رسام عاشق ومتوهج في اهتدائه الى افق نشوتنا في لون او حركة ، وهو في( نساء تركواز) ينزع نحو استحضار شخصياته بصريا عبر تشخيصات متعددة الأبعاد . انه ينجز حدود الشخصية بخطوط حرة وان كانت عميقة ، ليجمع شتات فكرته عن انثى . هي الصورة التي سكنت مخياله وهو يورث لوحته كل تفصيل سجلته الذاكرة .
وكلما تأملت اعمال معرضه الجديد تساءلت مااذا كان الأسلوب وفق تجربته يشكل مانعا لكي نرى شخصية الرسام ووجدانه البسيط المليء بالذكريات والمشاعر والرؤى . وهل ستكون سطوة الأسلوب بيئة تعبيرية محددة تحكم حركة الرسام .. حياتيا وحضورا ف اتحاد او افتراق ..
و لكن سرعان مااكتشف اتحادهما عند ستار كاووش ، الأسلوب والذات ، لتشكل الطريقة التي تظهر فيها اشياء العالم وتفاصيلها كما يراها الفنان . لاكما يراها العادي واليومي . اتحاد الرسام واسلوبه هنا هو اطلاق للحظة الحية لكل تفصيل تنطوي عليها الحيوات والأشياء في هذا العالم .
*
لم يكن ستار كاووش تجريديا ، لكنه كان اقرب الى التجريد في حريته التعبيرية . اقرب الى الخروج من قوالب الطبيعة الى فضاء اللوحة وخلق الأثر المتجذر فيها بشكل لاينسى . التفاصيل التي استوطنت وجدانه ونمت داخل ذاكرته لتعكس استقلاليتها في ذاته دلالة واسلوبا . لكنها غير معزولة عن العالم الحي .انها اكتشافاته التي نمضي لننقب فيها ونبحث عن نهاية لوحته .. مثل جمهرة من الأركيولوجيين الحالمين ..
اتأمل الجانب الأنساني في تجربة كاووش . فهو يرسم بأفق مستقبلي بأعتبار ان الأسلوب ليس غير اطلاق فنتازيا لكل متخيل ممكن ولكل حضور جدلي متغير وغير ثابت . وهو يستخرج من رماد ذاكرته اجسادا نافرة تضيء حواسنا . انه رجل المخمل .. رجل اللمس والحواس في اكثر لحظاته اتحادا باللون وبلحظة الخلق . فتولد نساؤه من غياب محتمل ومن قادم مفاجيء لأنه لايرى تلك الصيرورة الا على انها نتاج جدل كل العناصر الجمالية في ذات الرسام منقولة الى مشاهد تنبت في ذاته كل انماط التوقعات والحدوس .
انه انصات لوعد قادم على سطح لوحة معلقة بأناقة وعزلة وخصوصية .
*
في اعمال كاووش لاينبغي التحرر من الحدس . التاويل لم يعد غير فضلة المعاني . الحدس هنا هو اطلاق الحرية البديهية للتعامل مع مكوّن اللوحة رسما واشارات ودلالات . الخروج الى افضية خارج كل ماهو عقلاني يجعل كشف جماليات اللوحة ابعد عن كل قانون مسبق لتفسير عمل فني ينطوي على ابعاد متعددة وزوايا نظر مختلفة . الأندماج في ادراك الأشياء لا بلوغها حسيا مهما تشظى المعنى الجمالي في اللوحة .
اللوحة بصفتها نبع ادراكات بصرية لحضور اشياء هذا العالم كما جمعها الرسام هي ثراء لمخيلة وتطوير لبصيرة سوف ننظر الى تلك الأشياء بعين مختلفة وكأننا نكتشفها لأول مرة .
الخروج من الطبيعي – الزمان والمكان الى ماهو بعدهما حيث تظهر الأشياء دلالاتها غير المرئية . الرسم هنا مراوغة واثراء لكل حدس نادر .
يوفر الرسام كاووش مداخل متعددة لفهم اللوحة واعني اطلاق مخيال لأختيار مداخل متعددة الى عالم اللوحة . انا اعرف ان عددا من حضور المعارض الحديثة يطلبون العون لشرح اللوحه . والحق ان تلك ماهي الا صورة قاتمة لذائقة خلقت على اغلاق النوافذ . . ان الفن كما تعلموه ليس غير اجراءات عقلانية تنقل على سطح اللوحة الشجرة والشاطيء والزورق .
ولم يتم في ثقافتنا تخليق استهلالات ( مفاتيح ) يبدا بها المشاهد الطريق الى العمل الحديث
من خط ..
من كتلة لونية ..
من حركة تشبه شيئا ما ولكنها تشظيه في لوحة تعبيرية مفتوحة الأفق ..
من اطلاق لفنتازيا الذا لأعادة صياغة البصري .. وبهذه الطريقة يتيسر الدخول المتعدد الفرص . كاووش ليس سهلا لكنه يمنحنا تفاصيل بسيطة لندخل الى لوحته ..
اختيار قرائن واقعية مع مخلوقات فائقة التعبيروالجمال والأبتكار . دمية او صحيفة او شال او تفصيل نافذة يضعها الرسام رفقة شخوصه لتفعل فعل الأستهلال لاطلاق الحدوس اغنية في اعماقنا تلك التي تثيرها اعمال كاووش فينا .. وهو يستعير احالاتنا .. في معرضه الجديد .
تدرجات الأزرق ؛ من الغامق الى التركواز الى الأبيض دلالات رمزية ولونيه تنطوي عليها حدوسنا ونحن نستدرج الجماليات في لوحات نساء تركواز . تدرجات حسّية للون من الكآبة الى اللذة !!
ان كاووش يخرج من المشهدية الواحدة الى تعدد المشاهد في اللوحة الواحدة وبذلك يتكون تراكم بصري يتحول من خلاله المشاهد الى باحث ومنقب ومقتفي اثر.
بهذه الطريقة نخرج من دور المتلقي السلبي الى دور المتفاعل الحدسي لااليقيني ، حيث يأخذنا كاووش في ( نساء تركواز) الى متاهة وجداناتنا الباحثة
من اجل ان نعثر على مفاتيح المعنى في حركة وحدس وتاويل
كلما يختفي الحتمي ... و يغيب اليقيني .