علي الربيعي
شروعه اللحني وبداياته المبكرة في العزف على آلة العود، جعلت منه ملحنا كبيرا ينتقي ويكتشف اصواتا غنائية لها الاثر في عالم الاغنية العراقية، ورحيله القسري عن الوطن الممتد لخمسة عشر عاما كان له حكاية مؤلمة، كادت ان تودي بحياته لو لا انه (نجا) باعجوبة يحفها الرعب والخوف..من مسيرته الابداعية وتلك الرحلة كان هذا الحوار مع الفنان الملحن سرور ماجد الذي وصف تجربته بانها نبوءة
يقول عنها:
ضريبة فنية ان موهبته بدأت من الولادة، حيث العام الذي تنبأت به القابلة المأذونة في 5 / 3 / 1955 عندما نظرت في وجهه مخاطبة والدته (بأن هذا سيكون فنانا) ولا اعرف ان كان الوقت في الثالثة والنصف صباحا من ذات الشهر البارد جدا، احتمل تلك النبوءة التي ايدتها والدتي بنعم انه فنان.. ثم ليستمر معه الهاجس وتحديدا في الدراسة المتوسطة اي بعمر 14 ـ 15عاما، والسؤال الملح في نفسه في كيفية تغيير الاناشيد وقتذاك الى البحث في كتاب (المطالعة والنصوص) وتلحين عدد من القصائد من دون معرفة باصول الموسيقى ولكن في الوقت نفسه كانت تخرج وبشكل فطري مجموعة من الالحان (المدهشة) التي ادهشت بالوقت ذاته الطلبة والاساتذة في المدرسة، حتى تشكيله فرقة (كورال) من عدد من الطلاب وهي عبارة عن اصوات بسيطة وغير مدروسة وتحديدا في متوسطة الكاظمية التي تقع في منطقة الكاظمية، واكتشاف نجاحه من خلال التصفيق المتكرر للطلبة والمدرسين اثناء اسابيع رفعة العلم كما هو تقليد مدرسي في حينه، على ان هذا الهاجس ونمو فكرة التلحين كانت خلفها ضريبة فنية سببت له الرسوب في الصف الثالث المتوسط لعام واحد، ولكن ذلك لم يثبط من عزيمته في الاستمرار في الدراسة ولمدة (6) اعوام في قصر الثقافة والفنون في العام 1976 وتخرجه في العام 1981، التي كان قبلها قد امسك العود عازفا وملحنا في العام 1973 مؤكدا تعلمه بشكل ذاتي من دون مساعدة اي من العازفين الموسيقيين كبداية فنية مبكرة ونادرة في الوسط الفني.
اكتشاف ومتداد وعن سؤال حول تجربته الفنية الفعلية، كونه يمثل واحدا من ابرز وجوه جيله الثمانيني، يتذكر حزمة من الاسماء المهمة، منوها الى بأنهم بدأوا من منتصف السبعينيات ولكن كانت شهرتهم قد بدأت بداية الثمانينيات، وان عطاءه الفني الابداعي جعله معروفا جدا في هذه الفترة، ولاسماء لحنية كبيرة جايلته امثال، جعفر الخفاف، طارق الشبلي، مضر قاسم، على سرحان وغيرهم، واصفا ان المنافسة بين هذه الاسماء كانت في غاية الابداع الفني، بدلالة انه حين يسمع لحنا جميلا من بين هؤلاء، يعتكف في داره لثلاثة اسابيع او اكثر لانجاز لحن مميز خاصة مع ما يقدمه الفنان الملحن جعفر الخفاف من اعمال لحنية كبيرة منها (مرة ومرة، خسرتك يا حبيبي) وغيرها صعودا مع الحاني في حينها مثل (يصبرني، يا عين خلي انسامحة) وغيرهما وبهذا النجاح الذي يقول عنه انه يصب في صالح الاغنية العراقية وانه وزملاءه يكملون تلك المسيرة الابداعية السبعينية ما يعني الامتداد لعمالقة تلك الفترة الخصبة التي منهم الملحنون الكبار امثال طالب القره غولي، محمد جواد اموري، محسن فرحان، فاروق هلال، عبدالحسين السماوي وغيرهم، غير خاف انه من المتابعين او احد الذين (يحفظون) جميع الالحان العراقية التي تصل حتى الجيل الخمسيني من ملحنين كبار ومعروفين منهم احمد الخليل، عباس جميل، رضا علي، داود العاني، يحيى حمدي وغيرهم ايضا.. معبرا عن ان الاكتشاف بمعنى انتاج اصوات جديدة وزجها في الساحة الغنائية (اصعب) من ان تقدم اعمالاً لحنية لاصوات معروفة وهذه الصعوبة سيكتشفها المتلقي نفسه، ثم يقال عنك بانك قد اكتشفت صوتا اي اضافة فنية اخرى دون ان تضيف شيئاً لهذا الفنان المعروف هذا او ذاك، معللاً تجربته مع فنانين يمتلكون شهرة امثال حسين نعمة، فؤاد سالم، سعدون جابر، ياس خضر الذي اعطاه لحناً مميزاً، وحين طالبه بالاجور قال له بالحرف الواحد(انت الذي يجب ان تعطيني- فلوس- حتى اغني لك) واصفاً اياها بالصدمة الكبيرة، ما دفعه لان يقدم جيلاً غنائياً مرتكزاً ولأصوات غنائية لما تزل حاضرة في ذاكرة المتلقي العراقي مثل قاسم اسماعيل، احمد نعمة، محمود انور، كريم محمد، مضر محمد، وتعامله مع النص الشعري سواء كان من احد الشعراء الكبار مثل عريان السيد خلف، كاظم اسماعيل الكاطع، حسن الخزاعي او من الذي تلاه مثل كريم العراقي، كاظم السعدي، مناضل التميمي وغيرهم. منطق ورفض وبشأن التشابه في بعض الحانه نتيجة هذا الكم من التأثر بملحنين معروفين، او ربما تقليد لتجربة بعينها، ينفي نفياً قاطعاً بأنه لم يقلد اي فنان آخر، لكن هناك ربما تأثر اخر كونه يعتبر نفسه صديقاً مقرباً ومحبوباً منهم وهم بمثابة اساتذته قد تعلم الكثير منهم، واسهموا في بناء شخصيته الفنية الابداعية وحتى الاجتماعية في التعامل مع الحياة، وانه اقرب لأداء الفنانين طالب القره غولي وفاروق هلال، وان من المنطق من يتعامل مع هؤلاء الكبار يفكر بأشياء اخرى كبيرة توازي حجم عطائهم الفني، وان الفنان يجب ان (يتفرد) في كل الاحوال ولايمضي مع قافلة متشابهة واحدة رافضاً بدوره عمن ابرز او اقل نتاجاً لحنياُ بل توجد هناك اصوتا لحنية(نوعية) اي بمعنى ليس هناك اول او ثان في هذا المضمار الفني المتجدد والجمالي في الوقت نفسه، مذكراً ومعترضاً كأول فنان عراقي على (تصنيف) الفنانين ابان فترة النظام المباد الى(آ. ب. ج) الغاية منها اذلال الفنان وتكريسه لمنظومته العسكرتارية المذلة والمهينة.
مسرح وقرار اما عن المسرح والتلفزيون يذكر سرور عدة اعمال(مشاركات)مسرحية معروفة ومهمة في الوسط المسرحي العراقي منها عملان للفنان المخرج غانم حميد بعنوان (المومياء) لمؤلفها الكاتب عادل كاظم واخرى معربة عن مسرحية (ظل الحمار) بعنوان (سن العقل) وعمل مسرحي اخر للفنان المخرج سامي قفطان بعنوان (المنكطعة)، معتبراً ان تجربته في المسرح فريدة من نوعها، كونها لم تكن من ضمن اختصاصه وتتطلب دراسة اكاديمية، ولكنه قد نجح في النهاية لمتابعة معظم العروض المسرحية وتواصله الدائم في القراءة والبحث عن هذا الفن النبيل، كما انه قدم اعمالاً لحنية تلفزيونية(تايتلات) من اهمها مسلسل (الهروب الى الوهم) من تأليف الكاتب فاروق محمد واخراج الفنان جلال كامل، مستبعداً ان يتوقف في التقديم او المشاركة في الاعمال المسرحية، ومبتعداً مبدئياً عن تلحين الاغاني العاطفية في الوقت الحاضر والتوجه للتلحين والغناء للوطن والمظلومين والفقراء(الشعب) ضحية فترة الحكم الشوفيني الصدامي الذي ترك آثارا سلبية لاتنسى مهما تقادم الزمن، ومصمماً على ترتيب اوراقه ليعود الى الوطن بشكل نهائي ليسهم مع زملائه المخلصين في الفن (لاعمار) الاغنية العراقية التي انحسرت وتخلفت وبمعنى ادق(اغتيلت) على ايدي اشباه الملحنين والمطربين المتخلفين ذوقاً وانسانية وكرامة، اي فقدانهم لانسانياتهم قبل كل شي ولايملكون مواصفات الفنان العراقي الذي يجسد من الجمال الذي يدور في فلك عراقه اجمل الالحان والاغاني التي صارت فيما بعد(ظواهر) غنائية على المتذوق المحلي والعربي وحتى العالمي منه، ودور الفنان في هذا المجال هو الوقوف فناً يجابه هؤلاء المرتزقة والمنحرفين الذين ادموا الذائقة العراقية وقبحوا كل الجمال ومنها المرأة وماحولها من عاطفة ونبوغ وصمود والا ماذا يعني لأن يخاطب احدهم حبيبته بأغنية (الا اكسر خشمج) ياللعار!.
غدر ومنفى اللجوء الى المنفى حكاية يسردها الفنان سرور ماجد بمرارة قائلاً: بأنه لم يكن اختياره ابداً، وفراري من بغداد خائفاً ومرعوبا صوب المجهول كان نتيجة(غدر) من كنت اظنه اقرب الناس، وهو فنان وموسيقي يتبوأ الان منصباً فنيا مهماً في الثقافة العراقية، وتحديداً كان ذلك في العام 1998 وبقسوة النظام الصدامي انذاك.. فكانت الليلة الظلماء التي احتضنت فيها عائلتي وهربت متسائلاً مع نفسي ما الذي سيحصل لي في المستقبل واين ومتى سأكون انا وزوجتي واطفالي الثلاثة، فكل الاشياء غامضة ومبهمة ومخيفة في الوقت نفسه، وان هذا الغياب الذي امتد (15) عاماً بعيداً عن مناخات (اهلي) اي كل شيء يتحرك في هذا الكون العراقي السومري، وبهذه الاعوام الضائعة كان يمكن لي ان اقدم اعمالاً اخرى، خاصة وانني ارتقي سلم الملحنين في العراق وخارجه... توقفت قسراً كوني لم امتلك ادواتي ومنها تلك المناخات التي ذكرت، فلا اصوات واستوديو وعازفون.. وبرغم كل هذا وذاك لقد لحنت الكثير من المهم الذي اتخذه سلاحاً لي الان امام الوسط الفني والثقافي بشهادة من احتفى بي من اصدقاء ومعجبي الامس، ولعل من هذا الاحتفاء هو ماقام به ملتقى الخميس الابداعي في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق بمنحي (درع الجواهري) وهذا بحد بذاته مسؤولية كبيرة تدفعني لتقديم المزيد حباً بالعراق وبالانسان والجمال. |