المقاله تحت باب معارض تشكيلية في
21/03/2009 06:00 AM GMT
كالنخلة بعطائها الذي لا ينقطع، وشموخها الذي يطاول السماء، وصبرها الذي يسجل في «سفر أيوب» فيوحده بملكوت عوالم الغيب، تقف المرأة العراقية سليلة الحضارات الأولى لتعطي دروساً للبشرية والتاريخ في الإبداع والفن والجمال، معلنة من خلال 7 مبدعات عراقيات أن الإبداع في منطقة الرافدين لا توقفه دوامات اليأس ولا تحجب رؤية الحياة الأولى بتاريخ بوابة عشتار الخالدة. في معرض «نخيل من بغداد» الذي يفتتحه مساء غد القائم بالأعمال العراقي بقاعة قباب في أبو ظبي، تقدم المبدعات العراقيات السبع: نسرين الخياط، فهيمة فتاح، ندى سامي، رنا العزاوي، ريما الجبوري، لهيب البازركان، ولباب الخالدي، عشرات من الأعمال الإبداعية الفنية في الرسم والزخرفة والتشكيل والنقش على البورسلين والتصوير الحراري على الآنية، وزركشة الأقمشة المخملية وتشكيلات الحلي والمجوهرات المختلفة، وهذه الأعمال بمثابة تحية معطرة بشذى بغداد ودجلة الخير إلى العالم بمحبيه وعشاقه، وهي بمثابة رسالة كتبتها أنامل المبدعات بألوان الفن تقول أن «أرض الرافدين..
ستبقى أبداً أرضاً العطاء الإنساني الذي لا حدود له، وأن الفخار الأول الذي تشكلت منه الحضارة الإنسانية في سومر ما زال في ذاكرة المرأة العراقية الصابرة والمبدعة». أولى مبدعات «نخيل من بغداد» نسرين الخياط تحدثت عن تجربتها وقالت: إن ما أحاول تقديمه من خلال هذا المعرض المشترك، هي مجموعة تطريزات وتشكيلات من وحي البيئة البغدادية التراثية، قمت من خلالها بتزيين عشرات الأقمشة العالمية التي تأتي على شكل «شالات» نسائية، ومن الأنواع التي اشتغلت عليه: الشيفون، الحرير الطبيعي، وأنواع المخمل الفرنسي، وأرى أن هذا المعرض هو فرصة حقيقية ليتعرف الناس على طبيعة التنوع في الأداء الإبداعي العراقي».
أما ندى سامي فهي تقدم إبداعاً مغايراً في هذا المعرض، وهي تقوم بطباعة التصوير الحراري وبتقنيات عالية على الآنية -تحديداً الأكواب- التي تقدمها عبر لوحات رواد الفن العراقي والتشكيليين الكبار أمثال فائق حسن وجواد سليم وغيرهم من رواد الفن الأوائل، وتقول عن أعمالها: إن أغلب ما اخترته من لوحات قمت بطباعته مع الإشارة لصاحبها الأصلي، هي لوحات تعبر عن الذاكرة العراقية الجمعية للأمكنة من شناشيل ومساجد ووجوه أهلنا، وأعتقد أن توثيق الذاكرة التراثية والفنية لأي بلد هي شكل من أشكال الهوية الثقافية والإنسانية لذلك البلد وهذا ما أسعى إليه.
ورغم حرفيتها العالية في المدارس الفنية المتنوعة، إلا أن التشكيلية العراقية فهيمة فتاح اختارت أن تقدم نفسها في المعرض بصورة مغايرة، حين اعتمدت على الواقعية المدروسة والانطباعية في تشكيل الصور البغدادية التراثية، حيث «بائعات اللبن» ونساء الريف، والتشكيلات الجمالية المحيطة بدجلة من قباب فيروزية ونخيل يعانق سحائب الخير في أرض الخير، ولم تكتف الفنانة التي لاقت أعمالها سمعة طيبة في الفترة الأخيرة في الإمارات، لم تكتفِ بالمحاكاة الواقعية لتلك الذاكرة البصرية، بل أنها استطاعت أن تكوّن لها أسلوباً خاصاً يقرن الرمز والمتخيل بالواقع من خلال اللون وحركة الريشة. أما الفنانة رنا العزاوي التي تعرض لأول مرة في أبو ظبي، فهي تقدم لفكرة فنية متكاملة من حيث الموضوع واللون والتكوين في مجموعتها «تحيات من بغداد» التي تقارب في ألوانها الأسلوب الراقي للمدرسة اليابانية التشكيلية بألوانها الهادئة المنسجمة مع الموضوع، وتشكيلات الزهور وأغصان الشجر المنفذة بعناية فائقة. وهي تقدم أيضاً مجموعة من الأشكال التكعيبية من حيث الهندسة وقد «وشّيت» بألوان من الأزرق الغامق المبهر للعين، أما دواخل هذه اللوحات والتشكيلات الهندسية، فإن رنا العزاوي استطاعت أن تنسج روحاً حكائية جميلة مع عبارات «البغادنة»- كما يطلق على أهل بغداد - ولعل اشتراك العزاوي في هذا المعرض يكشف عن موهبة جديدة يتدفق الإبداع من أناملها، وربما كان اشتراكها في هذا المعرض ينقش مستقبلاً اسم «رنا» في المشهد الفني برؤية مختلفة تختزل الجمال عبر اللون.
ريما الجبوري التي ابتعدت عن العراق منذ فترة، تعيد للأذهان سر الحكايات الأولى لأنامل مبدعات سومر، فهي اختارت «البورسلين» ليكون سر علاقتها مع التشكيل اللوني، فيظهر جلياً مدى تأثرها بالألوان التكوازية والزرقاء والفيروزية التي تعتبر قوام الهندسة العراقية في جانبها الفني، فتنسج «ريما» تشكيلاتها اللونية من قباب ومساجد ونخيل وبيوت وكأنها تكمل حكاية شهرزاد وتضيف ليلة إلى ألف ليلة وليلة في سحر الألوان، كما تنسج الفنانة عبر الخطوط المذهبة قصائد الشعر الجميلة حول تكويناتها الهندسية، ولا تكتفي بذلك بل أنها تضيف إلى تلك التكوينات أغاني بغداد التراثية، «فوق النخيل» و«ميحانه ميحانه» و«الليلة حلوه». أما المبدعة لهيب البازركان فهي تمزج بين الحرف اللبنانية القديمة في بعلبك والتراث العراقي الأصيل، في واحدة من أجمل مجموعات المعرض، واعتماداً على الأشغال اليدوية تقدم الفنانة حلي ومجوهرات تتكون من مختلف أنواع المعادن النفيسة والأحجار الكريمة على شكل أساور وخواتم وقلائد استخدمت فيها «الآلوسي» أحجار الزبرجد والزفير والعقيق بأنواعه والزركون الأبيض، بعد معالجة المعادن بمعالجات خاصة من خلال مشغلها في لبنان، كما تقدم الفنانة عباءات نجفية شهيرة موشاة بأشكال من التراث اللبناني والعراقي، مستحضرة من خلال الخط الكوفي والديواني على الحلي والمطرزات الأخرى.
|