ان الفنان غازي عبدالله هو صاحب مدرسة في فن الكاريكاتير على المستوى العراقي والعربي فقد رسم ابن البلد وهو يرتدي (اليشماغ) وكانت رسومه تتفوق على رسوم الرسام المصري صلاح جاهين او الرسام صاروخان وكان ذو علامة فارقة في هذا المجال الذي تخصص به، وكان رساما هادئا يسعى الى التطور والابداع في مجال الكاريكاتير.
يتحدث الرسام غازي عن نفسه قائلا:
بدايتي كانت مجرد رغبة في العمل الصحفي، ومما زاد في دفعي للعطاء في هذا المجال هو تشجيع صاحب المجلة ونشره المزيد وبشكل متواصل حتى وجدت نفسي امام واجب اسبوعي حيث كانت بدايتي في مجلة (قرندل) الاسبوعية عام 1947. ولعل اهم العوامل التي رافقت عملي هذا هو التقدير الفني للرسوم من حيث اصالتها العراقية الشعبية فضلا عن الجانب المادي الذي وجدت فيه تقديرا آخرا.
وبعد استمراري في العمل صارت رسومي تنشر في عدة صحف ومجلات اسبوعية كثيرة فمنها: (ابن البلد) و(جفجير البلد) و(المصور) و_جريدة الجريدة) و(لواء الاستقلال) و(بريد الجمعة) و(النداء الاجتماعي) و(جريدة مجلة الاسبوع).. وكانت الكثير من هذه الصحف والمجلات معرضة للغلق والغياب بين حين وآخر لاسباب مادية وقد تعاود الصدور باسم جديد وامتياز جديد.. وكانت اجور الرسوم وحفر كلائشها يرهق ميزانية بعض الصحف والمجلات الامر الذي يدفعها في كثير من الاحيان ان تعزف عنها او تضطر الى اعادة نشر بعض الرسوم والصور بتعليقات جديدة لاتمت الى الرسم بأي شيء ولمجرد سد الفراغ..
وبعض اصحاب الصحف يعتبر الكاريكاتير مسألة تجميلية ترهق مالية الصحيفة وقد عمد احد اصحاب الصحف في أواخر الاربعينيات الى تزويدي بقنينة حبر صيني وريشة حتى اقلل من اجور الرسوم التي يدفعها لي وصحفي اخر يقتطع صورة من جريدة او يستحوذ على كليشتها من المطبعة فيعيد طبعها. كل ذلك حتى يتخلص من دفع نفقات الرسوم والكليشة. وان بعض بنايات المطابع كانت اشبه بالخانات تحتوي على غرف متعددة. وفي كل غرفة ادارة لصحيفة ما..
فكانت لاحدى الصحف الاسبوعية ادارة في غرفة داخل مقهى, وان للرسام الكاريكاتير دور مهم في الصحيفة ورأيها من طرح الكثير من القضايا حيث الذم او المدح وكان دوري في اعداد الرسوم هو انجاز مايطلب مني ولكن الشروحات كانت توضع من قبل اصحابها مما اوقعني البعض منها في مشاكل كنت في غنى عنها وجعلني اترك الرسم نهائيا وعلى الاخص السياسة منها مكتفيا بممارسة الافكار الفنية والاجتماعية والامثال الشعبية.
والكاريكاتير فن صحفي ناقد لاذع ويوضع الرسام على رأس القائمة في الصحيفة او المجلة. ومن هنا تكون اهمية الرسام وقوته الفنية سلاحا ذو حدين حيث الذم والسخرية والمدح فيستعمل صلاحياته ويبذل جهوده في اظهار الحقيقة. وعلى الرسام ان يتجنب العزف على الوتر الحساس عند التعامل مع الناس.
وعن طريقته في الرسم يقول الفنان غازي: (المعروف عن الرسم الكاريكاتيري ان تكون خطوطه قليلة ومعبرة وشرح قصير.. والرسم لغة عالمية عندما يكون خاليا من الشرح والتعليق ولكنني ارسم هنا بشكل موسع لانني ارسم ابن الشعب ولغرض افهامه اعلاميا كان علي ان ازيد من تفاصيل الصورة والشرح ولكي اجعله يتابع الفكرة ويبتسم لها فيجب ان اضيف للرسم كل ماهو ساخر ومضحك فاخرج له لوحة متكاملة الجوانب يعتز بها فيقطعها من الجريدة بعد اكمال قراءتها وان الكثير من الرسامين يتعامل مع الصورة وكأن القارئ فنانا او صحفيا في وقت واحد فيرسمها بشكل مختصر ويترك الباقي لتقدير القارئ).
ويعتبر الرسام الفنان غازي عبدالله هو رائد للفن الكاريكاتيري العراقي فمن خلاله اصبح لهذا الفن مبدعين استطاعوا ان يضعوا لهم بصمات خاصة على الصحف والمجلات والمطبوعات العراقية ولم يعد فن الكاريكاتير فن ساخر لملء الفراغ انما اصبح فنا بكامل المواصفات الفنية بل اصبح كلمة وموقف.
ومن اشهر المجلات الكاريكاتيرية التي ظهرت في الستينيات مجلة الفكاهة لصاحبها حميد المحل ومجلة (المتفرج) لصاحبها المرحوم مجيب حسون والتي احتضنت الرسامين المبتدئين الشباب منهم: مؤيد نعمة/ ضياء الحجار/ فؤاد حسون/ سامي سامي/ جاسم محمد سعيد وآخرون، واصبحت هذه المجلة في قمة المجلات الفكاهية حيث كانت تنفد من الاسواق والمكتبات بعد صدورها بساعة واحدة وهذا يدل على ان الناس تبحث عن الابتسامة دائما من خلال النكتة المقروءة المرسومة بشكل كاريكاتير.