المقاله تحت باب فنون عالمية في
09/09/2008 06:00 AM GMT
رسوم على رداء صوف عثر عليه في مقبرة باراكاس ويرقى الى القرن الأول قبل الميلاد تألّق على ضفة نهر السين أحد أبرز معارض حضارة الهنود الحمر. حملنا «متحف الفنون الأولى (برانلي)» هذه المرة الى حضارة الآنكا والكنوز الفنية لمدافن البيرو. نقلت ذخائرها القماشية (بما فيها 48 رداء طقوسياً) من «المتحف الوطني للأنتروبولوجيا في «ليما»، وتبرع المتحف الباريسي بترميمها وإعادة تأهيلها، لذلك فهي تعرض للمرة الأولى. هذه رسوم ثمينة على أقمشة ظلت محفوظة عبر مئات السنين وفي شكل جيد بسبب جفاف منطقة المدافن والقبور جنوب البيرو بما فيها مقاطعة ليما. ترجع الى ما بين القرن السابع قبل الميلاد والقرن الثاني الميلادي. تتميز الحضارة ما قبل الكولومبية في البيرو بمعابدها المعمارية وخصوصاً بتقاليد صناعة وزخرفة وصباغة وحياكة الأقمشة والنُسج الصوفية والقطنية، بل انها تعتبر الأولى التي استخدمت تقنيات المغازل والألوان المعقدة والتي لم تبح بأسرار فنونها حتى اليوم. ترجع الى المنطقة الأميركية الأولى في تأهلها بالسكان منذ 12 قرناً قبل المسيح. أما زهو الصناعة القماشية وأبجديتها الزخرفية فيبدأ ترسيخ تقاليدها منذ عام 2500 قبل الميلاد. لا تقدّر هذه المعروضات بثمن، ليس فقط بسبب أصالة أبجديتها التصويرية وجودتها، ولكن أيضاً بسبب ندرتها وعراقتها التاريخية الأولى في الذاكرة الشمولية الصناعية. تأسس «متحف ليما» في البيرو عام 1924، وكان انقاذاً لما بقي من حضارة الهنود الحمر وما عانته من استباحة عنصرية وتطهير ثقافي عرقي، نشهد حتى اليوم آثار النهب الجماعي لهذه المدافن، ابتداءً من تناثر الجماجم والرفات وانتهاءً بمزق الأكفان الفنية. أما نظيره «متحف برانلي» في باريس فليس بعيداً من هذه الحساسية في سعيه لإعادة الاعتبار الى زهو تقاليد الفنون الروحية للهنود الحمر، أسسه الرئيس شيراك في أواخر عهده، ثمرة لجهود عشرين عاماً، خصوصاً على مستوى العمارة التي حملت اسم جان نوفيل. ويعتبر الرئيس شيراك نفسه مالكاً لإحدى أبرز المجموعات التراثية (الصناعية والفنية والطقوسية) الخاصة بالهنود الحمر، وكان متحف واشنطن أقيم قبل عام، ولكنه ظل في حدود رد الفعل أكثر من النية المحايدة في تخليد ذكرى هذا التراث الاستثنائي. تكشف الرسوم تفوق فن النسيج الطقوسي المرافق لعالم الموت والمدافن. من أشهر هذه المقابر «باراكاس»، حمل المعرض هذا العنوان: «باراكاس والميثولوجيا الرمزية لحضارة البيرو». لا ترقى الى أصالة الأبجدية الصورية لتقاليد هذه الأقمشة السحرية سوى الآثار الفرعونية، واكتشف فيها 190 موتيفاً سحرياً بمثابة الأبجدية الرمزية المتحولة، هي التي تسجل التقمصات التي تقع بين الدلالة الحيوانية والبشرية. نعثر على الرموز نفسها في زخارف السيراميك وسواها. ولكنها تزداد خصوبة من الأقمشة المدفنية المعروضة والتي تمثل أكفاناً وأردية ترتبط بالعبور الى عالم الأبدية، ترافق المومياءات الذكورية، تزرع بواطن مئات الهضاب مدفونة مع المجوهرات والرياض والأسلحة وأطباق الغذاء. تزداد مع المعرض القناعة بفرضية التواصل بين الحضارتين الفرعونية وما قبل الكولومبية، ليس فقط من ناحية فلسفة ما بعد الموت وانما من ناحية القرابة المعمارية الهرمية للمعابد والمدافن وكذلك الأبجديات السحرية، والرهافة الروحية اللونية. وترى أثرها في أشكال بيكاسو وفي فنان أميركا اللاتينية ولفريدو لام الذي اختصت أقنعته وغاباته الموحشة بالعالم السحري الذي يكفّن مأساة غابات الأمازون وسواها.
|