بيته الذي سمي وفقا لشكله الهندسي "البيت المكعب" منفتح على افضل ما في النتاج الثقافي العراقي والانساني المعاصر: لوحات، كتب، اسطوانات، ولكن قبل كذلك كان منفتحا على الناس، فالطريق اليه يقود الى قلب الحارات الشعبية بين منطقتي الاعظمية والكريعات، وموقعه هذا سيجعله تكثيفا قويا لألم صاحبه هذه الأيام، فهو يقع بحسب التصنيف الطائفي الصاعد ثقافيا واجتماعيا بعد عراق العام 2003، بين منطقة سنية واخرى شيعية، وعن موقع بيته هذا يقول الالوسي: "حتى ان واضعي الحواجز في الكونكريتية لفصل المناطق المختلفة طائفيا احتاروا اين يضعون حواجزهم، قبل بيتي ليضم الى منطقة شيعية ام بعده ليصبح البيت ضمن منطقة سنية".
هذا يورث الالوسي حزنا كثيرا هذه الايام، حد انه لايرى في عرض بيته للبيع باعثا على حزن اكثر من هذا، لكنه يقول عن بغداده الشخصية التي ابدع فيها عمارة حديثة مخلصة لتقاليد المكان القديم هي عمارة كونت طابعا فريدا في بغداد اليوم: شارع حيفا (صار هو الاخر مكانا لمواجهات طائفية مرعبة) انها "مدينة فريدة من نوعها، فيها حزن جميل قدر ما فيها من فرح" لكنه اليوم وإن كان يقر بعتمة الاحزان يبدو مصرا على "مغازلة" مدينته فعاد هندسيا ومعماريا اليها عبر تصاميم لمدارس ومستشفيات، وهو دون ان يدري كأنه اختار لعودته الى المدينة التي أحب ان يبدأ مع عناصر استعادة عافيتها: التعليم والصحة.
هو هنا كأنه يتصل مع اسلوبه في الرسم: يبدو قاسيا في اظهار مشاعره لكنه يغلف تلك القسوة في اطار من الرقة والرهافة، هكذا قيل عن معارضه التشكيلية ببيروت ونيقوسيا خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، قسوة وقائعه الشخصية ووقائع وطنه، ومشاعره الرقيقة عن المحنة في جانبيها الخاص والعام.
ولبيروت حكاية خاصة مع الالوسي ليست اقل تاثيرا من حكايته مع بغداد، فهو اختار الاقامة فيها في العام ذاته الذي ذهب فيه اللبنانيون الى الحرب الاهلية، واقام فيها طويلا مشتغلا بالفن والهندسة، رافضا الكثير من عروض الاقامة في مدن الخليج التي انفتحت بقوة على اعماله المهمة في العمارة: "مشروع المصرف المركزي" في صلالة، "البنك العربي" و" سفارة الامارات العربية المتحدة" ، والسفارة القطرية و"مركزصلالة الثقافي" في سلطنة عمان، "البنك العربي الافريقي" و" مطبعة دار القبس" و" مركز الدراسات المصرفية" بالكويت، السفارة الكويتية في البحرين، مرجحا ما في العاصمة اللبنانية من تدفق حياتي وثقافي يعوضه بل يزيد عما افتقده في بغداد التي يبدو اسيرها من اتجاهات عدة حتى وإن كان قرر الإنقطاع مكانيا عنها، فهو يكتب عنها كتابا اشبه بحكايات شخصية عن امكنتها الشعبية وروحها الثقافية الصاعدة خلال عقود سابقة، وهو يصمم لها بنايات جديدة في الصحة والتعليم، مثلما هو حين يتحدث عنها يبدو وقد استعاد روحا فيه لا تعرف معنى زمنيا يعني عمره الشخصي.