في تجارب عادل كامل التشكيلية - رؤيا في رقصة معبدية

.

المقاله تحت باب  مقالات فنيه
في 
01/02/2009 06:00 AM
GMT



 في ممرات الغواية المعبدية .. يفصح عادل كامل عن ذاته .. ناقدا مخضرما .. تناول سياقات التشكيل في الفن العراقي المعاصر .. باحثا في البنية الدلالية للفكر الكامنة في نسيجيته البنائية . مصنفا قوانين الحداثة في السمات الفنية المميزة لبنيته الشكلية .. و كل ذلك و غيره عمل بفاعلية على توسيع دائرة الوعي الثقافي في فلسفة و جماليات التشكيل المعاصرة في البنية الذهنية لعادل كامل الفنان و الناقد

      و في تقصي فكري يعتمد رؤية نقدية تحليلية لتجربة عادل كامل .. الأخيرة ( ممرات الغواية ) سنعمل بموت المؤلف ، تاركين لمنطق النص التشكيلي البلاغي .. ان يوحي و يدلل في حرية تامة من قبضة مؤلفه

     و في نظم العلاقات المكونة لبنائية النص ، كنوع من معادلة روحية للعاملين الخارجي و الداخلي .. يجد عادل كامل شفرته الدلالية في معادلة رياضية يعصرن بموجبها الموروث بذائقة الفكر المعاصر ، فقد بدت هذه التقابلات واضحة في بنائية التشكيل .. في صيرورة رمزية تضم عالم الحسيات بصفتها مصدرا للمشاعر و عالم الروح كونه كشفا نهائيا لدينونتها . عاملا على أحداث متحول أبدعي في دائرة آلية عمل البنية مبتعدا و آياها عن تأويلات التاريخ .. واضعا ذاته في خصوصية التزامن بدلا من عامل التطور ألتتابعي لبنائية التشكيل داعيا الى ذلك النوع من التشكيل بقصدية و بإرادة ليتجاوز أطره و محدداته .. باعتباره ظاهرة حضارية أنسا نية .. ونشيد خالد يعزف في كل الأزمان .. و في انفتاح نظم التلاقح الحضاري الكامن في بنائية التشكيل لتجريبية عادل كامل الجديدة .. يعقد الفكر الصلة ما بين الهرم باعتباره رمزا للمطلق .. و طائر في الفضاء لبرنكوزي في حركته المستقبلية اللا متناهية نحو اللامحدود و اللانهائي .. و يوازي الفكر أيضا نظم و سياقات بنائية العلاقات الخطية المميزة لبنائية الزقورة ، ورؤية موندريان الذي أحال بنائية التشكيل الى نظام هندسي من بنائية الخطوط و لعل تعبيرية الذات للنحات في سومر يقترب من نظام التعبير في نسق الصورة لدى مودلياني أو أد ورد مونشن .. هذه الروح التي فاضت بها ذهنية الفنان عادل كامل .. يفعل ما امتلكته من تضخم نوعي من الصور ، حين قامت باسترجاعها آليا ، ساعية الى نوع من عالمية التشكيل .. نوعا من العالمية ، تزول بها كل الحواجز الكونكريتية التي وضعها التاريخ .

  و في تركيبة نظام الصورة في ( ممرات الغواية ) تبدو المرأة كعلامة متكررة في بنائية النص .. باعتبارها مفردة رمزية ، تعمل خارج حدودها الطبيعية و التاريخية .. فهي عشتار في العراق ، و افروديت في اليونان ، و ايزيس في مصر .. الخ . ألا ان مأثرة المبدع هي الكيفية التي استطاع بها الفكر التغلب عن الطبيعي و المادي .. فهنا تتجلى الهيئة البشرية ليس لكونها محض شكل طبيعي ، و إنما باعتبارها تمثل الروح و تعبيرها الكامن في أعماق الأفكار الإنسانية . هذه التجريدية السيزانية ، طالت جميع السمات المميزة للهيئة و لم تعد تمثلا  بعد ان زال من الحدس العيني ، كل ما يؤلف خصوصية الموضوع الفردية بعد اختزاله إياه الى نظم من العلاقات الخطية . توحي و تدلل اكثر من ان تحاكي و تشبه . و الفضيلة في ذلك ، هو ان نظام الصورة قد شهد متحولا من مماثلة الشيء الى التعبير عن ذلك الشيء خارج شيئيته . فالفنان لا يستقي البهجة من الطبيعة العفوية للأشياء ، انه سيسعى الى نوع من التحوير و الاختزال و التبسيط وصولا الى نوع من الرمزية الواعية في التمثيل . فالتجربة بكاملها لم تكن محاكاة لأشياء مادية بل تعبيرا عن أفكار.
       و في نظام عمل البنية ، لابد ان يؤشر نظام الفكر ، بدلالة وسيط مادي ، و يعلن نظام السطح في ( ممرات الغواية ) عن قنوات مرجعية كانت بدايتها كولاج بيكاسو و براك ، و خليط العجائن الجاهزة عند بولوك ، وصولا الى نظام المادية الصورية الجاهزة لانطونيو تابيس . و فضيلة عادل كامل ، هو انه حفر مدلولاته على جدار معبد ان افرز بروح انتقائية خصوصية العتق و القدم لامست الطبيعة بحنينها و عداوتها سطح الجدار ، فأحال التكوين بقصدية نحو بنية جمالية متقشفة صوفية بميتافيزيقيا المكان و دلالاته التعبيرية

      و في بنائيات عادل كامل المعمارية ، يتصف طابع التشييد بتمازج تجميعي غريب للتقنيات، مثلما يحدث في ( البوب أرت ) . فحضور الكرافيك بأناقته المعهودة ، و خصوصيته الطباعية .. و وجود النحت بصلابة كتلته .. و تقشف اللون التكعيبي .. قد أحال البنائيات الجدارية في ( ممرات الغواية ) الى نوع من بنائيات مادية غير انها تعمل على إسقاط الصورة الذهنية كأيقونات ذات مغزى كوني ، و تناسق خاص تسمية أرابسك في موسيقية نظام اللوحة 

     و في نظام المفردة الشكلية ( لممرات الغواية ) احتل التعبير الروحي مكان الصدارة ، في حين تراجع ما هو طبيعي محض لمرتبة ثانوية . بقصدية تميل الى التحول في سمات الشكل من الجزئيات الى نظام الكليات ، و من الفردية الى التعميم المطلق ، فالعنصر الحاسم في هذه القصدية هو نظام الشكل الموحي بالموضوع ، و الذي يتميز بما هو جوهري ثابت ، و ذلك اكثر سموا مما يوجد في الطبيعة الفردية 

      يتملك العين ، في استيعابها البصري لنظم انساق بنية العرض ، نوعا من السمترية ، غير انها تماثلية من نوع جمالي . ذلك ان كمال الفكرة ، متحقق في ذلك . حددت فضاءات الرقصة بأطر سوداء ، اغتالت اللا محدود في بنائية الرقصات .. شكرا لعادل كامل في رقصته المعبدية ، عسى ان تستجيب السماء لندائه الأرضي وشعائره الطقوسية .