المقاله تحت باب محور النقد في
01/09/2008 06:00 AM GMT
بمناسبة الذكرى الرابعة لرحيلها
تمر هذا اليوم الموافق الحادي والثلاثين من آب الذكرى الرابعة لرحيل الخزافة العراقية الكبيرة نهى الراضي التي توفيت ببيروت العام 2004 بعد صراع مع المرض ، حيث دفنت تحت ظلال غابة من أشجار الصنوبر وسط العاصمة بيروت .
تعتبر الفنانة الراحلة واحدة من أهم الخزافات في العراق والوطن العربي ، وقد انتشرت مقتنياتها في طول وعرض العالم . تتميز تجربة الفنانة بخصوصية متفردة جعلت لها هوية تشكيلية خاصة بها ، حيث تطغى على خزفياتها روح الشرق وسحره ، كما تتميز أعمالها بثراء لوني بعيداً عن السطوح اللونية الصريحة , كما تضفي على مشغولاتها ذلك الملمس لوحدات زخرفية تنبض بالعفوية وروح الفنون البدائية وما تحمله من قوة سحرية بجمالياتها ،
وكأنها أعمال صنعت نفسها بنفسها ، ففي أعمالها دهشة الفعل الطفولي حين يصنع الأطفال جمالهم الخاص ودماهم ، ليست هناك حدود كلاسيكية لعملها ولأشكالها . ان روح الشرق الساخنة المتوهجة بالبريق واللون والبراءة والعفوية تنضح بها أعمالها ، ربما بسبب سنوات طفولتها العشر الأولى التي عاشتها في الهند يوم كان والدها سفيراً للعراق هناك إبان الحكم الملكي . ان خصوصية الرؤية المتوهجة لهذه الفنانة قد جعلها تسترجع كل مصادرها المعرفية والجمالية مقتربة من الرسم أكثر من الفخار والنحت ، كما يلجأ الخزافون عادة . لذلك فأن تجربتها ثرية مستمدة ثراءها من ثراء مرجعياتها التشكيلية والتي منحتها قدرة هائلة على العمل بحرية وعفوية تلقائية دون التهيب من قانون أو ناقد ولعل تأثيرات شقيقتها السيدة ( سلمى الراضي ) الأستاذة المتخصصة في علم الآثار قد جعلها أكثر قرباً من روح ورائحة التاريخ والآثار والتي تبدو جلية على مشغولاتها الكثيرة .
ان التجاء الفنانة إلى التشخيصية الإنسانية في أعمالها الخزفية قد أبعدت تجربتها من الاستعمالية اليومية للنتاج السيراميكي وجعلت تجربتها تتواشج مع باقي فروع الفنون التشكيلية وبخاصة الرسم وان كانت هذه التشخيصية الإنسانية في السيراميك تعد مغامرة كبيرة حيث تستحيل الخزفيات إلى أشبه ماتكون بالدمى ... ولكن أية دمى تلك التي تصنعها بل تسحرها أنامل نهى الراضي , إنها أعمال باذخة بمجردات طبيعية كأحجار كريمة وحصى سحرية وبقايا صخور تحمل أرواحاً طوطمية وآدمية حيث تنفذها ببدائية واعية لكنها ملغزة بمغاليق عوالمها الطفولية والسحرية فأعمالها تهمس لنا بلغة خاصة تستجمع براءة الشكل وعذريته وبين ألق الجمال وبريقه ، إنها تدمج الأسطورة المتخيلة بالواقع وهو نوع من الإسقاط للماضي - التاريخ أو الطفولة المستعادة بتلك المشخصات البريئة على الحاضر . ان هذه العملية أشبه بتحولات أو محاولة لتحولات متسامية كجزء من الميكانزمات الدفاعية كالتسامي أو التناقض الوجداني . ان أسلوب الفنانة نهى الراضي وهي تحاول أن تقترب من الأسلوب الشعبي أو الفلكلور السريالي قد منح أعمالها قوة البقاء والتأثير والقدرة على الاستمرار ، فمثل هذه الأعمال لا تندثر بسهولة برغم كل المتغيرات الحضارية وهذه ظاهرة تسترعي الانتباه وربما تعود إلى تفرد الثقافة الشعبية إلى حد ما وقدرتها على الاستمرار ومقاومتها للمتغيرات ،
لذلك يقول فرويد : ( ان كل طفل وهو يلعب يسلك مثل الكاتب المبدع أو الفنان المبدع وذلك لأنه يخلق عالماً خاصاً به أو انه يعيد تنظيم الأشياء الخاصة بعالمه بطريقة جديدة تحقق له المتعة والسرور ) وهكذا فخزفيات نهى الراضي وهي تقترب من صناعة دمى الأطفال قد منحت تجربتها ثراء التفرد والبراءة والسحرية عبر صياغتها الشكلية واللونية وعبر طرائق الإدهاش الواعية لمنطقها الجمالي والتركيبي.
ببلوغرافيا الفنانة الراحلة نهى الراضي:
* ولدت في بغداد العام 1941
* تنتمي لعائلة تهتم بالفن والثقافة فوالدها سفير العراق في الهند إبان الحكم الملكي، وشقيقتها سلمى الراضي الأستاذة المتخصصة في علم الآثار ( تقيم في نيويورك).
* درست السيراميك في لندن في مدرسة (بيام شو ) للفنون.
* انتقلت مع عائلتها في بيروت وعملت استاذة جامعية في الجامعة الأميركية ببيروت.
* أقامت العديد من المعارض الفنية في بغداد - بيروت - فرنسا - لندن - الهند - اميركا.
* لها اهتمامات في الكتابة الأدبية حيث نشرت مذكراتها العام 1992 في مجلة (كرانتا ) الأدبية في عدة حلقات. * توفيت في بيروت يوم 31 آب 2004.
|