الأعمال جميعها انطوت علي اعلان صريح بأن الطبيعة وقراءة اجوائها تكمن في حدود الريف بكل محتوياته المباشرة ، وهو اختصار واضح من قبل المشاركين من دون قصد الانفتاح الي اماكن أخري تحمل مميزات ثيمية فوق سطوح اللّوحات للأبنية الحديثة مع مظاهر الطبيعة ذاتها ، ولا ننكر بأن ( الطبيعة تقدم نفسها ) بحسب رأي ( فاروق يوسف ) ، ولكن العلامات البارزة التي تتمتع الطبيعة بها ، تختلف عند فنان وفنان آخر ، وهذا ما لمسناه في لوحات المعرض .
من ذلك ، يري الفنان ( مازن المعموري ) في المعرض هذا من خلال إعطاء رأيه في ورقة ( الفولدر ) بأن هناك ( أكثر من عين تبصر المشهد العراقي وتحاول ابراز تداعيات متلاحقة تقترب من بعضها أحيانا وتبتعد أحيانا أخر ، ولكن اللّون يبقي سيد الموقف والتجربة الحداثية تصبح أكثر ضموراً في مواجهة ذات الشجرة أو البيت الطيني ) .
ومن صميم الأعمال التي شاهدناها في المعرض هذا ، تدخل بعضها علي طبيعة الطرح المألوف للأشكال التي تعطي علاقتها بالمكان كجدلية تكوينية فيها دلالات العرض الفوتوغرافي المباشر ( أشجار .. نخيل .. مياه .. سماء ، الخ ) ، ونحن بذلك نطرح سؤالاً مباشراً فحواه :ـ هل نشاهد الطبيعة في عين الفنان ، أم الطبيعة تطرح نفسها بما تمتلكه من مميزات ملفتة ؟.. فلو أخذنا طبيعة أعمال الفنان فاخر محمد ، تظهر أمامنا جدلية الشكل واللّون بمهارة ( معلم ) ، علي الرغم من عشقه للألوان الباردة ، والشيء نفسه يحسب للفنان عاصم عبد الأمير الذي يتمتع بصياغة الشكل واللّون بأبعاد محسوبة فشهية النخيل وشهية الارض ، تتداخل مع شهية الألوان ليكوّن في النتيجة النهائية ( وحدة موضوع ) ، وهذا أيضا ما نلمسه في أعمال الفنان صلاح هادي الذي إرتضي لنفسه ان يكون آخر عتبات السلم الذي بناه فاخر محمد مع بعض المفارقات المهارية .. في حين تظهر مهارة أسعد عباس علي درجة عالية من التقنية الانشائية واللونية ، انه يثير المتلقي من خلال الأبعاد المحسوبة للّوحة ، ومن خلال الضربة الجريئة للألوان الحارة والباردة ، اللّوحة عنده حوار موسيقي مع الطبيعة ..
اما اعمال الفنان موسي عباس فقد جسدت اجواء الريف العراقي البحت ، واستطاع ان يكوُن علي سطوح اعماله المسحة التصويرية الصريحة ، اذ كان حريصاً علي ابراز الثيمة الاساسية التي يعمل عليها كالبيت الطيني او الارضية التي تقف عليها الاشجار ، من خلال تحديد المسافات بآلة السكين ، وقد اعطت وضوح الالوان بصراحتها البراقة ، والشيء الملفت للنظر ان الفنان هذا يتمتع باستخدام الالوان المضيئة وخاصة اللون الاصفر ، استطاع ان يعطي انعطافة بارزة في ذلك رغم خطورة استخدام هذا اللون كعنصر اساسي في اللوحة .
ولعل الجميع يتفق بان الطريقة التي اشتغل عليها الفنان صفاء السعدون تعتمد علي الالوان الصريحة والمباشرة (بطريقة الوحشيون) ، لكنه يقنع المتلقي بحوارية الالوان مع بعضها من دون الشعور بأن لكل لون لغته الخاصة ، انه يذكرنا بالفيلسوف الفرنسي (غاستون باشلار) إذ يقول بأن (اللّون الأخضر عندما يقف بجوار اللّون الأحمر يجعله يرقص) ، من ذلك ثمة تقديرات دقيقة للفنان السعدون استخدمها بعلمية الرجل الاكاديمي . وجاءت اعمال الفنان اياد الشيباني علي طريقة الاعمال الانطباعية للاماكن المفتوحة والمشحونة برئية واسعة مما يفتح لنا عمق المشاهدة للاماكن المرتفعة عن طريق التركيز علي الشكل . اما اعمال الفنان احمد عباس فقد طرحت بأسلوب انشائي سريع علي سطوح لوحاته ولا ننكر بأنه اعطي دلالات مختزلة للوقائع المكاني للألوان وقد لفت الانتباء عبر التزامه بمناخ الواقع الجنوبي ....
في معرض الطبيعة الثاني نجح الجميع في طرح اساليب متنوعة للواقعية الانطباعية والانطباعية البحتة ، وقد شكلت جميع الاعمال ايقونات مفتوحة في خضم صياغة الواقع العراقي (الريفي) عبر اشتغالات بارزة ، واعطت تجليات فنية واضحة .