صدر في تونس عن دار نقوش عربية، كتاب للفنان والكاتب سعد القصاب بعنوان " الرسامون كائنات لا تعترف - الفن من خلال موضوعات ". احتوى الكتاب على أربعة فصول، حملت عناوين " العمل الفني من قطيعة الحداثة إلى تقنيات المعاصرة"، " اللوحة بوصفها مشروعا جماليا"، " تصريحات عن تاريخ آخر"، فيما جاء الفصل الأخير تحت عنوان" استذكار الفن".
يوضح الكاتب في مقدمته، إلى أن الفنان في، عصرنا هذا، بات يستلهم تفرده الأسلوبي جراء انشغاله بخبرات تجريبية واستخدامه لتقنيات متعددة، من اجل أن يكون العمل الفني تحريضيا بامتياز. من هنا يمكن قراءة التجربة الفنية المعاصرة بوصفها شهادات بليغة ونادرة عن عالم أصبحت فيه المغايرة إحدى سماته الراسخة. فالفن لم يعد يحقق وجوده بأثر دوافع جمالية تصبو إلى تكريس أساليب فنية شاملة لها الرغبة في البقاء طويلا، من اجل الخلود بل بدواعي موضوعات تعاين الإبداع في الحياة بكونه ظاهرة متحولة. تستدعي بدورها أسئلة جديدة، عن فن يبحث هو أيضا عما هو جديد ومبتكر. في حياة هي نفسها قد تميزت بالاختلاف لما تتمتع به من وفرة واستهلاك وإشهار. يذكر الكاتب أن صفة "التجديد"، كممارسة بالغة الأهمية، استطاعت أن تشكل عنصرا مهيمنا في فرادة العمل الفني. وهي فرادة تحققت جراء الأيمان بضرورة الافتراق عن التاريخ الجمالي السابق وعدم التعاقد معه. ما جعلها من أهم الأسباب التي أوجدت حالات التمايز والإثارة في طبيعة فن اليوم. إلا إنها حملَت القراءات الجادة عنه، العديد من المشكلات في فهمه وتفسيره. فالفكرة التي كانت تعاينه بوصفه مجالا تطوريا وتراكميا أصبحت لاغية. كونه في حالة مواجهة مستمرة ودائمة مع قيم جمالية سابقة، والتي لم يعد يستعير إلا القليل من لحظاتها القديمة. وهو ما يستدعي أسئلة إشكالية بامتياز :هل تعتبر مثل هذه الاتجاهات الجديدة هي المثال لما يجب أن تؤول إليه حقيقة الفن؟ أن يكون مكتفيا بذاته ولا يبرر إلا نفسه ؟
هكذا يستمد العمل الفني المعاصر منذ ستينيات القرن المنصرم، شرعيته بفعل احتفائه بالتعارض وتجاوزه لتقاليد الخيار الجمالي. فيرتهن إلى ما يشبع غموضه ولا محدوديته في التعبير، والوجود في حرية لاتحد. فما بين خيار التجريب واقتراح النتائج، بات الرسم يحيا على دافع وحيد: المغامرة. كتصريح بليغ عن موقف الرسام من عمله الفني، وهو ما أنتج أعمالا فنية لا تقوم على فائض من الجمال بل على حجبه.
هل بات الرسم غير تطوري ومتغير بإطلاق، باتجاه أفق لم يتعين بعد، مشتبكا في زمن خاص به ليصبح كل شيْ جائز فيه؟ محكوم بقوانين الفنان نفسه وليس بقوانين التاريخ ؟ هل خرج الرسم من الأخير كي يعود إلى نفسه، ليكون رسما فقط متجردا من وظيفته، يحيا بداية طويلة وخاصة به ؟ أسئلة تثار عن الرسم والرسامين الذين باتوا بلا أسرار ودون تفاؤل ساذج، كان يقر، بإمكانية تغيير شيء ما في هذا العالم بواسطة الفن.
|