.
المقاله تحت باب محور النقد في
07/06/2007 06:00 AM GMT
(ما بين صلابة الرؤية الصوفية وفسحة الفضاء المنفتح على الجسد يعيش الأستاذ عبد الجبار البناء رحلة هادئة بين جذوع صاخبة) اخبره جواد سليم انه كان يزور المتحف العراقي كلما أتيحت له الفرصة وكان يكتشف في اثاره اشياء جديدة دوما… يستذكر عبد الجبار البناء ذلك وكأنه يشير من طرف خفي الى قدسية الطقس ذاته لا الى حيثياته .
هذا النحات الذي يبرر وجوده ببيت شعر صوفي يستقبلك به في اول حواركما:
ادين بدين الحب انى توجهت ركائبه فالحب ديني وايماني استمد من النحت السومري القديم اقتصاده مجسدا صلواته شابكا يديه امام الاله بجسد يلتم في معبد الوجود كتلة متماسكة من الحب والتأمل اذا كان النحت ابن بيئته (النحت الاشوري ابن الحجر والنحت السومري ابن الطين) فبيئة عبد الجبار البناء جذع يتلمس سطحه بقدسية متعبد سومري لا يملك الا ان يستجمع وجوده في خضوع طاغ ساحبا نظرات المتلقي الى جاذبية كتلة صلبة تفصح هيئتها المتكدسة بكل معاني القوة والحضور؛ الحضور الذي يسبغ عليه الاله بركته لينتقل اختزاله الى عيوننا هيبة وسلاما يقول عبد الجبار البنا : (انظر الى جوهر الانسان) وكانه غير معني بفضاءه الخارجي وجل همه ان يستنطق اعماقه الراقدة في جوهر الوجود.
هل هذا هو عالم عبد الجبار البناء ؟
( اختزال الهيئات البشرية .. هو اسلوبي) رغم انه يذكر في حديثه المدارس الاوربية بغناها وجراتها الا انه حين يذكر اساتذته (جواد سليم وخالد الرحال و محمد الحسني) لن تستطيع ان تغادر وصفه لنحاتي العراق القديم حيث يكرس النحات نفسه في خدمة قدسية الاله فالنحات ابن الواجب، وكاني به يقول انا واساتذتي تلاميذ ذلك الواجب المقدس الذي كرسنا له انفسنا منذ الاف السنين.
انه كالشهيد الذي انجز له مشروع نصب عام 1976 … اختار له بيتين من الشعر:
و مخرّق عنه القميص تخاله وسط البيوت من الحياء سقيما حتى اذا رفع اللواء وجدته تحت اللواء على الخميس زعيما الفنان ابن الواجب ابن الفكرة المقدسة، هكذا يستشهد بقول الجواهري امام احد اعماله النحتية التي توسط الصليب قمتها لحرية الفكر تاريخ يحدثنا بان الف مسيح دونها صلبا (انا انسان قبل ان اكون مسلما او عربيا) الانسان قضيته وهو مؤمن بها حد ان لاتجد في اعماله انسانا منكسرا؛ كل اعماله قامات منتصبة حتى وهي تئن من الجراح (اعمالي ضد الخنوع والاستسلام والعجز). انه يرفض ان يغادر حتى لوحاته الزيتية التي تشترك بارضيتها القاتمة دون ان يودع فيها حمامات الامل الي يخبؤها بين دفتي قلبه ليطلقها متى ما اتشحت لوحته بالظلمة.
هذا الرفق يرافق حتى تفسيره للفضاءات التي تخترق كتله الخشبية الصلدة فهو يخشى على عيني الناظر ان ترتد من صلابة الكتلة فيمنحها (لحظة للاستراحة .. ثم يستدرك… انها لحظة تخدم التامل واي شيء لا يخدم التامل يعتبر سطحيا) هذا النحات الذي تسبح نظراته في فضاء بعيد تسعى يداه لان تستجمع شتات الكلمات التي تتبعثر بحب من بين شفتيه المرتجفتين لتجمع ذلك كله في كتلة خشبية مقتصدة في فضاءها تتكدس انحناءاتها عائدة بك مرة اخرى الى تلك الاعماق البعيدة .
على هامش المعرض الاستعادي الثاني عشر لاعمال الفنان عبد الجبار البناء الذي اقيم مؤخرا في قاعة الواسطي /وزارة الثقافة. ولد ببغداد محلة باب الشيخ 1925 خريج معهد الفنون الجميلة /قسم النحت المسائي 1959-1960 انتخب لثلاث دورات عضوا للهيئة الادارية لجمعية الفنانين العراقيين درّس في دار المعلمين في السعودية 1964-1968 ، القسم المسائي لمعهد الفنون الجميلة 1982-1983 عمل رئيسا لقسم الفني في متحف التاريخ الطبيعي /جامعة بغداد انجز ثمانين قطعة فنية فولوكلورية للمتحف البغدادي في بغداد اقام العديد من المعارض الفنية داخل و خارج العراق من اعمال المعرض .
|