تقع أعماله على مثلث ، التاريخ ، الوطن ، والمنفى ، حوار يبحث فيه عن لحظة تأمل في شكل ما لم يعد له وجود ، وعن هوية يتطلع إلى إدامتها ، لذلك نجد في أعماله إعادة إنتاج للكرافيكي الذي أنتجته بلاد الرافدين قبل أربعة آلاف سنة على شكل طباعة غائرة على الطين ، اسمها (الختم الأسطواني)* . المحملة (بالكتابة المسمارية)** والرموز والإشارات السحرية والباطنية.
لوحاته تقترب من عرضها إلى تلك الألواح العظيمة في قدرتها على صنع الإشارة وتنوعها .. فالإشارة في أعماله تأتي من بعيد لتحط على السطح في إطار تشكيلي وأحياناً تتزاحم خارجة من تاريخها إلى جغرافيا جديدة يصنعها الفنان .. ومن الطبيعي القول بعدم إمكانيتنا في فك شفرات وألغاز هذه الإشارات لأنها جزء من تركيبة وبنية ذهنية لحياة حضارة وشعب كان ولم يعد له وجود ، لكن الفنان أوقظها من نومها لتحمل في طياتها ما هو تاريخي مع ما هو شعبي ومادي ويومي في لغة غريبة لكنها إيحائية ، ..وعليه يمكن ان نجد هناك مفتاحاً لفهم أعمال هذا الفنان وعالمه ..
لقد ولد ثامر داود في (العراق) البلد الذي أبتكر الكتابة حيث تتحول الإشارة من صوت إلى صورة والى عامل أساس في التفكير البشري لاحقاً .. في ذلك البلد أنتقل الإنسان من الفكر الوحشي إلى الفكر المتحضر وها هو الفنان يحول صوته الداخلي إلى صور لها القدرة على جمع وربط المعتقدات وأشكالها عن طريق ثورة لونية مزدحمة ومحمولة على شكل إشارات مجاورة من الحياة اليومية التي تصادفنا في كل مكان .. كتابات من كل اللغات ، أرقام ، بقع لونية تتراكب في قاع اللوحة وتتشظى إلى الأعلى في تركيب غريب من الطبقات مثل طبقات التاريخ نفسه ففي لوحاته تصبح الأرضية حزوز لإشارات تاريخية محفورة بذات الطرائق الرافدينية ، ليبني عليها وفوقها محمولاته البصرية المعاصرة والآنية ..
إن هذا الأسلوب لا يتشكل بمعناه التقني وحسب ، بل بمعناه الدلالي .. فتكون أعماله هكذا أمكنة وطرق تهبط فيها الكيانات الحية وسط جموع الإشارات لتعي مكانها ومستقبلها وتاريخها .. إنه يعرض لنا الإنسان في تجلياته وصورته وهيئته ، كمن يقع فريسة تلك الضوضاء بين المعرفة والضياع .. بين التاريخ والجغرافيا .. وكان قادراً أن يكشف كل ذلك في أسرار مهنته وغنى عالمه السحري .