سمة الاختلاف في أعمال الفنان البصري، هي تعبير عن شخصيته المتمردة والمتجددة بين أسلوب وآخر، حيث لا يستقر على عمل وموضوع فني محدد، عكس الكثير من أقرانه العراقيين والعرب، فهو ينتقل بين أسلوب وموضوع غارق في واقعيته التشخيصية التي يكون الجسد الإنساني ثيمتها الأساس، وربما هذا عائد إلى اهتمامه بدرس (التشريح) الذي ألف منه كتابا تدريسيا، كان يعده لطلبته في أكاديمية الفنون إبّان ثمانينات القرن المنصرم، وبين بحث تجريدي تعبيري يصل به حد الاختزال التام في الإنشاء واللون، وقد توج أسلوبه هذا بحصوله على جائزة بينالي (مسكرون الدولي) في بلجيكا للأعوام 1996 و1998. وما حققه من نجاحات لاحقة في معارض شخصية أقامها في عدة مدن هولندية منذ عام 1996 ولحد الآن.
الاحتلال.. اللحظة (الديمقراطية) الفاصلة!!
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وتدفق صور ممارساته اللا إنسانية في سجن (أبو غريب) والاعتقالات العشوائية. اشتغل الفنان البصري مجموعة أعمال، تمثل إدانة فاضحة لتلك الأساليب القمعية التي تجرد الإنسان من آدميته وتجعله مجرد كتلة جرداء مهلهلة هائمة وسط كون رمادي لا أفق له، رغم حلم الإنسان العراقي بالانعتاق والعيش الحر والسوي كباقي البشر في هذه المعمورة.. فهو هنا ينسج لوحته من واقع عاش الكثير من تفاصيله، وبالضد من أعمال الفنان الكولومبي (فيرناندو بوتيرو) التي تصور سجناء أبو غريب بأجسادهم الضخمة المنتفخة وجروحهم النازفة.. لكن النزف الحقيقي لدى سلمان البصري لم يأت من الجرح الذي خلفه التعذيب، بل هو جرح الكرامة ومسخ الحلم الإنساني لحظة استلابه حريته ودخوله العدم.
وتأتي هذه المجموعة كونها أعمالاً تحمل بصمَتها ودلالتها القوية بفرشاة فنان حساس يتطلع لمستقبل بلاده الآمن وغير المدنس بالطغاة. وتمثل مجموعة أعماله هذه أثرا حقيقيا من هذا الزمن الغريب الذي انقلب على المثل الإنسانية التي افتقدها العراق ماضيا وحاضرا.
الأثر والحرية
أثناء زيارتي الأخيرة لمشغله البيتي قبل بضعة أيام، أثارني إنشغاله بعمل (ماكيت) لنصب كبير، يعتزم إقامته في أحدى الحدائق العامة في الحي الذي يقيم فيه، بالتعاون مع المجلس البلدي في مدينة روتردام. ويدور عمله على ثيمة (الحرية) التي يجسدها انصهار جسدين لرجل وامرأة في بوتقة يؤطرها مربع كبير يضم الجزء العلوي للجسدين، وكأنهما شجرة سومرية تلتف على جذورها الثابتة بالأرض، وتنطلق منه تشكيلة حروفيه في غاية التناسق الهارموني، دلالة على هذا الانصهار الروحي والجسدي والحرية المنطلقة لأبعد مداها.
ويفسر الفنان البصري استخدامه مفردة الحرية ومحمولها الغربي الذي يعيش أجواءه في هولندا، (كونها تتيح العيش بتوائم ومساواة مع جميع الأجناس والاعراق المختلفة في بيئة واحدة، فهذا مجتمع يعيش فيه البوذي والهندوسي والمسلم والمسيحي واللا ديني، والبيض والسود وشعوب شرق آسيا... الخ، دون تمايز أو ضغائن أو انتهاك الحق في الحياة الكريمة. لذا ترانا نحن الذين اكتوينا بكل أشكال الاضطهاد، نتمسك بالحرية ونقدسها.. بالحياة والفن).
ببلوغرافيا:
ولد الفنان سلمان البصري عام 1939 في مدينة البصرة.
تخرج من معهد الفنون الجميلة عام 1960. وعمل في تدريس الفن في عدة مدارس ومعاهد في مدينة البصرة، وقد تتلمذ على يديه الكثير من الفنانين المعروفين.
واصل دراسته للفن، وحصل مؤخرا على شهادة الدكتوراه بالفنون عن رسالته المعنونة (الفن التشكيل العراقي- مفهوم الجودة واخراج اللوحة الفنية).
عمل أستاذا محاضرا في الرسم واللون والتقنية لمعهد الفنون الجميلة في البصرة.
عمل أستاذا محاضرا لفن التشريح في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد.
أحد مؤسسي (جماعة البصرة) الفنية في البصرة عام 1968.
ساهم في تأسيس جماعة (الظل) الفنية في البصرة عام 1970.
أقام العديد من المعارض الشخصية منذ عام 1960 ولحد الآن في العراق والعديد من البلدان العربية والأوروبية. وحصل على عدة جوائز فنية عربية وأوروبية.
يقيم في هولندا منذ عام 1996 وهو متفرغ للرسم والنحت.
يستعد لإقامة معرض لمجموعة كبيرة من أعماله الحديثة على قاعة (الاورفلي) في عمان في شهر (سبتمبر)/ أيلول من هذا العام
كريم النجار " فنون الخليج "