ظلت الأنغام والمقامات والسلام التي تحتوي على (رُبعالدرجة) قليلة التناول بصورة عامة من ناحية التأليف الموسيقي البحت ونادرة جدا ً بالنسبة للعودالمنفرد من قبل المؤلفين والملحنين العرب والشرق أوسطيون، فالشريف محي الدين حيدر (وهو أول من كتبمؤلفات تقنية للعود المنفرد في القرن العشرين ) في مؤلفاته (سماعي هــزّام)وهو أول مؤلفاته و (سماعي مُستعار) و(سماعي دوگاه) و(سماعي عِراق)، وعلى الرغم من جمالها ورقيها إلا إنه لم يُقدمفيهم جميعا ً المستوى التقني الذي قدمه في باقي مؤلفاته كما في (ليت لي جناح)أو (كابريس) وغيرها، وكذلك الحال بالنسبة لطلابه الذين لم يستطيعوا أنيقدموا أيضا ً نماذج يُحتذى بها ويبنى عليها في مؤلفاتهم ذات ربع الدرجة الصوتية منالناحية التقنية - على الرغم من جمالها وتميزها - كما في (سماعي ديوان) و(سماعيرست) للأستاذ (جميل بشير) و(سماعي رست) للأستاذ (غانم حداد).
وعلى الصعيد الآخر وبالرغم منعدم وجود أي مؤلــَّـفْ موسيقي مكتوب للعود المنفرد من قبل الملحنين العرب فإنتناولهم العام من ناحية الموسيقى البحته (غير الغنائية) للمقامات التيتحتوي على ربع الدرجة الصوتي كان قليلا ً جدا ً، فمؤلفات مثل (سماعي هزام)أو (عتاب) للأستاذ (محمد عبد الوهاب) و (سماعي رست) للأستاذ )محمد القصبجي( و(رقصةشنغهاي) للأستاذ )رياض السنباطي( و (سماعي رست) للأستاذ )جورج ميشيل( وهي مكتوبة أساسا ً للتخت الشرقي - وعلى الرغم من جمالها ورقتها - لايمكنإعتبارها نماذج تقنية للعود المنفرد وكذلك الحال بالنسبة لمؤلفات المؤلفين الأتراك(جميل بك الطنبوري) و(طاتيوس أفندي) و(سعدي شلاي) و(نيقولاكي)وغيرهم .
وعلى الرغم من التمسك والدفاعوالتركيز الشديد من قِبل كل المؤلفين والملحنين العرب والشرق أوسطيون على أهميةالأنغام والمقامات والسلالم التي تحتوي على ربع الدرجة الصوتي إلا إن عدم الكتابةوالتأليف الآلي البحت (غير الغنائي) على هذه المقامات والسلالم يثيرالإستغراب والتساؤل عن الدواعي والأسباب، وبالنتيجة وتحت مسميات ومصطلحات مثل(الطرب) و(السلطنة) و(الأصالة) إنحسرت هذه الأنغام والمقامات والسلالم وانزوت فيموضع ضيق حجــّــمها وجعلها مُؤطرة باستخدامات وأساليب محددة. إن الأنغام والمقامات والسلالمالتي تحتوي على ربع الدرجة الصوتي لها تكوين وتأثير خاص ولهذا فإن كتابة مُؤلفاتتقنية على السلالم والمقامات التي تحتويها للعود المنفرد (وحتى للآلاتوالمجاميع الآلية الأخرى) مهمة من عدة نواحي، منها:
التعريف بتلك السلالم والمقامات وجعلها مفهومة وفي مُتناول العازفين وحتى الدارسين من غيرالعازفين. دعم وتشجيع التعرف على الموسيقى العربية والشرق أوسطية عموما ً. بناء ثقة لدى دارسي العود والموسيقى العربية والشرق أوسطية عموما ً بإمكانات الموسيقى العربية والشرق أوسطية وآلاتها. تقوية وتطوير المستويات التقنية والأدائيةللعازفين. فتح آفاق جديدة للأداء والتأليف الآلي والثقافيعلى وجه العموم.
*** كانت هذه هي الحال عندما بدأتأتلمس طريقي في العزف على العود، وعندما دخلت إلى معهد الدراسات النغمية العراقي وبدأمستواي المعرفي والتقني يتقدم أحسست بالحاجة الماسة لمثل هذه المؤلفات وحيث أنني بتركيبتي أُركز دائما ً علىالحل وليس على المشكلة وبعد تفكير عميق ومُتأني ودراسات مُركزة وثرية لأنغامومقامات الموسيقى العراقية والعربية والشرق أوسطية مصحوبة بتطور مستواي الأدائيعلى العود بدأت التفكير جديا ً بالبدء بتأليف دراسات تحتوي على درجة الربع الصوتي،وأمام الحاجة التي واجهتني لتهيأة مواد دراسية غير تقليدية لتقديمها لطلابي فيصفوف العود التي أصبحت مسؤولا ً عنها في المعهد تعززت لدي هذه الرغبة وبدأتالتنفيذ وجاءت ضمن هذا السياق هذه الدراسة التي هي موضوع رسالتي الإخبارية هذااليوم وقد أسميتها ( دراسة في سُـلــّـم رست - دو).
وقالب الدراسة (study-etude) هو عبارة عن قطعة موسيقية ادائية تتناول موضوعا ً تقنيا ً بدرجةصعوبة معينة لمواجهة تحديات أدائية ووضع حلول لها والدراسة موضوع هذه الرسالة علىسُلـّـم رست المبني على درجة دو، وقد نالت هذه الدراسة قبولا ً كبيرا ً كونها جاءتلتثبت إمكانية تقديم مستوى تقني صعب على العود بإستخدام سلـّــم يحتوي على درجةالربع الصوتي [ هنا يحتوي السُلم على درجتي ربع صوت هما (سي) و(مي) ].
واستمريت على هذا المنوال وألفتعشرات الدراسات أدرجتها ضِمن كتابي (دراسات لآلة العود - 100 دراسة للمستوىالأولي والمتوسط) الذي أصدرته بطبعتين واحدة في بغداد عام (1994) عندما كنتعميدا ً لمعهد الدراسات النغمية العراقي والثانية في أبوظبي عام (1999). وتوسعتُ في إستعمال الأنغاموالمقامات والسلالم التي تحتوي على درجة الربع الصوتي في قوالب أخرى كما فيمؤلفاتي ( سماعي رست) و (سماعي بيات) و(سماعي هزّام) و( سماعيراحة الأرواح) و( سماعي سيگاه) و(سماعي صبا) و(سماعي دشت) و (سماعي حسيني) بإسلوبتقني متقدم جدا ً، بلوقدمت نموذجاً غريبا ً ومُتقدما ً وذلك في إحدى مؤلفاتي ( كونشيرتو العودوالأوركسترا السمفوني رقم (1) في مقام فا الصغير ) [ الذي قدمته مع الأوركستراالسمفونية الوطنية العراقية بقيادة الأستاذ (محمد أمين عزت) في بغداد عام(1994) حيث قمتُ بتأليف مقطعاً كاملا ً ضمن الحركة الثالثة من هذا الكونشيرتو على (مقامالسيگاه على درجة فا)] وبمرافقة الأوركسترا السمفوني !! وهذا يحدثلأول مرة في تاريخ الموسيقى !! والحديث عن ذلك له مكان وزمان آخر.
لزيارة الموقع:
|