المقاله تحت باب في الموسيقى والغناء في
18/01/2008 06:00 AM GMT
الى موسيقيينا وملحنينا وكتاب الاغاني والنقاد
الى موسيقيينا وملحنينا وكتاب الاغاني والنقاد > حفل تأريخنا الموسيقي والغنائي باعمال فنية
ذات قيمة عالية في روعة التأليف والتلحين وحسن الاداء ؛ الا انها اهملت ومسحت من ذاكرة الاجيال ؛ لاسباب كثيرة اهمها ارتباطها المباشربمرحلة سياسية معينة من تاريخ العراق المعاصر ؛ او عقائدية ذات توجه ينم عن مرحلة معينة مقبولة في حينها ؛ ومنبوذة في مرحلة لاحقة .
ايام الدراسة الابتدائية والمتوسطة ؛ كنا نردد كثيرا من الاناشيد ذات العذوبة في اللحن والموسيقى والتي وضعها الافذاذ أكرم رؤوف ؛ وسعيد شابو ؛ وجميل سليم وغيرهم ؛كما في ( لاحت رؤوس الحراب ؛ بلاد العرب اوطاني ؛ يا اوربا لاتغالي ؛ايها الجيش الصغير ... الخ ) وحينما كبرنا أخذنا نردد بعض الاغاني العراقية الوطنية لكبار المطربين من امثال عزيز علي ؛ محمد الكبنجي ؛ ( دكتور ؛ السفينة ؛ انا المسيجينة انا ؛ لازم ربك يوم يعدلها ..) فلما منع قسم منها لاسباب سياسية (خلال فترة محددة من الزمن )؛ أخذ النسيان يغلفها في رفوف النبذ التعسفي القسري .
بل ان الامر ادى في كثير من الاوقات لمنع المطربين انفسهم من الغناء بسبب النظرة الضيقة لمفهوم جوهر الغناء أتباعا لتلك الرغبةالآنية في تسطيح الوعي السياسي المتخلف لمهمة الفنان . وعلى هذا الاساس ؛ فقد ضاعت مئات الالحان التي بذل في اعدادها عشرات الكتاب و الملحنين والمطربين ؛ جهودا مضنية في سبيل ايصالها للجمهور والذائقة النقدية وذلك عبر اكثر من ثمانين عاما من عمر العراق المعاصر . ان هذا الموضوع بالذات ؛ لايقتصر على العراق وحسب ؛ بل ينصرف ويغطي كثيرا من الاقطار العربية ؛ حيث اخذنا نستمع ومن زمن بعيد الى مبررات لاعلاقة لها بقيمة اللحن او الموسيقا ؛ بل ترتبط بمسميات حقبة محددة ما كالقول بان تلك الاغاني او الاناشيد تمثل ؛
الاسرة العلوية في مصر او عهد الملك فاروق ؛ او عهد الملك غازي ؛ او عهد الوحدة ؛ او فترة الاحتلال الفرنسي ؛ او ايام المقاومة ؛ او ثورة العشرين ؛ او ثورة الجزائر .... الخ ) ولربما يبهت مثل هذا القول الكثيرين فيستفسرون مستغربين : ( ماذا تريدمنا ان ننشد (عبد الاله ياعظيم الصفات؛ او... والفن مين أنصفوا غير الفاروق ورعاه ؛ او ... ) ؛ واجابتي هي : كلا ثم كلا ؛ ليس الامر كذلك فان بعضها مقبول ومحبذ والآخر مرفوض لارتباط كلماته بشخصانية فردية سياسية ضيقة الافق . على ان الذي اريد الوصول اليه ؛
هو الحل الواقعي والحقيقي للحفاظ على هذا التراث الضخم من الضياع ؛ والعمل على الابقاء عليه كمجهود فني يتوجب التمسك به ؛ كما تفعل كثير من شعوب العالم مع كنوزها الثقافية !! قبل ايام كنت استمع الى العملاق ( لوتشيانو بافاروتي) ؛ وهو ينشد مقاطع من اوبرا عايدة ( فيردي ) ؛ و التي كنت قد سمعتها من غيره ايضا وهي تغنى قرب اهرامات مصر الخالدة ؛ فسألت نفسي هل منع أحد انطلاق تلك الاوبرا على ارض مصر بحجة انها تعود الى عهد الخديوي اسماعيل يوم افتتح قناة السويس . او لان اوبريت الحصان الابيض ( رالف بيناتزكي ) تمثل عهد قيصر النمسا فرانس جوزيف ؛ او لان اوبرا ريغوليتو ( فيردي ـ وهي في الاصل الملك يلهو لفكتور هوجو ) لا يجوز سماعها في فرنسا لانها تتحدث عن الملك فرنسوا الاول ؛ او لان اوبرا توسكا ( ياكومو بوتشيني ـ في الاصل رواية فكتوريين ساردو ) لايتوجب مشاهدتها او سماعها في ايطاليا لانها تنال من سمعة الشخصية الايطالية الممثلة ب( سكاريبيا الرهيب ) رئيس البوليس والامن ؛ او لان فيناويات الفالس والبولكا والمارش لمجموعة عائلة شتراوس يتوجب الحجر عليها في النمسا بسبب انتمائها الى العهد الامبراطوري .... الخ ؟!!
وهنا رددت على نفسي بالقول ...... ان الامر عندنا يختلف تماما ؛ أذن ماذا يجب علينا ان نفعله تجاه الحفاظ علىثروتنا في الموسيقا والالحان ؟!! بل ماذا عليتا ان نفعل تجاه كل ثروة ثقافية ابداعية انتجتها عقولنا واحاسيسنا ؛ وستنتجها لاحقا ؟!! وبعد تفكير جاد ومرهق وجدت حلا مرجحا يمكن تحقيقه بيسر من خلال اتباع الوسائل العملية التالية : ــ
تكوين لجنة ثقافية فنية دائمة من المختصين الموسيقيين والملحنين والشعراء والنقاد تتولى جرد جميع نتاجنا الغنائي والموسيقي لمختلف الحقب الزمنية وتسجيله كما هو ؛ ثم تبويبه على اسس علمية تتوزع على انواعه والوانه المختلفة
( المقامات ؛ اطوار الريف ؛ تراتيل الكنائس والاديرة ؛ الانشاد الديني الاسلامي ؛الاغاني الجبلية ؛ اغنيات المدن ...لخ ) لكي يصار بعدئذ تحديد الموقف الفني الحرفي المهني منه بعيدا عن الاجتهادات الفردية او السياسية او الاجتماعية ذات الافق الضيق المتزمت . واقترح لكل ذلك ما يأتي : ــ
اولا ـ الاحتفاظ به كما هو ذخيرة فنية يمكن الرجوع اليها كصدر في البحث والتسجيل التاريخي . ثانيا ـ
توزيع ما له قيمة فنية مبتكرة مجددا بصيغة تقربه الى الجمهور كتراث وطني شعبي .
ثالثا -
ـتحويل كلمات الاغاني او الاناشيد غير المرغوب بها سياسيا ؛ الى كلمات عامة تتعلق بالوطن او الوصف التاريخي لحضارته او الجغرافي لطبيعته وما الى ذلك ؛ دون المساس باللحن او الموسيقى . فلو أخذنا مثلا نشيد ( عبد الاله .... يا عظيم الصفات يا سليل المكرمات ) فيمكننا تحويل معناه الى (العلم ) بتغيير كلمات النص الى ( رمز البلاد .... يا شموخ الاباة يا وريث الملحمات .... ) وهكذا
رابعا ـ
الاحتفاظ بالالحان والموسيقى دونما كلمات لكي يحسن بثها او تداولها من جيل الى جيل .
خامسا -
بدءا من منتصف القرن الماضي تقريبا ؛ دأب كثير من الملحنين الكبار في عالمنا العربي على تحفيظ المطربين الحانهم عن طريق التسجيلات الصوتية المختلفة ؛ وانه امر مهم لو التفتت الى هذا العمل الخصب الفني والتجاري بنفس الوقت ؛ واعيد تسجيلها باصوات ملحنيها ( للسماع والحفظ ) ؛ كما فعل العبقري عبد الوهاب في بعض الاغاني ؛ فان ذلك سيشكل ثروة فنية تأريخية ؛ لعل الكثيرين لم يلتفتوا اليها كل تلك الفترة الزمنية الطويلة .
سادسا ــ الشروع بتدوين ذلك الكم الهائل من الاعمال الفنية ؛ في نوطات موسيقية ( كما وضعت اول مرة ) مصنفة بحسب مؤلفيها كحق مشروع يحافظ على النتاج ومبدعه من الاغفال المتعمد او الجهل الفاضح .ولكي لايقال عن عمل فني معروف بعد فترة من الزمن ( انه من التراث ) تخلصا من الجهل بالمؤلف او الملحن او الامعان في تجاهلهما .
سابعا ـ بعد الفرز والجمع والتبويب والتصنيف ؛ وما دار حول كل ذلك من بحث وتنقيب في نطاق محاضر الجلسات والاجتماعات ؛ لابد من الاحتفاظ بذخيرة هذا الكنز التراثي في موقع او جناح خاص تابع الى متحف او معرض دائم أسوة بالفنون التشكيلية اوغيرها . ان مثل هذا الطرح المكثف ( وغيره كثير ) ؛ سيؤدي الى عدم ضياع ذلك التراث او الخزين السجين في متاهات من العبثية المستهترة باعمال فنية بذل فيها معدوها ومبدعوها جهودا مضنية لكي ترى النور . واليوم أتسآئل ؛ كم من الاغاني والاناشيد والمؤلفات الموسيقية غابت في طي النسيان او الاهمال ؛ في حين كان من الجدير بها ان تبقى حية تعزفها مئات الالات الموسيقية ؛ او ترددها عشرات الحناجر العذبة . وتأكيدا لذلك .... لو عدنا الى الماضي التأريخي السحيق ؛ ألا يحزننا ضياع مئات من الالحان والقطع الموسيقية التي وضعها اجدادنا الفنانون العظام على امتداد الوطن العربي من الاندلس فالشمال الافريقي حتى آخر ذرة من سواحل جزيرة العرب ؟!!
اذن لماذا لا نعمل الان بجد على تلافي مثل هذا الامر فنسعى الى تحقيق ما فاتنا في الماضي ... لو اتيحت لاي منا جولة في متاحف الفن الموسيقي في الدول المتحضرة او حتى عن طريق الانترنيت ؛ لهالنا ذلك التسجيل الدقيق المبرمج لاعمال فنية واسعة مصنفة على عدة ابواب ؛اما بحسب اللحن او الموسيقا ؛ او تأليف الكلمات ؛ او بحسب المطربين او او قادة الفرق الموسيقية ؛ او الحقبة التأريخية ؛ او المواقع الجغرافية ؛ او اجناس الشعوب او اعراقها ا وثقافاتها وحضاراتها او تقاليدها ... الخ كان لي صديق من محبي سماع الاوبرا ؛ اتيحت له فرصة زيارة فينا لاول مرة ؛ فاراد ان يبتاع بعض التسجيلات لاوبرات كان يعشقها ومنها اوبرا عطيل ( فيردي ) ؛ سألني عن الطريقة الصائبة لتحقيق ذلك ؛ فنصحته ان يزور(ضمن مواكب السواح ) دار الاوبرا ليطلع على جوانبها كافة ؛ ثم يتجه بعدئذ منفردا الى جناح ملحق بالبناية يقع على الشارع العام مباشرة فيقتني منه ما يرغب من اهم الاعمال الموسيقية في ( الاوبرا او الاوبريت ) .
اتصل بي مساءا وهو في حالة من الخجل قائلا ؛ لقد ذهبت الى جناح العرض فاستقبلتني فتاة ؛ ولماسألتها عن مطلبي ؛ اخذتني جانبا وهي تشير الى خزانة ( كارتات ) طويلة قائلة ؛ كل هذه التسجيلات هي لاوبرا عطيل ؛ وما عليك الا ان تحدد ؛ الفترة الزمنية التي قدمت فيها الحفلة المطلوبة ؛ا والبطل الذي غرد فيها ؛ا والمسرح الذي قدمت عليه ؛ فلدينا مئات التسجيلات منذ اول اصداح لها وحتى آخر حفلة ؛ تعثرت في كلامي وقلت لها تخلصا من المأزق ؛ اريد تسجيلا ( سي دي ) لاخر حفلة ؛ نظرت الى الكومبيوتر ثم اليّ باستغراب وهي تقول ؛ عذرا ان آخر عرض لهذه الاوبرا هو الذي قدمه المغني العالمي الاسباني بلاسيدو دمينجو من على مســــرح ( لاسكالا ) الشهير ؛ ولكن هذه الحفلة بالذات غير كاملة ؛ لان دمينجو ( كما تقول المعلومة التي امامي ) احتبس صوته فجأة و وغادر المسرح لم يستطع اكمال االاوبرا .
هنا اعتذرت وانا اسبح بعرق الجهل لا الخجل ؛ وخرجت وانا اقول لنفسي يا لها من امم تعنى باعمالها الفنية وتحرص بكل ما اوتيت من حول على تراثها غير عابئـــة بتغير المكان والزمان ولا ( بالدولة والرجال !!!)؛ ما دامت تلك الاعمال الفنية المصانة قد ضمنت المجد والخلود
|