام الفنين السومري والبابلي في لوحتي (شخصان) و (الفلاحون والقمر) أطال التوقف أمام الروح الشعبية كم تتمثل في (ألف ليلة وليلة) ليرسخ محاولاته الأسلوبية التي تجمع بين المؤثرات الحديثة في الفن الأوربي - والمؤثرات العراقية والعربية) كما يذكر شربل داغر ، وارتد فائق حسن سريعا عن محاولاته رسم الأجواء البغدادية وطور لنفسه أسلوبا انطباعيا تماما وذا سمات شخصية متفردة ، من بين كل الرسامين العراقيين في رسم الطبيعة والبادية والفرسان والخيول ، ساعده في ذلك توفره على تقنية لونية عالية لم تتوفر لغيره ، بينما اتجه جميل حمودي ومديحة عمر الى ابتكار توليفة حروفية زخرفية باعتبارها (النسخة العربية) من التجريد ، وتخلى كاظم حيدر عن موضوعاته السابقة ، فشكل بذلك رأس الحربة في التحول اللاحق ، فلم يدم الأمر طويلا، فقد رفض جيل الستينات من الرسامين الطليعيين (علي طالب وصالح الجميعي و فايق حسين وغيرهم) هذه الفكرة الاتباعية ، كما رفضوا ، وهذا هو الأمر الحاسم ، فكرة هيمنة الأيديولوجي على الرسم ، فكانوا أجرأ بما لا يقاس من نقاد الفن التشكيلي الذين ظلوا خاضعين لهيمنة الفهم الرسمي لمهمة الرسم والفن والإبداع عموما ، وشكلوا جزء من خطابه فشكلوا عقبة ابستمولوجية كبلت الرسم العراقي ردحا طويلا من الزمن . ثم تناول المحاضر الحركة التشكيلية العراقية في الستينيات معتبرا : ان التحول الأهم في الفن العراقي قد حدثت بمجيء (جيل الستينات) ، وهي تسمية يتحفظ عليها إذا استخدمت كما تستخدم لأهداف تأريخ الأدب و الشعر في العراق ، وقد كانت أجواء الخامس من حزيران تلقي بثقلها على الواقع العربي ، فظهرت مجموعة من الرسامين الشباب وقتذاك ، ومن أبرزهم جماعة المجددين ، وهم تعبيريون أساسا ، إلا أن أهم المرجعيات التي استندوا عليها : رفض الهيمنة التي أسميتها (آيديولوجمالية) ، باعتبارها شرطا مسبقا من شروط الرسم !! ، ثم افتقارهم القدرة عل استساغة فكرة اعتبار اللوحة شيئا مستقلا ، لا تقليدا لشيء آخر (أشكال الواقع) ، والأمر الأكثر خطورة وثورية ، اعتبار الرسم مغامرة تقنية في كيفية استخدام المادة على سطح اللوحة ، بينما كان جيل جواد سليم تقليديا في استخدام المادة ، وكما هو معروف ان أهم ثورات الفن هي في التنوع الهائل في استخدام المادة والجرأة في ذلك ، و لن أخفيك ان ما هو مطروح من نقود صحفية مصابة بفقر الدم المعرفي والجمالي والذي يداري خيبة فشله في قراءة اللوحة بالتعكز على طروحات أيديولوجية يتم تفصيلها بمقاسات جاهزة تصلح لكل أنماط الإنتاج الفني والمنتجين. مرجعيات المحاضر البصرية يعتقد المحاضر ان اهم الموجهات التي اتبعها في كتاباته هي دراسة التكوين (بنية) اللوحة بمحاولة دراسة طوبولوجية اللوحة التشكيلية ، وهو منهج يحاول ان يكون نابعا من الخيال ذاته وليس مفروضا من خارج البعد الجمالي والبصري للوحة وبشكل قسري مسبق ، لكن ، ومع كل هذه الاعتبارات ، فهو يعتقد انه لا توجد قراءة بريئة، وان اللوحة تشترك مع الصورة الشعرية بسمات مشتركة اهمها آلية بناء الصورة باعتبارها حقل اندماج لنمطين مختلفين من الصور عبر عملية التشاكل الصوري . تكريس تناول الشكل الفني (بطريقة طوبولوجية) ، وهي مسعى يتضمن توجهات لدراسة اركولوجية للمستويات البنائية و التقنية للشكل في اللوحة ، وتكون منطلقاتها الأساس برأينا : (بأن العقل البشري قادر على التصور بصيغة أشكال مكانية - بصرية) تجعلنا معنيين في الرسم (بتكوين حقيقة تصويرية وليست حقيقة حكائية) ، وفي التنظير بتلمس تلك الحقيقة . وبذلك يكون (الوعي بالشكل) أمرا في غاية الجوهرية عند خلق الفنون ودراستها وهو (يوحـّد البشرية ومن شأنه ان يمحو الزمن) انه إسقاط لزمن آني لا يحتمل التتابعات الحكائية. نؤكد بداية ، ان كل محاولاتنا في تناول التجارب الإبداعية للرسامين العراقيين تطمح إلى تكريس تناول الشكل الأدبي وإبداعه (بطريقة طوبولوجية)، يجب ان تقرّ منطلقاتها الأساسية برأيه: (بأن العقل البشري قادر على التصور بصيغة أشكال مكانية - بصرية) وإننا في الرسم معنيون (بتكوين حقيقة تصويرية وليست حقيقة حكائية) ، وان (الوعي بالشكل) هو أمر في غاية الجوهرية في خلق الفنون ودراستها وانه (يوحـّد البشرية ومن شأنه ان يمحو الزمن). تطبيقات عملية من الرسم العراقي اصدر شاكر حسن آل سعيد ، عام 1986 ، كتاب (الحرب و السلام) حيث أعاد نشر تخطيطات سبق له ان ضمها لمعرض أقامه بنفس العنوان ، مضافا لها مقدمة شكلت رؤية نقدية بحثت ما تضمنه الكتاب من رؤية فنية.وقد تناول المحاضر هذه التجربة بالقول:إننا هنا لا نحاول فقط استقراء التجربة الفنية بل ونحاول استقراء متعلقاتها النقدية ، والتي فصل شاكر حسن آل سعيد القول فيها في عدد من المقالات التي كتبها حول هذه التجربة ، وأهمها مقدمة كتاب (الحرب و السلام) والتي أكد فيها انه قد قلب منطق الأشياء حين طبع الكتاب مستبدلا النصوص اللغوية بنصوص مرسومة ، وكأنه يريد من القارئ ان يحاول قراءة الكتاب بحيث تؤدي الرسوم دور (مقاطع) قصيرة تحتوي نصوصا مدونة بأبجديات غير مألوفة هي تفاريق الخط متمثلة بالنقاط والخطوط المتقطعة والوحدات الزخرفية ، فكانت كل (تخطيطة) تعيش وجودها اللغوي من خلال (الأبجديات) التشكيلية ، من خلال تنوع معاني النقطة وتحولاتها الشكلية(= تفاريقها) من أعداد وخطوط وأسهم ونقاط متقاطعة ومتتابعة ،تصنع خطوطا جراء تحركها على بياض الورقة من طرف لآخر ، مؤلفة مكونات متحفه الأركولوجي الشخصي من كتابات و إشارات وأسهم ودوائر وما الى ذلك من لقى وحروف أبجدية مفروطة ، وبذلك فهو يحقق ( تصورا لغويا للموضوع التشكيلي) ، ويساهم في شحذ التمثل للمحورين المرئي (الحسي) و اللامرئي (الذهني) ، وبذلك فهو يحقق ما يسميه (المنطق في الشهود التأملي) حيث يتحقق التفاني ، وهو التعايش بين صور الكتابة وأبجديات الرسم ، أي بين منطقتي الشهودي / اللغوي و الشهودي / التشكيلي ، لتحقيق نوع من الانصهار في بنية العمل الفني. النحات أياد القره غولي في تجربته في الرسم تواشيح بصري بين البنية الخطية و اللونية وفي انتقالة لتناول الرسم في تجربة النحات اياد القره غولي قال بانه يتجه في بناء لوحته (نصه الأركولوجي) إلى حشد أي أثر يمكن أن تطاله ذاكرته ونعني بالأثر هنا تحديدا تلك العلامات التي تظهر وتعاود الظهور في منجزه بشكل متكرر يبيح لنا القول كأنه مؤسس منجزه عليها وبعض تلك الآثار تشابه أشكالا وعلامات في أنظمة الكتابة لبعض اللغات الحية بينما تعود أصول علامات أخرى إلى تاريخ ضارب في القدم، و إلى النصوص الأوفاق وعناصر الكتابة الصورية ومخاريط السومريين التي كانوا يكسون بها جدران أبنيتهم بينما يحشدها القره غولي في الجزء الأسفل من لوحته مربعات ملونة بألوان زاهية متنوعة عكس ما تكون عليه خلفية اللوحة التي يملؤها حزوزاً محفورة ومطلية بألوان داكنة فيها عدم انتظام وخشونة وتحديات وتقعرات وتجزيئات وتفاعل بين التجاويف والبروزات، وبذلك سيكون لهذا الحقل من المتعرجات تأثير محفز لاستنباط العلامات لكن استنباطها هنا يختلف عن ما يفعله رسامو المتعرجات في النتائج النهائية الأهداف. فاخر محمد - شريحتان بنائيتان ان أول أمر استحوذ على اهتمامي وأنا أعاين منجز الفنان فاخر محمد ، هو ان نسيج لوحة يمتد ليس فقط في انتشار سطحي (طول X عرض) بل وبتغلغل في العمق ، وفق بناء مؤلف من طبقتين (أي من مستويين = شريحتين بنائيتين) هما : مستوى (الباك كراوند) الخلفية (بعدان = طولX العرض) ، وهو المستوى الذي يؤسسه تكنيك الألوان ، حيث يستعيد علامات المحيط (= آثار الزمن في المحيط أو الوانه التي صبغ بها أو تركها على المحيط) آثارا وبقعا وألوانا وسوائل مسكوبة دون وعي من أحد ، وهو ، أي هذا المستوى ، يعالجه الفنان أولا ، من الناحية الزمنية ، فهو إذن مستوى غائر ، تمثله بقايا مقتطعة من حائط أو بلاطة قديمة دونت الرطوبة والتعرية عليها آثارها ، فبدا عليها فعل الزمن واضحا ، وهي فاتحة اللون دائما لأنها مهيأة لاستقبال الأشكال الداكنة التي في مخيلته. بينما يبدو المستوى السطحي الكاليغرافي (العلامات = الخط = البعد الواحد) ، داكنا ، يقترب لونه من لون الحبر (الفاحم) الذي كان مداد تدوين المخطوطات . يمكن تلمّـس الامتلاء الواعي والاحتفاء غير المحدود بموجودات الواقع في أعماله فاخر محمد ، مثلما هو عند هاشم حنون وكريم رسن ، فهم جميعا لم يعرفوا التجريد ولم يمارسوه كما يفعل الكثيرون ، انهم يوظفون علامات المحيط ويوظفون محتويات الذاكرة التي تتم استعادتها يوما ما ، إنها (المادة الجوهرية) التي تملأ ذاكرة هؤلاء . هاشم تايه يعتقد خالد خضير بأن طبيعة المادة المستخدمة تلقي بثقلها على الفنان هاشم تايه، فهو يسلك ستراتيجا مختلفا في كل مرة يبدل فيها المادة المستخدمة في إنجاز اللوحة ، وهي ليست إستراتيجيات متناقضة ، بل يمكن القول أنها متتامة و تحتمها طبيعة المادة المستخدمة التي تنوعت بين : الألوان الزيتية ، والألوان المائية، والتخطيطات بالحبر الصيني ، وأحيانا مواد (استثنائية) مثل الكارتون المحروق! الذي استخدمه مادة وحيدة في معرض أقامه في قاعة المتحف الوطني للفن الحديث (كولبنكيان) ، والألوان النباتية (العطّـارية) أي التي يجمـّعها ويركبـّها العطارون المشتغلون بالتوابل والعطور وقد تكون هذه الذكريات قد عشعشت في لاوعي الفنان هاشم تايه لتظهر الآن أعمال رسم تستخدم الألوان (العطارية) تماما كما أعاد الرسام / النحات المصري آدم حنين استخدام ورق البردي للرسم وكما اعتاد فريد بلكاهية من المغرب الرسم بالحناء على الجلود. تنافذ البساطة والقوة في التكوين الخطي يقيم الرسام (= المخطِّـط هنا) هاشم تايه أعماله على تنافذ استعاري بين مستويي العمل لديه : البساطة و القوة ، والبساطة تعني ببساطة التخلص من الشوائب الزائدة في الشكل ، وهو توجه تقليلي يحاول الاكتفاء بأقل قدر من الخطوط الضرورية لبناء الشكل ، تماما مثلما استخلص (بيكاسو زبدة كتاب براساي المسمى (أشكال خطوطية جداريه Graffiti ) في فصل (ولادة الوجه) وهي تجميع لصور فوتوغرافية لوجوه نفّـذت من ثقبين أو ثلاثة ثقوب في جدار ، الزماني الذي يستوجب تسجيلا للتطور الخطي. يتجسد البعد الآخر للتكوين (= القوة) في جرأة الخط ، أو جرأة النقطة التي يبدو أنها تعرف مسبقا خط سيرها ، لذا تترك أثرا لها خطا قويا محفورا على بياض الورقة ، يمتلك حدة واضحة ، خط يمتلك ثقة ومقدرة على فصل مساحتين من نفس اللون (=الأبيض) ، لذا فهو خط حقيقي يختلف عن المحيطات الكفافية الوهمية التي تفصل مساحتين لونيتين مختلفتين عن بعضهما ، وذلك راجع الى ان التكوين الخطي تصنعه خطوط حقيقية (محفورة) على بياض الورقة يصنعها المداد الأسود الفاحم. عبد الملك عاشور وفي تناوله للرسام عبد الملك عاشور يذهب المحاضر الى اسنتاج مفاده خضوع الرسام عبد الملك عاشور ، ضمن سعيه الطويل لتطوير منجزه التشكيلي ، (لقانونين) من قوانين الفن الحديث : أولهما ، ذلك الذي وضعه أندريه مالرو ، وأكد فيه (ان الرسام ، في مراحله المبكرة ، يقلد أشكال الواقع ، بينما يقلد ، في مراحله المتقدمة اللاحقة ، أشكال الفن ، وثانيهما ، وصاغه أميل برنار مؤكدا : توحّد (الفكرة) و (شكل الأشياء) في وعي الرسّام المتقدم ، مع وجوب التأكيد بأننا نستخدم كلمة (قانون) مع تحفظات كبيرة . لقد تتبع المحاضر منجز عاشور طويلا لذا أباح لنفسه القول ، فيما يخص امتثاله (لقانون مالرو) ، اعتبار منجزه الآن ، نهاية مرحلة وبداية أخرى ، فهو يودّع الأولى التي قضّاها في محترفه الصغير في محافظة البصرة ، مقلدا أشكال الواقع ، فأذ هو يتجه الآن ، بكل جهده ، للامتثال للشق الثاني من (القانون) ذاته ، مملوءا بطموح كبير لإنجاز لوحة تمتثل (لشروط ) الرسم العراقي (الحداثيّ) في أيامنا الحاضرة . هاني مظهر ... تفاني الروحي والدنيوي يفترض المحاضر ان هاني مظهر يبث في لوحته بعضا من اشاراته الخطية (غرافيكية) ، ذات المصدر الثقافي ، فهي تنتمي الى مخزون ذاكرته العلاماتية الذي تشكله : ارقام وحروف مفردة ، علامات هندسية : سهام و مثلثات ملونة ودوائر ونثار من نقاط وخطوط متوازية ، اشكال قليلة توحي بأوراق الشجر ، علامة طائريخترق مركز اللوحة في رحلة تبدو طويلة ، أكف داكنة تظهر بلقطات منفردة ، وجوه لا تستمد (واقعيتها) من مماثلتها للوجوه التقليدية التي نقابلها كل يوم ، بل هي علامات ، اكتسبت واقعيتها من (علاماتيتها) كونها رسما ملونا . لكن هذا الحشد لأشكال (الواقع) يسبب ابتعاد اللوحة عن (المقدس) الذي يرى الرسام هاني مظهر انه مجال الفن ، مثلما هو مجال الشعر ، شعر الحسين بن المنصور الحلاج و النفري الذين كرس لهما تجربتين متميزتين من نتاجه ، فما الذي سيعيد للوحة قداستها ويبعدها عن (الدنيويان الأزاحة الأهم التي يجريها الفنان ، على سطح لوحته هي اضافة البياض اليها بعد (اكتمالها) علاماتيا ، وهذه هي المرحلة الأخيرة من انجاز اللوحة عند هاني مظهر، وتتم من اجل خلق درجة من الأنقطاع الشكلي في بنيتها الخطية ، فهو على عكس فاخر محمد تماما ،الذي يبني لوحته على مستويين : مستوى خطي وآخر لوني ، يكون منهما اللوني غائرا ، بينما (يطفو عليه) الخطي ، واحيانا بشكل يوحي بأنهما مستقلان ، ولكن المستوى الخطي يشكل في النهاية المبنى الأهم في اللوحة ، بينما يبدو هاني مظهر ملونا بارعا ، يداخل مساحاته اللونية بعض من التدخلات الخطية المتناثرة ، بعد ان يعيد (اهالة) البياض عليها ، وبذلك ، يضيف الفراغ الى اللوحة من خلال الأنقطاع . لكن ذلك الفراغ لا يخفي الخطوط الخارجية او المحيطات الكفافية ، بل يخلق بدلها محيطا كفافيا وهميا (= ادراكيا = معرفيا) تضيفه عين المتلقي التي تشبعت بمؤثرات الهندسة الأقليدية فتقوم بأيصال النقاط بخطوط وهمية ، باعتبار الخط المستقيم اقصر الخطوط بين نقطتين ، وبذلك فهو يخلق عالما وهميا تضيفه عين المتلقي لردم الأنقطاعات في الخط الخارجي أو المحيط الكفافي، وهو قائم في اساسه على محض محفز ثقافي (= اقليدي) و خيال شعري يحاول ان يستوعب الأجواء الصوفية التي يحاول الفنان جعلها خطابه المتشاكل مع الرسم ، وبذلك فهو من ناحية تكريس القداسة ، يسير في خط يختلف عن ذاك الذي يتخذه هاشم حنون مثلا حيث يعتمد الأخيرعلى (الاقانيم المقدسة) حيث تختلف مساحات اللوحة في درجة القداسة . لايعتمد الفنان هاني مظهر في بناء لوحته على البنية الغرافيكية (الخطية) التي تحدد الأشكال و تؤسس الأستعارات عليها ، ولكنه يبقي على اشباحها التي سبق ان بثها على سطح اللوحة ، قبل ان يكتسحها البياض ، الذي يأتي اخيرا ليغطي الأشكال بقوة قصدية هذه المرة هاشم حنون - علامات الواقع -. التي لا تمحى حاول المحاضر ان يلقى الضوء على تجربة الرسام هاشم حنون في ختام محاضرته من خلال ( تتبع النسغ التحولي الذي سلكته مسيرة المتوالدات الأسلوبية المستمرة من مرحلة إلى أخرى للفنان ، بتتابعها التاريخي ، بعد أن صارت تاريخا، وامتلكت بذلك استقرارها ووضوحها الرؤيوي والدلالي وبذلك إمكانية تسجيلها كتاريخ و إعادة وضعها في مكانها المناسب من المعاينة النقدية مجددا ، بطريقة قد تعمق مقتربنا منها اكثر) . ان الرسام هاشم حنون (يوزع أشكال لوحاته ومراكز الثقل فيها اعتمادا على بعض من الأنظمة الخفية التي أسميتها (البنية الهيكلية المتجهة) والتي تم تأسيسها على فهم يقسم السطح التصويري للوحة الى منطقتين طوبوغرافيتين تبعا لدرجة قداستهما ، مما انتج بنيتين هيكليتين متجهتين هما:الموت والخلود. البنية الهيكلية العمودية (الارتفاعية): وقد اسماها القاص العراقي محمد خضير (العروج العمودي للشهداء) و أسميتها (بنية الموت والخلود) ، وتتألف من منطقتين طوبوغرافيتين : مثلث اسفل هو (مثلث الوجود الدنيوي) رمزا معادلا للوجود الدنيوي ، بضمنه الموت كحقيقة دنيوية .ويمثل المثلث الأعلى (مثلث الانبعاث) والخلود السماوي وهو ما يمثل الموت كحقيقة أخروية ، وتمثل نقطة التقائهما ، في مركز اللوحة (باب السماء) الذي تخترقه الروح في صعودها الى الأعالي . يمكن ان يجسد الشكل الناتج نحتيا بالساعة الرملية ، حيث تترسب بقايا الجسد (التراب) ليتسامى الهواء (الروح) الى الجزء العلوي (السماء) . وتتجه فيها موجودات اللوحة الأكثر قداسة من الأسفل الى الأعلى رامزة الى صعود الروح وتساميها الى خلود العالم الآخر (السماء) وبطلها المشخص هو السيد المسيح او ربما هو آيتانا ، الراعي الذي ارتفع الى السماء في الفن العراقي الرافديني القديم . وفي نهاية المحاضرة شارك الحاضرون في مناقشة الافكار والاراء التي وردت فيها ، فقد شارك كل من الروائي علي بدر والفنان هاشم حنون والفنان عباس حربي وطاهر فاضل وعلي شربه ووديع شامخ ومسلم الطعان وذياب مهدي واخرون .
|