المقاله تحت باب محور النقد في
06/03/2008 06:00 AM GMT
في عالم عدواني بشع ومؤلم ،كان علي ان اقابل الاساءة بما يماثلها ، غير اني اسف على حرماني من اية قدرة على تحريك اللسان ، ازاء ايما انسان يقابلني بملامة.. لانني اكبر من ذلك واسمى .. يالله كم تريد مني مثل هذه الحالة من قدرة على عصيان النفس ، في سبيل موت شيء نبيل وثمين داخلي هو :الحب .. كنت اقرأ بشوق بالغ كتاب (ثقافة ضد العنف )-اطلالة على عراق مابعد الحرب- وانا غير مصدق بانني ساعثر على كتاب ثمين كهذا ، يحمل اصواتا حرة ،وافكارا نيرة ، ومعالجات طازجة كخبز التنور ، ترمم وتبني وتسجل وتبحث عن المخارج المنجية من هذا الكرب العظيم ، وهي في الوقت ذاته تحمل الفوانيس والشموع لانارة دجنة الفترة الرهيبة التي نخوض غمارها الصعب مكرهين ، غير اني فوجئت على غير توقع ، بالعثور على مقال للاديب الصديق عبدالرحمن طهمازي يحمل عنوان:( عن الكاريكاتير واشياء اخرى ) ص215.
ولقد هالني وارعبني ان هذا المقال الذي اصبح تحت انظار قراء الكتاب محمل بالنقد الجارح المهين لشخصي ولكتابي الذي صدر عام 1997 تحت عنوان :(متحف الحقيقة .. متحف الخيال)-سياحات فكرية في اقاليم الفن- لذلك فقد رايت ان من الضروري ان ارد على هذا الافتئات الذي ينال من شخصي بما يوحي للقارئ بجهلي وسذاجتي وقصوري عن فهم اوليات الكتابة ، مثلما نال من كتابي فوسمه بالعاطفية ،وبـ (الثناء اللغوي على رسامي العراق)!!.
ليس ضروريا في هذه الحالة ان يكون المرء ذا باع طويل في علم النفس ،ليصبح قادرا على استغوار هوى نفس تهفو للنيل من غريم يشاطرها مجداً اجوف !.. فقد جازف الكاتب بالقول المجانف لشرعة النقد النزيه من دون ان يقرأ الكتاب ويقع على مايضمه من موضوعات وعناوين كان ابرزها وادعاها للنظر والتامل تحت عنوان (المعرض الاول لجماعة الكاريكاتير)((الاهة والسكين))ص55. وهو ما انكره تمام الانكار حين قال بالحرف الواحد :(وغابت عنه اية التفاتة لفن الكاريكاتير)مسبوقة بعبارة مضللة اخرى تقول:)اما النقد التشكيلي بالمعنى الاصطلاحي ،فغاب تماما) بينما تشكل لغة النقد والتحليل ، العمود الاساسي لموضوعات الكتاب .
فماذا تراه يقول اذا ارفقت بالمقال صورة طبق الاصل لموضوع (المعرض الاول لجماعة الكاريكاتير ).. اليس من المعيب ان ينكر اهتمامي بهذا الفن انكارا تاما وهو في صلب الكتاب ؟!..
لاباس فقد كان عجلا في ازجاء التهم حين كتب ماكتب !.. وهكذا ظل يدور حول النقطة ذاتها ، حيث قال :(واللافت في كتابه ، انه تجاهل معرضا نوعيا لجماعة الكاريكاتير، (وربما) كان اول معرض كاريكاتيري في بغداد) وهو يجهل تمام الجهل ما كانت عليه تلك المعارض ومن يديرها ، وكيف اصبحت تواريخ عرضها مثبتة في اوراق ارشيفي الخاص كما انه لايدري بان من وجه اليه هذه الحجارة في ظلام هذه الايام ،هو اول من ساهم بشكل اساسي في تكوين البوادر الاولى للموجة الجديدة لرسامي الكاريكاتير في العراق فقد مدها بالعون المادي والشخصي والرسمي ، محدوا بالرغبة الصادقة ، في التعبير عن ايمانه العميق باهمية الدور الذي يلعبه هذا الفن على الصعيد السياسي والاجتماعي والثقافي ،وهو بذلك انما كان يسعى لايجاد الفرص التاريخية لعقد الصلة بين جيلين احدهما مودع والثاني آت على الطريق، الاوائل منهم الذين اسسوا لفن خمسيني وستيني ، وحتى مطلع السبعينيات من القرن الماضي وكافحوا دون اعتراف شعبي شامل يمنحهم التقدير المناسب الا في حدود المجتمع الثقافي وهم عاطر الذكر غازي الرسام وحميد المحل وسعاد سليم ونزار سليم ،ويسعدني ان اذكر هنا بان ارشيفي الفني يحتفظ لهم بنماذج اصلية مختارة من اعمالهم .
اما الرعيل الواعد فقد بقيت ملازما لنشاطاتهم ومعارضهم بدءاً:
1- بعام 1974 ، حيث اقيم المعرض الاول في (اكاديمية الفنون الجميلة) وافتتح بتاريخ 23 تشرين الثاني ،وقد شارك فيه كل من : عبدالرحيم ياسر ،ضياء الحجار،علي المندلاوي،منصور البكري،رائد نوري الراوي،عمارسلمان.
2- غير ان القفزة النوعية الباهرة قد تمت في عام 1975وتمثلت بايصال اعمال هذه النخبة الواعدة الى المحيط العالمي، فقد ارسلت (حينما كنت مديرا للمتحف الوطني للفن الحديث) اعمال كل من نزار سليم ،ومؤيد نعمة ، وبسام فرج ، ورائد نوري الراوي ، للمشاركة في (معرض كابروفو الدولي للدعابة والهزل ) في بلغاريا تحت عنوان :(العالم يعيش لانه يضحك ).
3- وقد قمت بالمهمة نفسها في الدورة التالية للمهرجان ،فارسلت المجموعة ذاتها ، مضافا اليها اسم عبد الرحيم ياسر الذي لم يشارك في الدورة السابقة (وهو مازال يذكر الصدفة التي جمعتني به،فطلبت منه الاسراع في احضار اعماله للمشاركة وكنت ازمع اقفال المظروف تمهيدا لارساله بالبريد العاجل) وهكذا ضم دليل المهرجان رسمين اولهما لعبدالرحيم ياسر والثاني لرائد الراوي.
4- اما المعرض الذي نظمته مديرية الفنون العامة وافتتح في يوم الاحد الموافق 7آذار1977 ، في المتحف الوطني للفن الحديث،فقد شارك فيه كل من نزار سليم وعبدالرحيم ياسر ،وغازي الرسام وعامر الجليلي وضياء الحجار ومؤيد نعمة وفيصل لعيبي ،وبسام فرج. غيض من فيض ،هو ما دونته في هذه الالمامة الوثائقية ، للتذكير بان من اتهم بالاغضاء عن تناول موضوعات فن الكاريكاتير ، هو راعي نشاطاته ومعارضه وتوليفات مجموعاته ،فقد تناوله كذخيرة ثقافية متحركة من اجل تاسيس مقتربات عالم فني له مقوماته ، انطلاقا من موجة العناصر التي ادت الى تنوع الحساسية النقدية الساخرة ، ثم تحولت فيها الضرورة الداخلية الى واجب وطني .
قد يكون من المالوف السائد ، ان يتناول الناقد موضوعا يحلله ويفسره ويشير بالتالي الى مواطن الخلل فيه وهذا ما تعارفنا عليه جميعا فاصبح تقليدا ادبيا سائرا ،اما ان تكون القصدية هي الدافع الاساس لاطلاق الاحكام الجائرة على الاثر الفني الذي يتناوله ، فهذا يقع في خانة الطعن والتعريض بمصداقية كاتب موسوعي مثل جبرا ابراهيم جبرا، فهو لم يتحرج ان يرمينا للاقتصاد بسهم واحد حين قال : (كان نوري الراوي سخيا في الثناء اللغوي على رسامي العراق ، بالطريقة التي زاولها جبرا ابراهيم جبرا والتي لم تفرق بين محترف وهاو).
ولم يخشع قلبه حين اقض سكون الرجل في راحته الابدية !..واذا كان من حيف قد لحق بهذا الرجل الذي عبر رحلة الحياة دون ان يلحق اذى بانسان فليس اكثر مما قيل فيه الان ، فيما يداس قبر من تجاوزت كتبه الاربعين كتابا بكل برود.
لقد تناول جبرا ابراهيم جبرا بالدراسة والتحليل اعمال عدد من الفنانين العراقيين.
(واخص بالذكر مقاله التحليلي العميق عن اعمال علي طالب وغيره) ، ولم اجد في كتبه التي اعتز بالاحتفاظ بها في مكتبتي مايشير من قريب او بعيد الى انه تناول بالدرس فنانا هاويا .
اما الفنانون (الهواة)الذين منحتهم في غفلة من الضمير الحي ،شهادات الفن بسخاء فهم كالاتي:
عبد القادر الرسام ،اكرم شكري ، عطا صبري ، جواد سليم ، اسماعيل فتاح ، سعاد سليم ، شاكر حسن ال سعيد، محمد غني حكمت ، ضياء العزاوي، ليلى العطار، سعاد العطار، سهام السعودي ، نزار سليم ،كاظم حيدر ، مهدي مطشر ، محمد مهر الدين ، سالم الدباغ ، فليتأمل المتأملون .
اضاءة اخيرة..
بين التامل والانجذاب الفكري ،تندرج الصور والاعمال والاثار والسير في سيل الزمن ،ليجمعها التناغم الفكري في محاور ضمنية ،تؤسس لحضور حي فاعل في الحياة الثقافية عموما والفنية خصوصا.
ولما كان الفن ،هو وحده القادر على اراءة الماضي بوضوح ،فهو يستطيع ان يزودنا بما يمكن ان يساعدنا على تاسيس (ذاكرة التاريخ) ، وبهذا تتحقق المكاملة بين الماضي والحاضر ، وهذا هو الاساس الذي انطلقنا منه ، وباكثر التضحيات عقلانية ،استطعنا ان نبقي المجرى التاريخي للفن في حالة انسياب دائم ،وهومايمكن ان يساهم مستقبلا في بناء المكتبة الوطنية لوثائق الفن التي ستضم جميع النصوص والتصانيف والكتب والدوريات والصور والافلام والرقوق الملونة اضافة الى الاقراص وسائر مايمكن ان يؤمن خزن المعلومات من الاجهزة الحديثة ذات القدرات العالية .
ولعل ما ضمه الكتاب المرجعي الصغير ،يدخل في اطار هذه العملية الكبرى ،لان خط سيره يبدا في الاساس ، من صميم المعايشة الحقيقية للحياة الفنية في العراق ، ولايدور على هوامشها ، وهو في مجمل ما ضمه من مواضيع (وهي الى الخواطر والافكار المكثفة اقرب) ليست الا تنويرات للمسالك الداخلية في حياة الفنانين ،وخلاصات فكرية معمقة تناولت بالتحليل المكثف جانبا من اعمالهم واثارهم .
وهذا امتياز يؤهله لان يكون مرجعا ثرا لطلبة الدراسات العليا في الفن ،وللفنانين والادباء والباحثين ،خاصة بعد ان عز عليهم العثور على كتاب جديد ،وجفت المكتبة الفنية ،فلم تتلق اصدارا حديثا منذ سنوات.
ونظرا لموجبات كل ما تقدم ،ساعمد الى اعادة طبعه ثانية ،بحلة جديدة ،وباضافات مغنية ،مزينا بالصور والشواهد المدلة التي تليق بكتاب في الفن التشكيلي ،كما ساعيد اليه رواءه الذي فقده وهو قابع في ادراج دار الشؤون الثقافية تسع سنين ،وهي الجزاء الاوفى لمن قطع مراحل العمر في خدمة الفكر والثقافة والفن ،وهو بالتالي شاهد العدل الذي سيرد بذاته على من افترى عليه!..
صفحة (55)من كتاب (متحف الحقيقة .. متحف الخيال)
معرض جماعة الكاريكاتير الاول :الآهة والسكين ..
هل يحتاج فن الكاريكاتير الى تعريف ؟ سؤالنا يبدو لنا على شيء من السذاجة فيما اذا احضر كل منا جوابه الجاهز في الجيب او على طرف اللسان !.. وهذا ناتج من ان هذا الفن الذي ظلمته اللغة العربية في حياتنا وجعلت منه مادة للتسلية ووسيلة لاستثارة الضحك .
افبعد هذا نحاول ان نضع لهذا الفن العظيم تعريفا ينصفه ويعيد له اعتباره بل ويخرجه في الاقل من دائرة الاضحاك والتسلية العابرة ،ويضعه في مساره الحقيقي في فلك الثقافة الانسانية .
ترى من هو الفنان الذي يستطيع ان يثير الاسئلة ويعلق امام الانظار اكثر علامات الاستفهام تعقيدا واكثرها بساطة ؟ ومن هو الفنان الاحادي الخط .. المختزل حتى الاشارة اللمحية ؟ هذا الفنان الذي يستطيع ان يزيل تلك العلامات الحائرة بظل ابتسامة ترتسم على زاوية الشفة .. كما يستطيع ان يستخرج منا كل العيوب المختزنة في اعماقنا او يصطادها على غفلة منا ونحن في تمام اليقظة ،بقراءة بسيطة في وجوهنا ؟
انه هو .. كاتب الصور ..معماري الخطوط .. رسام التاملات الفلسفية . وهو ذاته الفنان الذي ظلمناه منذ نعومة اظفاره فحملناه رسالة "الاضحاك" دون ان ندري باننا قتلنا فيه الفيلسوف والناقد وكاشف الزيف وكل علامات الضعف الانساني.
وفي المنعطف الاخير من القرن العشرين ، تبدو لنا تلك الشروط غير كافية لتكوين الشخصية النموذجية للرسام الكاريكاتيري، مادامت ازمة الانسان المعاصر هي التي تفرض شروطها الان في عالم منقسم كالذي نعيش فيه .
وهكذا نجد الفنان الساخر يبرز واحدا من اشد الاسلحة التعبيرية مضاء في معركة الوجود القائمة .
فهو في العالم الغربي ،يؤلف صورة للتناقض الحاد بين امال الرسام وحقائق وجوده الصارخة ..انه شبح التوقعات غير السعيدة لعصر ينتظر نهاية مأساوية لهذه الحقبة الراهنة .لذلك فهو يعمد الى رسم تلك النهاية وكأن في الرسم قوة اسطورية تستطيع ان تبعد نذر الكارثة .
وهو في العالم الثالث ،يحمل قوة الهجاء العنيف التي تتصدى لكل ظواهر الشر والعدوان ،وتناوئ قوانين الجذب الاستعماري ظاهرة او مستترة تكون ، لذا فان دور فنان الكاريكاتير العراقي واضح ومهماته لاتحتاج الى تأويل ..فهو يحمل قلمين ،ويحارب على جبهتين ويتجه في سبر الدواخل من خلال منظارين .انه وهو يمضي في نزع الاقنعة ،وسبر اغوار النفوس ،وسلخ القشرة الحية من لحاء الشجرة الانسانية المريضة ،لاينسى انه محارب وانه يحمل سلاحه في معركة المصير .
وبكل ما تمتلك نفسه من وهج حدسي يقاتل ربابنة الشر والفساد ورموز الضعة والتخلف ،اولئك الذين يحملون اكاسير الحقد البشري ويحلمون ببناء امبراطوريات عنصرية عدوانية على ارضنا العربية .. افبعد هذا لا يكون الفنان الكاريكاتيري فيلسوفا ورسام نوائب وتناقضات ومحاربا في الوقت ذاته ؟.
|