لكنه جسد مطاوع للحالة التعبيرية التي يضمر تشكيلها حركة متزامنة متتابعة أو منفردة. وهو إذ يختزل خطوط هذا الجسد لتوائم حالته الجديدة التي لا تخفي غالبا كم الانفعال وتقنينه بما يناسب هذه الحركة". 3 وصلني من الرسام مظهر احمد ملف (بي دي اف) باللغة الانجليزية عن معرضه المشترك مع الرسام فيصل لعيبي، وقد وجدت فيه مدونة لغوية مرفقة لم اعرف كاتبها، لكنها، برأينا، تنطوي على أفكار مهمة أحاول تلخيصها وترجمتها إلى العربية بتصرف، وأضيف إليها رأيي الشخصي بتجربتهما الفنية. تقول المدونة: "يأتي معرض (العراق: وجهان) في غاليري البارح في البحرين كأول تقديم لأثنين من أكثر الرسامين العراقيين شهرة، وبعد ستّة وثلاثين عاما سنة بعد هجرتهم من وطنهم لم يدركا كل طموحاتهما التي كانا يحلمان بها، لكنهما استطاعا ان يخلقا أسلوبا شخصيا متفردا ومختلفا عن الفنّ الأوربي.
لقد استبد صدام حسين، في سنوات هجرتهم، فادخل العراق في الحرب العراقية الإيرانية وحربي الخليج مما سبب في هجرة جحافل من المثقّفين العراقيين، والفنانين، وأفراد بارزين آخرين، ولم يتمكن لا فيصل لعيبي ولا مظهر احمد من العودة إلى وطنهما من1 خروجهما من العراق، ولكنهما كانا يبديان أسلوبا متفردا ومستقلا كتعبير عن رغبتهما في المشاركة في التغييرات المهمة تحدث في عالم الفنّ العراقي. لقد وظف هذان الفنانان فنّهما لمتابعة أحلامهما الفنية لبلدهما، فصار فنّهما سفيرا يمثل العراق في الأوساط الفنية الدولية، وجامعي الفنّ والمثقّفين.
(العراق: وجهان) ليس إلا منتخبات من اللوحات التي تلخّص النظرة المميّزة لفيصل لعيبي والروح الجريئة لمظهر أحمد؛ فكانت النتيجة مجموعة غير عادية: واقعية حديثة، وفنّا ثنائي الأبعاد حديث يتضافر أسلوبان مختلفان التي تعايشت لثلاثة عقود ولكن بهدف واحد هو إعادة تعريف العالم بتقاليد العراق المعاصرة والطليعية. كان فيصل لعيبي، وطوال أكثر من عقود أربعة ماضية كان حريصا ان يطرح نفسه كأحد الرسامين العرب القلائل الذين انتهجوا الواقعية الحديثة التي تعتنق تقاليد عراقية كعمق إلهامي لها، فكانت أعماله تعيد إنتاج مشاهد عراقية نموذجية تصور الواقع الاجتماعي، والثقافي، والتأريخ الملحمي الصاخب لشعبه: فكان يسافر إلى كل أنحاء العالم ليعرض صور بغدادييه المشهورين، ويقدم المحاضرات عن الفنّ العراقي والعربي المعاصر. لقد حصد مظهر احمد خلال أكثر من ثلاثة عقود العديد من الجوائز الدولية، وكانت صوره مقتناة في العديد من بلدان العالم، وهو ينتهج نهجا تجريديا في تراكيب متحررة وفي وسط ثنائي الأبعاد، ومن خلال مزيج مثير من العناصر التي أتاحت له تحقيق سمعة قوية.
يحتل فيصل لعيبي ومظهر احمد موقعا متفردا ضمن جيلهم ليس فقط بسبب نجاحهم، ولكن بسبب مثابرتهم وعنادهم في الدفاع عن الفن التشكيلي العراقي، فكان هذا المعرض جذّابا ثقافيا؛ حينما عرضا العراق: من خلال وجهين هما الجسر الهامّ الرابط بين الواقعية الحديثة جنب الحداثة في عصر الفراغ في التأريخ العراقي. يتيح الرسام مظهر في أعماله حرية العبث الطفولي من خلال تقنية طفولية كاليغرافية فيقوم بدمج تراكيب متنوعة في وسط ثنائي الأبعاد بلغة بصرية تم استئصال كل الزوائد النثرية وأهمها نمط السردية التي أثقلت افن قرونا طويلة؛ فكان استراتيجه الذي لازمه طويلا ان يتم بطلاء اللوحة باللون الأبيض؛ فيشكل خلفية تتقدمها عناصر اللوحة وذلك بهدف المحافظة على روح الورقة البيضاء التي يشتغل عليها عليها الطفل عند انجاز شخبطاته الأولى".