أنا لست بصانع عود ولكنني ومنذ بداية تطور مستواي الأدائي على العود أثناء فترة التعلم الأولى كنت أشعُر بحاجة العود إلى تطوير صناعي كي يواكب التغيرات والتقنيات الأدائية المتغيرة حيث أنه لم يعد مقبولا ً أن تبقى صناعة العود في مكانها دون تطور بينما وصلت صناعة الآلات الأوربية الوترية كفصيلة الكمان والگيتار الإسباني بل وحتى اللوت (lute) إلى مستويات متقدمة جدا ً شجعت المؤلفين الموسيقيين على الكتابة والتأليف لها وأتاحت للمؤدين تنفيذ أدائي ممتاز من عدة نواحي. ومنذ أن بدأت بفكرة تحويل مؤلفات موسيقية (مكتوبة بالأساس إلى آلات موسيقية أخرى) إلى العود إزدادت لدي الرغبة بالتطوير وظهرت لدي تحديات جديدة عديدة تخص الجانب التصنيعي (وليس الأدائي ) من قبيل فرق التوازن الصوتي (acoustics) مابين طبقات العود الصوتيه، ومابين العود والآلات الأوربية القريبة الأخرى وهذا الشيئ كنت الاحظه عند مشاركتى بالعزف مع آلات أوربية أخرى بشكل ثنائي أو مع الأوركسترا السمفوني.
ويمكن إدراج بعض من أكثر نقاط الضعف التي يعاني منها العود التقليدي، ومنها: • التفاوت الكبير بين نوعية الأصوات باختلاف الطبقات. • صعوبة أداء الدرجات العالية ورداءة الصوت الناتج. • الأحجام غير المنطقية وغيرالعلمية . • مشكلة المفاتيح من حيث صعوبة تثبيت دوزان العود. • مشاكل تثبيت الأوتار على وجه العود. • العشوائية في تصميم وجه العود وعدم إرتباط ذلك بعلم الأصوات.
وأمام إنعدام مراكز للبحث العلمي بهذا الخصوص في العراق أو المنطقة العربية والشرق الأوسط عموما ً ومع تنامي الرغبة لدي في عمل شيئ ما وإتباعاً لإيمانى بمبدأ ( أشعل شمعة بدل أن تلعن الظلام) قررت البدء بمجهود ما ( على الرغم من قسوة الظروف وقلة الوقت والموارد المتاحة) وحيث أنني أنادي دائما ً بضرورة قيام نوع من التعاون والتنسيق بين صناع وعازفي العود فقد بدأت بهذا الإتجاه تعاونا ً بسيطا ً مع الأستاذ (فائق محمد فاضل) الإبن الأكبر لصانع الأعواد العراقي المشهور (الأستاذ محمد فاضل) وأثمر هذا التعاون عن النسخة الأولية من العود (S) ولاضطراري مغادرة العراق عام (1998) فقد توقف تعاوننا عند هذا الحد وهنا لابد أن أشيد بالأستاذ فائق وأوجه له التحية على مابذله من جهود في تصنيع ذلك العود في ظروف الحصار القاسية حينذاك.
ومنذ أن غادرت العراق وعلى الرغم من العديد من المعوقات والظروف الإنسانية الصعبة التي مررت بها إلا أن هاجس وأمل تطوير تصنيع العود ظل يرافقني ويُشغل جزءً من تفكيري وكنت كلما أتيح أمامي المجال، أطرح الموضوع أمام من أقابلهم من الصناع وقابلت في عدة أماكن صناع لآلة (اللوت) وال(گيتار) وقابلت في مصر وسوريا وتركيا والبحرين وإسبانيا وألمانيا وبريطانيا وغيرها من الدول وكانت أهم المشاكل هي عدم رغبة الكثير من الصناع في العمل على التطوير وفق حسابات ومفاهيم رياضية وفيزياوية وكانوا يبررون ذلك بأنهم (وبسبب التعوّد) قد ثـبـــّــتوا نوعية معينة من الصناعة ولايرغبون في تغيير ماتعودوا عليه هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن جميعهم كانوا أصحاب ورش وعليهم مسؤوليات حياتية ومادية وعائلات وليس مطلوبا ً منهم كواجب أساسي أن يشتغلوا أو ينشغلوا بموضوع التطوير الصناعي الذي يحتاج في أبسط أشكاله التفرغ والدعم المادي وتوفير الموارد والمصادر وذلك كله غير موجود.
لقد كنت أؤمن (ولا أزال) بان من الخير أن نبدأ بالإمكانات المتاحة بدل التذرع والتسويف وأن المهم هو الإنجاز وليس التبرير وأن العمل الكبير والمشروع الضخم يتكون من خطوات صغيرة ولكنها يجب أن تسير في الإتجاه الصحيح وعلى هذا الأساس فكرت بأن ابدأ بإسلوب عملي تنفيذي وعليه وبالإمكانات المتاحة وبالتعاون مع مجموعة مختلفة من الصناع بدأت بتكليفهم بعمل عود واحد (كنموذج) وفق مواصفات معينة وبعد إنتهاء التصنيع وتفحصه وأدائى عليه لفترة أرجع لهم وأشرح لهم ماهي النواقص والملاحظات التي ينبغي تلافيها في النموذج التالي وهكذا أبدا بتكليفهم بالعود التالي وسرنا على هذا المنوال عدة سنوات !! حتى توصلنا إلى الشكل النهائي للعود (S) [عود ســالم عبد الكــــريم ® الشكل (S) ©] والذي يحتاج إلى مقالة منفصلة ( ليس الآن أوانها) لكي أشرح فيه لماذا إخترت هذا الشكل، وبعد سلسلة طويلة من الإختبارات العملية جاءت النتائج النهائية مشجعة ومؤيدة وداعمة.
وبنفس الوقت وبالتوازي مع عمل الصنّاع عملت بجد ومع عدة مصانع في أوربا لعدم وجود مصانع متخصصة ذات مستوى في المنطقة العربية لتصنيع نوعية جديدة تماما ً من الأوتار تتناسب والعود الجديد وسرت على مبدأ التجربة والإستنتاج والتطوير والتحسين وهكذا حتى توصلنا والحمد لله إلى تصنيع نموذج ممتاز يلبي كل المتطلبات اللازمة ويتناسب مع الهندسة التصميمية والصوتية للعود الجديد.
والآن يوفر العود الجديد (S) [عود ســالم عبد الكــــريم ® الشكل (S) ©] عدة مواصفات يمكن أن أوجز بعضا ً منها بما يلي: • يحقق أفضل توازن ممكن مابين الطبقات الصوتية. • يسهّــل على العازف أداء المقاطع الصعبة في كل طبقة من طبقاته . • حجمه مناسب (لكلا الجنسين). • يتميز بالمتانه والثبات ودقة التصنيع. • شكله العام أنيق وجميل.
والأن استطيع أن أعلن وبكل ثقة أن هذا العود قد حقق واحدا ً من أحلامي في تطوير هذه الآلة النبيلة والعريقة وأنه يمثل الآن أفضل نموذج تصنيعي متوازن بالمقارنة مع الآلات الأوربية من نفس الفصيلة كالگيتار (guitar) و اللوت (lute).
ولقد أثبت ذلك بعدة طرق: قدمت به عدة كونسيرتات مع فلهارمونيك أوركسترا (SAKO). أنجزت به عدة تسجيلات. هو جاهز الآن ومتوفر للشراء وكذلك الأوتار.
لزيارة الموقع:
|