تستمد أعمال الخزاف العراقي المقيم بالنرويج (وسام الحداد) طاقتها البصرية مرتكنة على أسس عدة تتطور وفق تطلعات الفنان وسعيه نحو مواصلة البحث الجمالي المتجدد من مرحلة إلى أخرى، حيث يؤلف بين مفردات عالمه البصري معتمداً بصورة ظاهرة ورئيسية على الحرف العربي كعنصر من عناصر النقش المتأصلة خلال جملة من المسطحات الخزفية المتشكلة في نطاقات كُتلية مجسمة على نحو مبتكر ومدهش. ويستفيد (الحداد) في منطلقاته الخزفية الهادرة من فكرة المحمول الكتلي الذي تتوزع خلاله مجموعة من كتل الخزف لتؤلف أعمالاً من شأنها أن تحقق اشتراطات البناء المتسق والمتوازن والمفاجئ كذلك للعين المشاهدة من حيث قدرة كتلة صغيرة الحجم على حمل مجموعة من الكتل الأخرى الكبيرة في أحجامها، وهو رهان يعتمد في الأساس على خبرة وتمرس واضحين لهما مكانهما المعلوم في رحلة ذلك الفنان المبدع والمهموم بتقديم تصورات جديدة على مستوى الشكل والمضمون يُمكن لها أن تحتفظ بموقعها الخاص ضمن مسيرة فن الخزف العراقي والعربي الذي يؤكد ذاته في الغرب الأوربي الغني بالتاريخ والجهود الفنية المتصدرة لمشهد التشكيل في العالم المعاصر.
فقد استطاع (وسام الحداد) الانتقال من مسطح إلى آخر من خلال نقاط تواصل ومساحات عابرة لكتلتين أو أكثر في السبيل لخلخلخة سكون وخنوع تلك الكتل مع إقامة علاقات بصرية لصيقة تزاوج بين كتل ذات أشكال رصينة وراسخة وفضاءات تمنح العين تناعمات وترديدات بصرية تسهم بشكل أو بآخر في إضفاء قيمها التشكيلية على أعمال الفنان التي تتقاطع مع النسيج المعماري والنحتي مع احتفاضها بمظهرها العربي الأصيل من خلال توظيف الفنان للأحرف والكتابات العربية الكوفية، والتي تخيرها الفنان لما تمتاز به من طبيعة تتوافق مع خطوطه الرأسية والأفقية والمنكسرة وكذلك بعض الخطوط والمسارات المنحنية التي تشكل في عمومها خريطة التصميم والعمل في خزفياته الباعثة على الدهشة والإعجاب.
وهو لا يكتفي بمسألة البناء الكتلي أو مزج الحرف ضمن عجينة الطين المحروق والمزجج، ولكنه يهتم كذلك بإثراء المشهد البصري العام لكافة المسطحات المؤلفة لأعماله من خلال معالجات لونية وملمسية تحقق الاتساق بين مفرداته وأحرفه وأنسجته الخزفية مع قدرتها كذلك على إضفاء جمالية المظهر على تلك القطع الخزفية المتميزة، والتي قد نجد خلالها تباينات بين مسطح وآخر من حيث اللون أو الملمس أو طريقة المعالجة في سعي من قبل الفنان لتحقيق بطولة وخصوصية لواحد أو أكثر من عناصره ومفرداته المؤلفة وخصوصاً تلك الأحرف والنصوص التي تسهم في منح كل قطعة من القطع الخزفية دلالاتها الفلسفية ومضامينها الفكرية وما إلى ذلك من رسائل قادرة على مخاطبة ذهنية ووجدان الجمهور المشاهد.
ولعل الفنان قد استفاد بصرياً من معاني إنسانية عميقة في إختلاق حلول بصرية موازية لتلك المعاني كما يتبين في عمله (ألفة) والذي يتألف من كتلتين متقابلتين يتشكل بينهما فراغ قابل للتلاشي حال التصاق الكتلتين ببعضهما البعض في طريقهما للتعايش والانسجام الأليف في نطاق ما يقتضيه معنى الكلمة العربية التي تخيرها الفنان مادة للعمل والتشكيل الذكي، مع نجاحه في اختيار درجة لونية من الدرجات الزرقاء الحالمة التي جاءت لتصبغ أحرف الكلمة الموزعة على الكتلتين بجسديهما البني القاتم، ومعالجتهما الملمسية الأقرب لنسيج الأرض الحاوية لحياة قابلة للتحولات والأفكار ومتجددة كذلك وفق أحلام البشر وتطلعات المبدعين.
|