|
|
الفنان التشكيلي شاكر حسن آل سعيد |
|
|
|
|
تاريخ النشر
18/09/2007 06:00 AM
|
|
|
الفنان التشكيلي العراقي الراحل شاكر حسن آل سعيد ، فنان الرعيل الأول ، ورائد مهم في الحركة التشكيلية العراقية ، بل والعربية ، ومؤسس هذه الحركة ، وفاعل أساسي في بناء كيان التشكيل العربي المعاصر ،
ومغامر في رحلة تضيء العمل الفني باجتراحات الصوفي في تحقيق الباطن وقراءة المجرد وتكثيف التأمل لاستنباط العلاقة بين المكان وماهية الكامن فيه، بصريا وفلسفيا . فمنذ مطلع الأربعينيات كان الفنان شاكر حسن آل سعيد مهتما بالتراث ، مستلهما مرجعيته البصرية وخزينه التشكيلي ، مستخلصا منه أبجدية العمل الفني وانتماءه المعرفي ، باسطا هوية اللوحة وثراء مدلولاتها البيئية والرمزية بإحالات تاريخية . أما في الخمسينيات وبدءا بجماعة بغداد للفن الحديث التي تشكلت عام 1951 على يد الفنان الخالد جواد سليم ، فقد مارس الفنان شاكر حسن حضورا إبداعيا وتنظيريا ، خصوصا وأن المنطلق الأساس لجماعة بغداد كان هاجسا بحثيا يطلق مفهوم المغامرة في الفن ، ويبيح التجريب بما يسهم في اقتران الجمالي بالفلسفي ، وصياغة فضاء سيتسع لاحقا ليؤرخ لرؤية ابداعية تخيلية تحلق بالبحث عما يكسر رتابة المتعارف ( النمطي ) في تكوين العمل الفني إلى خطاب إبداعي يعيد بناء مضمون الفضاء التشكيلي على أساس اختزال المرئي وتكثيف المتخيل والخروج بوسائل ودلالات وعناصر جديدة لبناء العمل الفني . وفي الستينيات استمر الفنان في البحث والتنظير وتأسيس رؤية تشكيلية تستلهم الحرف بخصوصية تجارب الفنان الحروفية المتمثلة باختزال الشكل وترميز الحرف العربي واستثمار انسيابيته وإحالاته الشكلية واللغوية ، حتى جاء بيانه التأملي وتأملاته للبعد الواحد الذي تأسس في معرض جماعي في 1971 ، كان الفنان آل سعيد أحد رواده ومنظريه . شاكر حسن آل سعيد فنان متمرس ، يخوض في تحقيق الباطن بقدرة أسلوبية تخيلية وبإحالات تسقط على سطح العمل حريته ، وتنسج معالجة تأويلية لا تتوقف عند حدود المرئي بل تتعداه لتخاطب ما لم تستزد منه العين بصريا لتحيله إلى ذهنية التأويل وشموليته. العمل لدى شاكر حسن بيان فلسفي وبصيرة صوفية ومنهاج اكتشاف ، العمل لدية تعميم حياتي ويومي للخروج بالفن من مناطقية الصالة الضيقة إلى فضاء المدينة ، حيث تتمازج عناصرها المؤسسة لملامح وتاريخ كيانها الحياتي أو عرفها الاجتماعي اليومي بكيان الفنان وعناصر البحث بل وحتى مادة البحث ونموذج التخيل لدى الفنان شاكر حسن. الجدار العنصر المهم من الكيان الشكلي للمدينة بكل ما يحمله من مدلولات حياتية وتفاعله مع الكائن اللائذ خلفة ، ربما ليستر فردانيته ، أو ليطلق وجع احتجاجه دون أن يثير فضول الآخر أو غضب النظام الشرس الذي يمسخ حرية الفرد وقدرته على التعبير التي يمارسها هذا الفرد خلف ساتر الجدار وفعل الاحتكام منه وبه من صرامة وتيه انكساراته . أحال الفنان شاكر حسن آل سعيد هذا الجدار من كتله صماء مجردة إلى بصمة حياتية تبوح بالكامن على مرأى حجر من البصيرة الحكيمة والفاعلة التي ستكتشف ملامح وصوت وفعل وهواجس الكائن المتلبسة بهيئة هذا الجدار . وبهذا المعنى لم يكن جدار شاكر حسن مساحة أسمنتية أو طينية أو سطحا مؤسسا من حجر مرصوص ، بل الجدار هنا فاعل يومي وخزانة للتفاعلات الإنسانية ، وسطح مرسوم بملامح الناس وتأوهاتهم و طفولتهم ، وشاهد يختزل مشاعرهم ، ويفرد لبصماتهم مساحة الاحتجاج والتعبير على جسده ، ليوشم بما قد يتيح لفنان مثل شاكر حسن أن يقرأ فصول اليوم وتفاعل الزمن على ملامح الفرد المرموزة بملامح الجدار وهيئته . إنه اجتهاد يمنح فضاء الجدار خصوبة التدوين وعبقرية التجسيد وحيوية البحث ، ليتشكل المشهد اللا متناهي من جزئية مندسة في ثقب صغير ومهمل ، أو شرخ غائر ينوء بفعل الزمن و متاهة العوز ، أو بمفردة ، أو دلالة شكلية ، أوشعار سياسي ، أو شكل قلب له دلالة الحب ولوعة الكتمان ، أو (شخبطة) طفولية عابثة تكتشف كيانها وعوالمها الأولى ، أو كلّ ما قد تخطه يد عجولة أو فعل تعرية على جسد هذا الجدار ، ليتشكل أخيرا بعفوية تشكيلية . سينجز الفنان شاكر حسن آل سعيد خطابه الإبداعي والفلسفي ، ويحيل غموض وحيادية الدلالات والإشارات والملامح المنسوجة على سطح الجدار إلى دلالات معرفية بصرية ، وبصياغة تشكيلية تحث المتلقي على الغوص عميقا في اكتشاف وقراءة سعة التخيل فيما تحيطه من عناصر مبذولة ومتاحة ، عناصر مكتومة بوهجها البصري التشكيلي . جعل الفنان شاكر حسن من الجدار مساحة تأملية زاخرة بالمتخيل ومارس دعوة بكراً للتوقف عند هذا المشهد وإعادة صياغة قراءته كعمل فني وسعة بصرية تستبطن الدلالات التي تحقق المشهد الحياتي للفرد ، ولكنها في الوقت نفسه خزين للرموز والرؤى التي تشكل المشهد الجمالي وديمومته الإبداعية . ولد الفنان الراحل شاكر حسن آل سعيد في مدينة السماوة عام 1925 ، وتخرج في دار المعلمين العالية (ليسانس في العلوم) ، وحصل على دبلوم في الرسم من معهد الفنون الجميلة بغداد (القسم المسائي)، ودرس الفن كذلك في البوزار في باريس ، أقام العديد من المعارض الفردية المهمة وكذلك شارك في العديد من المعارض الجماعية والبيناليات ، وحاز على العديد من الجوائز منها الجائزة القومية في مهرجان كان سورمير في فرنسا ، كذلك تم تكريمه في عدة مهرجانات تشكيلية عربية كرائد من رواد الفن العربي المعاصر ، أثرى المكتبة التشكيلية العربية بالعديد من الدراسات . توفي ببغداد في 5-3-2004 |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ علي رشيد
|
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| |
|
|
|
|
|