الفنان التشكيلي العراقي إسماعيل عزام ..- المدرسة الانطباعية أكثر المدارس الفنية

المقاله تحت باب  مقالات فنيه
في 
15/09/2007 06:00 AM
GMT



يكاد فن الرسوم الشخصية أن يكون فناً منسياً في عالمنا اليوم.
 هناك الآلاف من الرسامين يقفون في مفترق الطرق وفي الساحات في باريس وروما وسواهما من مدن العالم يستجدون نظرات العابرين من أجل إثارة اهتمامهم وإغرائهم بالوقوف لدقائق من أجل أن تظهر وجوههم على الورق الأبيض.
إلا أن إسماعيل عزام القادم من أرض بابل، وروح الفرات، وغربة جلجامش وانكيدو الباحث عن الحقيقة يبدو في رسومه الشخصية كما يقول عنه الناقد فاروق يوسف، يقف في نقطة الحيرة التي تفصل مابين الشهادة والانحياز الرمزي، يريد أن يكون وفياً للحرفة التي اجتهد في الإنصات إلى تقنياتها، وفي الوقت نفسه فإنه يريد لرسومه أن تتخطى رهان المطابقة لتطل على العالم الذي تعيشه من جهة تعبيرية. وإسماعيل عزام لايسعى من خلال وجوهه إلى إلحاق فنه بالذكرى، بل هو في جزء مما يعمل ويفكر و يتخيل يحاول أن يلج منطقة يغلب عليها التفكير الماورائي. فالوجه بصفته قناعاً لا لأحد، هو فكرة أكثر مما هو جسد، إنه الكل الذي يلهمنا وليس التفصيل الذي نتذكره. للوقوف على تجربته الفنية التقيناه في الحوار التالي:
ہ بدايةً، هل لك أن تحدثنا عن فكرة إنشاء متحف المستشرقين في مدينة الدوحة؟ وما أهمية وجوده في المنطقة، خاصة، أن متاحف كهذه نراها قد اقتصرت على بعض العواصم الغربية الكبرى؟ ‏
ہہ لابد لنا في البداية من أن نعرف ماهية متحف المستشرقين و سبب تسميته، متحف المستشرقين يضم اللوحات الفنية لكبار المستشرقين الذين قدموا من الغرب قبل أربعة قرون، وحتى بداية القرن العشرين، وهؤلاء قدموا مع الحملات الاستكشافية كما يسمونها هم، وكما نسميها نحن الحملات العسكرية و الحربية. وفي بداية الأمر كان من الصعوبة الوصول إلى الشرق، وهذه الحملات أتاحت الفرصة لهؤلاء الفنانين للقدوم إلى الشرق لاكتشافه، فاكتشفوا ولاحظوا أشياء لم يألفوها عندهم، سواء من الناحية الروحية أو الاجتماعية. فالعلاقات الاجتماعية الحميمة بين الأفراد، الملابس، العادات والتقاليد، حتى شروق الشمس وجدوه مختلفاً عما ألفوه، فأبدعوا في نقل هذه المعطيات عبر لوحات تسجيلية، حيث لم تكن الكاميرا قد وجدت بعد، هذه الأشياء التسجيلية أعطت الكثير للمؤرخين والباحثين عن منطقة الشرق.
 فكان الموضوع في البداية جمالياً فنياً بحتاً ثم أصبح توثيقياً تأريخياً. وقد وصلنا الكثير من المعلومات عن حالتنا وظروفنا عن طريق هذه اللوحات. وقد قام الشيخ حسن بن محمد منذ العام 1996بجمع هذه اللوحات بشكل شخصي، ثم تولدت لديه الفكرة بجمع هذه اللوحات وعرضها للجمهور في متحف، فكانت فكرة إنشاء متحف المستشرقين، ونحن الآن بصدد رصد الكثير من اللوحات في العالم ومحاولة جمعها والحصول عليها لضمّها للمتحف، لأن هذه اللوحات توثق بشكل تصويري مراحل هامة من مراحل الشرق بظروفه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ولولا هذه اللوحات لما استطعنا معرفة الحقيقة التاريخية لحائط البراق مثلاً في فلسطين فكما ترين الكثير من اللوحات التي صورت القدس وأسواقها وحاراتها العتيقة لا وجود لحائط البراق الذي يدعيه الصهاينة في هذه اللوحات وهنا لابد أن نضع علامات استفهام حول هذا الموضوع. ‏
ہ ننتقل إلى محورآخر، مامدى تأثرك بالمدارس الفنية، وأيها أقرب إلى تجربتك؟
ہہ الفنان من خلال دراسته واطلاعه يتأثر بكل المدارس القديمة منها والحديثة، لأنه برأيي أن كل مدرسة تكمل الأخرى، ومتأثرة بها بشكل أو بآخر، فلا توجد مدرسة بعينها، ولكن في الحقيقة أميل إلى المدرسة الانطباعية أكثر، لأنها أكثر حرية من بقية المدارس الأخرى، تتمثل بها حرية الخروج إلى الطبيعة، وكسر التقاليد الفنية الموجودة سابقاً، حتى طبيعة الألوان مختلفة عن غيرها من المدارس. وأصحاب هذه المدرسة استطاعوا الخروج من الصالونات، فرسموا الناس العاديين والبسطاء، وظهر منها مجموعة من الفنانين الكبار، صحيح أنهم نبذوا بداية من بيئاتهم إلا أنهم وصلوا إلى العالمية وانتشرت لوحاتهم في أكثر متاحف العالم عراقة وأصالة. منهم «مونييه، سيزان، غوغان» حتى «فان غوغ» يعتبر انطباعياً أكثر مما هو تعبيري.
ہ من خلال لوحاتك، نلاحظ أن هناك أكثر من تقنية تستخدمها، وخاصة في رسم البورتريه، لماذا هذا التنوع في التقنية، والاستئثار بالوجوه؟ ‏ ہہ تقريباً، أقوم باستخدام كل الوسائط لأن المادة لا تحكمني، وما يهمني بالدرجة الأولى هو إخراج اللوحة، عندما أبدأ برسم أي موضوع أكون أنا المسيطر على العمل حيث أخرجه بطريقة جمالية بحتة، لاتهمني التقنية، ولا اللون، وإنما الصورة النهائية للوحة وإحساسي باللون، لأن اللوحة جزء مني، وما أشعر به أضعه في اللوحة. صحيح أن البورتريه جزء أساسي من تجربتي الفنية إلا أنني لست مقتصراً عليه، فأنا أرسم الطبيعة، والأسواق الشعبية، المدن القديمة، كل شيء أتفاعل معه بإمكاني أن أضعه في لوحة. وبالنسبة للوجوه فقد أقمت قبل فترة معرضاً للبورتريه خاصاً بالوجوه وحاولت استخدام أكثر من تقنية تبعاً للحالة النفسية للوجه المراد رسمه ولحالتي النفسية أيضاً، ونقل الوجوه هو إحساس نفسي أكثر مما هو صورة. أحياناً، تكون الشخصية حاضرة أمامي، وأحياناً كثيرة قد أحصل عليها من كتاب، أو مشهد، والذي يحدد جمال البورتريه وصدقه هو العين لأنها أكثر الحواس قدرة على نقل المشاعر. وقد تركت صورة امرأة عجوز في نفسي إحساساً كبيراً، فقد نقلت إحدى وكالات الأنباء صورة امرأة عجوز أثناء انهيار سد زيزون في سورية، وكانت العجوز تقف وتنظر إلى القرية برؤية إنسانية مختلفة، ترى كل شيء أمامها ينهار، بيتها، حياتها، تاريخها، هذه المرأة أشعرتني بغربة كبيرة. ‏
ہ كيف يعيش الفنان العراقي خارج بلاده؟ ‏
ہہ حياة الفنان بشكل عام هي انعكاس لمختلف الحالات التي يعيشها سواء منها السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وحالة الفنان العراقي اليوم هي انعكاس لحالة العراق بشكل عام. ولهذا فإن الفنان العراقي اليوم يمر بأزمة كبيرة، نظراً للأزمة القاتلة التي يعيشها العراق اليوم، وهذا اتفاق يجمع بين الفنانين العراقيين في الداخل والخارج، وما يربطهم اليوم بمعزل عن الروابط الإنسانية والروحية هو «العراق» بكل ما يمر به، والفنان والإنسان العراقي بشكل عام لا يمكن أن يخرج من عراقه، من نفسه التي يحملها في حلّه وترحاله، من روحه التي لا تزال في أرض العراق. ولو تأملت ما ينجزه أي فنان عراقي اليوم لوجدت هذه الروح ماثلة في لوحاتهم و أغانيهم وقصائدهم. ‏