1 - نظرة عامة لحقبة التحول
2 - الانفتاح بين المعارضة والتاييد
3 - بعض سمات حقبة التحول
4 - الطريقة القبانجية والحداثة
5 - اصالة القبانجي
(1)
نظرة عامة لحقبة التحول
عند حلول القرن العشرين .. كان العالم يعيش حالة الاضطراب والقلق نتيجة ادراكه للتحولات والتغيرات واحساسه بأن شيئاً ما قد حدث أو يحدث ..! هذه الحالة اخذت تتسارع في حياة الشعوب .. فقد عاش العالم كابوس الدم الذي أهرق في الحرب العالمية الاولى .. ولم تتوقف هذه الحالات من الاضطراب والقلق عند هذا الحد … بل تسربت إلى اعماق كيان كل انسان وكل شعب من شعوب الارض .. ولحقت بها سلاسل من الثورات في كل مكان من الارض .. ثورات صامته وثورات صارخة .. وفي العراق كانت اولى النتائج التي تمخضت عن هذا الواقع .. سقوط الدولة العثمانية التي احتلت العراق والوطن العربي طيلة اربعة قرون من قرون الفترة المظلمة . وحل محلها الاستعمار الانكليزي 1917 في خضم الحرب العالمية الاولى الذي تم سقوط العثمانيين على يده في العراق .. ومن هذا المصير الذي آل إليه العراق كانت ثورة العشرين الصرخة الاولى في وجه المستعمر الانكليزي ومن ثم قيام الدولة العراقية الحديثة والحكم الملكي . جوٌ محموم بالاستياء الملح كان يعتصر فكر ومشاعر الشعب العراقي .. مفاهيم ومشاكل واحزاب .. ثم جاءت انتفاضة 1932 وتبعتها ثورة الضباط الاحرار في مايس عام 1941 … ومر العراق بعد ذلك في جو من الحذر والتوقعات عبر الحرب الكونية الثانية حتى قامت ثورة 14 تموز 1958 التي أنهت الاستعمار الإنكليزي ومن ثم نهاية الحكم الملكي وقيام الحكم الجمهوري لأول مرة في العراق . وطيلة سنوات عدة ، بقيت المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون استقرار حتى عام 1968 فخططوا الاعداء للإيقاع به وبجاره ايران في أول فرصة تسنح لهم ، فكانت الحرب العراقية الإيرانية سنة 1980 – 1988 ، ولم تمر اكثر من سنتين حتى رتبت أمريكا وبريطانيا عدواناً عالمياً جمعت فيه جيوش أكثر من ثلاثين دولة ..!!! وضربت العراق في كانون الثاني 1991 ضربة عسكرية استمرت شهراً ونصف الشهر تقريباً في أبشع جريمة وعدوان ارهابي عرفته البشرية ، تمخض عنه فرض الحصار الظالم على العراق طيلة ثلاثة عشر عاما عجاف ، انتهى باحتلال العراق مرة اخرى عام 2003 !!! على شعب صامت ليس له يد في كل ما حصل ويحصل , كتب عليه أن يتحمل عن رضا المواجع من القريب والغريب دون أدنى مصلحة أو فائدة ...!
هل من المعقول لهذه الظروف التي مر بها العراق والتي لم تزل مستمرة ، أن لا يتمخض عنها تأثيرات هنا وهناك فتترك بصمتها الفكرية والجمالية سلبا وإيجابا ..!؟ سواء في الاداء المقامي أو الغناسيقي ككل أو في الحياة برمتها .. وبمضي الوقت سنرى بعدئذ ان اللون الرمادي غلف بعض الألحان وان كان الصمود من متطلبات الظرف الآني .
(2)
الانفتاح بين المعارضة والتأييد
نعود إلى بدايات القرن العشرين حيث اخذت حقبة التحول تقترب من ذروتها .. كانت هناك تحولات كثيرة تنمو .. وكان ابرز هذه التحولات ورمزها .. المرأة .. التي قادت هذه الحقبة إلى الانفتاح في شتى مجالات الحياة .. وطبيعي كانت المجابهة عنيفة خاصة من قبل الرجل .. وامست هناك حالة من الضجيج اخترقت المجتمع العراقي بين مؤيد لهذا الانفتاح الاجتماعي ومعارض له ، هذه الحالة من الدراما التي ذاع صيتها في كتابات الادباء خاصة ، كما ذاع صيت الحجاب .. حجاب المرأة .. بين ان تتركه أو تتمسك به حتى كانت كلمات الشاعر جميل صدقي الزهاوي ) ) التي عبر بها عن تأييده المطلق للسفور وخلع الحجاب حين قال .
اسفري فالحجابُ ياابنه فـــــهرٍ
كل شيءٍ إلى التجديدِ مـــــاضٍ
اسفري فالسفورُ للناسِ صـــبحٌ
لم يقـل في الحجابِ في شكـــلهِ
هو في الشرع والطــــبيعةِ والاذ
|
|
هو داء في الاجتماع وخــــــــيمُ
فلماذا يقــــــــرّ هذا القـــديم
زاهــــــرٌ والحجابُ ليــلٌ بهـيم
هذا نبيء ولا ارتضــاهُ حـــــكيم
واقِ والعقل والضمــــــير ذميـم |
وزادت هـذه الحقبـة مـن شـدة النقاشات وطرح الاراء بين المؤيدين والمعارضين لمختلف التغييـرات والتحولات التي كانت مـن ابرز ظواهرها ولـوج المرأة عالم الاداء المقامي والغناسيقى التراثية بصورة عامـة ، ومـن هنـا التقت النهضة الجديدة للغناء والموسيقى فـي العراق مـع الافكار الوطنيـة والقومية لعموم البلـد ، كما في كـل بلـد بـدأ يعيـد تكوينه مـن جديـد .. وامتزجت الطـرق فـي طريق واحد .. وتطلعت القلوب إلـى الامـل الجديـد والتفاؤل .. نحـو محاولات تطوير الاداء المقامي بصورة عامة … أليس مـن كبار هـذه الحقبة الفنان المقامي جميل البغدادي ورشيد القندرجي ويوسف كربلائي ونجم الشيخلي وجميل الاعظمي ومحمد القبانجي وغيرهم .. وهؤلاء وأولئك على السواء ساهموا في نهضة الغناء المقامي من جديد .. كل من موقعه .. على الرغم من ان هذه النظرة الإجمالية السريعة لا تحجب التفاصيل الخطيرة الهامة التي حدثت في العراق طيلة القرون السابقة والقرن العشرين .. لأن وراء تلك الكلمات الخاطفة التي المحنا اليها .. تاريخ منوع .. واحداث مروعة اهتزت لها الجباه ورعدت لها الأقلام .. ومانذكره ألان إلاّبعضا من هذا التاريخ ..
(3)
بعض سمات حقبة التحول
أصبح العراق في هذه الحقبة من التحولات المستمرة .. يبلور ويكشف ويبتكر في غنائه وموسيقاه وفنونه كلها … واستحضرت البلاد اصالتها الجمالية الخاصة بها من جديد .. من خلال إرهاصات كثيرة .. لعل من أهمها موقع المرأة في المجتمع .. هذه الخصوصية التي مثلت تجاوزاً للاستعمار السياسي والثقافي أيضاً … والسبب في كل ذلك هو القوة الملهمة في طبيعة العراقيين .. ومنـذ ان وضعت الحرب العالمية الاولى اوزارها ، وصلت حقبة التحول هذه إلى ذروة كبيرة من خلال ثورات ذاتية متعددة .. ثورات جماعية تمثلت بثورة العشرين … حركات سياسية واجتماعية وجمالية عديدة ، قادت الذوق الفني الغناسيقي في العراق … فقد كانت المرأة محوراً مهما في هذه التحولات والاتجاهات .. والمرأة التي جابهت القطيعة والتوقف بالتطلع إلى الامام والغد فمن مرحلة تعطيل نصف المجتمع والنظر اليه بازدراء واستعلاء إلى مرحلة تجنح نحو الاعتراف بكامل حقوقها وبحرية العمل وابداء الرأي و .. و .. وهكذا تكون المجابهة الحقيقية والتطورات والتغيرات المستمرة من سمات الفكر الحي والذوق المنفتح ، وقانون من قوانين الحياة …
إن حقبة التحول اتسمت ببعض السمات التي يمكننا ان نشير اليها باعتبارها حقبة زخرت بالاحداث الكثيرة والمفاجئة , وفي العراق كانت هذه السمات قد هزت الفكر والذوق والمجتمع ككل ومن هذه السمات :
1- ولوج المرأة معترك الحياة وعلى كل الاصعدة .
2- ان التحولات والتغيرات والتطورات كانت سريعة .. أسرع من قبل بسبب التطور التكنولوجي والصناعي وآثار الحرب العالمية الاولى وثورة العشرين .
3- ان هذه التحولات بمجالات الحياة كافة ، جاءت مع ألازمة الثقافية في الذوق والجمال والمعرفة التي اثارتها ظروف الحرب الدولية والثورات المحلية .
4- دخول المرأة عالم الاداء المقامي لاول مرة .
5- رافقت هذه الحقبة اقصى ظواهر الدراما الذوقية والجمالية بين طرق الاداء المقامية ، خاصة بين ما أسميته بالطريقة الرشيدية التي هي خلاصة الطرق القديمة وبين ما أسميته بالطريقة القبانجية .
6- سيطرت الطريقة القبانجية في الاداء المقامي وفي الذوق والجمال الذي لائم توجهات الذوق في هذه الحقبة ، وتربع مؤسسها محمد القبانجي على عرش الغناء في العراق بصورة مطلقة طيلة النصف الاول من القرن العشرين . ومن ثم تقهقر الطريقة الرشيدية وايقاف مدها .
7- ظهور جهاز التسجيل الصوتي وكذلك المذياع لاول مرة اللذان كانا أهم وسائل انتشار الموسيقى إضافة إلى تأسيس معهد الفنون الجميلة لتدريس فنون الموسيقى والفنون الاخرى .
8- بدأت حركة جديدة من النقد الموسيقي تظهر على السطح بواسطة انتشار الصحف .
9- التوسع الكبير في الاغاني العقلية المقصودة – أي الاغاني التي يعرف مؤديها وكاتبها وملحنها .. بعد الجمود الذي اصابها طيلة الفترة المظلمة .
10- انتشار الاتجاهات الجمالية الرومانتيكية واضمحلال الاتجاهات الكلاسيكية .
|