المقاله تحت باب محور النقد في
08/10/2008 06:00 AM GMT
رسمت الفنانة العراقية الكندية سندس عبد الهادي لوحة عنوانها «إنانا في دمشق» تصور فتاة عراقية تمارس الدعارة في سوريا، وارسلت اللوحة إلى صحيفة «أميركان كرونيكل» وارفقتها بتعليق حول المعاناة التي تعيشها آلاف النساء والفتيات العراقيات اللاجئات في سوريا وغيرها من البلدان العربية، حيث يتم إجبارهن على ممارسة البغاء نظرا إلى الظروف المعيشية القاسية التي فرضها عليهن الظرف السياسي والأمني الذي يمر به العراق منذ بداية الإحتلال الأميركي. انهن يمارسن الجنس من اجل البقاء، هكذا يقال. لوحة الفنانة العراقية اشبه بالصرخة المعبّرة عن واقع العراقيات، وقد حظيت باهتمام وسائل الاعلام والفنانين الذين يهتمون بالضمير الانساني. القضية مع سندس عبد الهادي بدأت عندما لجأت إلى موقع «يوتيوب» حيث الكثير من أرقام الهواتف المعروضة على مقاطع الفيديو التي سجلها زبائن الدعارة في النوادي وفي غرف الفنادق أثناء لقاءاتهم مع تلك الفتيات والسيدات، وكانت الفنانة العراقية في سوريا ورأت بنفسها ما كان يحدث. زارت دمشق فاكتشفت أنهم يظنونها عاهرة تمارس الدعارة، لمجرد انها امرأة عراقية في سوريا. فوجود امرأة عراقية لاجئة الآن هو مرادف لكونها عاهرة في أماكن معينة. من هنا بدأ الشعور بالمرارة عند سندس، ومن هنا انطلقت الصرخة. رسمت سندس فتاة عراقية في مشهد قاس: رجال يحيطون بها، يرتدي أحدهم زي الرجل التقليدي العربي ويظهر كما لو كان يضع سيكارة في فم الفتاة، وبدا جسمها كما لو كان يرتعش وبدت عيناها سوداوين ولا يظهر فيهما البؤبؤ كما لو كان الماكياج الشديد لازما من أجل تغطية وجه المرأة المومس بحيث لا يوجد مدخل إلى روحها. إن هذا الجسد المنهك يجعلها تبدو بلا أمل. إنها لوحة حزينة ومؤثرة. ثمة رجل آخر يرتدي الملابس المدنية الى جانب عسكري، جعلته الفنانة من جنس غير محدد، من الممكن أن يكون قوقازيا أو أسود أو إيطاليا أو أسبانيا، وذلك كله يشير إلى عالمية موضوع التحرش الجنسي بالفتاة. إن الرجال، العسكريين والمدنيين، من كل العوالم وكل الأجناس وكل الأزمنة في التاريخ، قد استغلوا النساء بالطريقة نفسها. كما أن الفنانة تمزج بين منظر دمشق القديم بمآذنها وجدرانها المتهدمة والحداثة في شكل السيارات الرياضية الحمراء في الجانب الأيمن السفلي. تعتبر سندس أن وجود الجندي في لوحتها له سببان. الأول تذكير وإشارة إلى الاحتلال الأميركي الحالي في العراق، وهو سبب الهجرة الجماعية الكبيرة للاجئين إلى الدول المجاورة. والثاني، إشارة إلى نظرة الرجل الغربي إلى المرأة العربية. وبخاصة في حالة الجنود الذين كانت لهم لقاءات مع نساء عربيات عاهرات في العراق أو خلال إجازاتهم في دبي والكويت والأردن. لوحة «إنانا في دمشق» اشارة صارخة الى المعاناة الجنسية التي باتت أمرا شائعا الآن منذ دفعت الحرب على العراق بحوالى 50 ألف فتاة وسيدة عراقية لاجئة في سوريا وفي الدول العربية الأخرى إلى ممارسة الدعارة (ليست هناك أرقام دقيقة عن النساء والفتيات اللواتي يمارسن البغاء داخل العراق بالإكراه). إنانا هي الإلهة السومرية للجنس والحرب (أو الحب والخصوبة وتساوي أفروديت عند الاغريق، وفينوس عند الرومان) تعتمد على الأصل الذي رسمه جان ليون جيروم، المستشرق الفرنسي، والمعنونة «سوق العبيد» عام 1867. لوحة جيروم هذه، مثلها مثل أعمال أخرى له عن أسواق العبيد، تجمع بين القسوة والجنس، إذ تعرض اللوحة إحدى الجواري عارية يتدلى شعرها الأسود الطويل في انسياب بين نهديها، وإلى جانبها نساء أخريات شبه عاريات. جان ليون جيروم وفيرينتش أيزنهوت صورا أسواق للعبيد، حيث يقوم المشترون باختبار أسنان الجواري العاريات وأثدائهن بأيد غليظة وخشنة. ورسم إدوين لونغ سوق زواج بابليا، تنتظر فيه النساء مثل بضاعة حتى يأتي المشتري. ليست لوحة سندس حوارية مع لوحة ليون جيروم، انما ايماء الى الواقع المستجد في النظرة الى المرأة والجنس في الشرق في آن واحد، تلك النظرة الوحشية الى شيء هو في الاساس قمة الانسانية (نقصد الجنس بالطبع). هامش
على هامش اللوحة يمكن القول إنه بات من الصعب على سكان دمشق وضواحيها تجاهل واقع قيام بعض اللاجئات العراقيات في سوريا ببيع أجسادهن لقاء لقمة العيش، وقد دفع انتشار الظاهرة مسؤولي مكتب الأمم المتحدة للاجئين في سوريا على فتح هذا الملف الشائك مع الحكومة السورية، بحسب ما أفاد تقرير صحافي نشرته واحدة من كبريات الصحف الأميركية. ونشرت صحيفة «نيويورك تايمس» في 29-5-2007 تقريرا مطولا عن هذه الظاهرة، ساردة قصة هرب أم هبة مع ابنتها ذات الستة عشر عاما من جحيم الاقتتال الداخلي والفوضى في العراق، إلى سوريا. ونقل التقرير عن الأم العراقية قولها: «لقد فقدنا كل شيء أثناء الحرب... حتى شرفنا». أم هبة هربت من العراق إلى سوريا، وتحت ضغط الحاجة وندرة فرص العمل في بلد يعاني من نسب بطالة مرتفعة بالإضافة الى تدهور الحالة الصحية لوالد أم هبة الذي يعاني من السكر، اضطرت المرأة العراقية للعمل بنصيحة نساء عراقيات سبقنها إلى سوريا فأخذت ابنتها لتعمل في أحد الملاهي الليلية المشهورة في ضواحي العاصمة السورية. طالما تحدث صدام حسين عن الماجدات العراقية، وبعد سقوطه اصبح كل شيء في مهب الريح. احوال العراقيات في دمشق ودبي تذكّرنا بأحوال النساء الروسيات والاوروبيات الشرقيات بعد سقوط النظام الشيوعي الاشتراكي. فهذه الانظمة التي كانت ترفع راية العدالة الاجتماعية والمساواة، افرزت بعد سقوطها «الرقيق الأبيض» والأمر نفسه مع صدام النشامى الذي اسقطه غلاة «الحلم الديموقراطي» فكانت النتيجة ان الحلم اصبح كابوسا مثلما كانت العروبة الصدامية رعباً، ومع ذلك يبقى الأمل. سندس عبد الهادي فنانة عراقية مقيمة في كندا منذ 15 سنة، وهناك درست تاريخ الفن والفنون الجميلة وأقامت عددا من المعارض. حصلت على بكالوريوس في الفنون الجميلة وتخصصت في تاريخ الفن في جامعة كونكورديا، وحاليا تكمل دراسات عليا في Media Studies، وتعيش مع زوجها في مونتريال. بالاضافة الى دراساتها العليا، حصلت على منحة من الحكومة الكندية لتعمل مشروعا من الاعمال الفنية عنوانه «Warchestra». راشيل عيد
|