... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله Bookmark and Share

 

  مقالات فنيه

   
اليد.. بما تضيئه المخيلة وما يتبناه العقل

حسن عبد الحميد

تاريخ النشر       14/09/2014 06:00 AM




ليس من سبب كاف أو سبيل داع، يفضي لحل إشكالية فصل الصلة الفنية القائمة - منذ الأزل- مابين ماهية وجود الأشياء،على سجيتها هكذا في الطبيعة ، وما بين حقيقة تدخل أفكار ورؤى الإنسان النابعة من طبيعة عمل آليات العقل ، ودعائم إسناد المخيلة - بكامل ملاكاتها ومحتوياته المطلقة - وبما يوجب ويواضب على أهمية النتاج الفعلي والإنجاز التجسيدي لخوالص فهمنا العام للإبداع ، جراء تفاعل كل تلك العوامل والمتممات الشاخصة حين تتضافر وصولاً لغاياتها الجمالية والفكرية ، عندما يتعلق الأمر بنواحي ذلك الفهم الخاص والدقيق لمعنى قيمة العمل الفني ، وعلى أوسع مسمياته المتعارف عليها في بنود وقوانين أو نواميس عمليات التقييم العملي لتلك المنجزات .

فالعين (حاسة الإبصار) وبوابة الدخول الحقيقي لتحسس كل مدركات وخصوصيات الجمال ولوائح مبررات وجوده المعلن ، هي (أي العين) من تساند فعاليات (اليد) - حتى وان كانت تعمل بشكل آلي - كما تعين (العقل) - مفتتح التفكير والمعرفة - ومن ثم تؤاخي وتعمق من أثر(المخيلة) المهيمن - أولاً وأخيراً- على جمع صفوف وتماسك كل تلك العوامل تحت ظلال خيمة الوعي ، الذي يساوي- حقيقة الأمر- الحياة الحقة بجميع جوانب وزوايا النظر اليها ، نحو ما تصبو اليه الفنون وتسعى أنتصاراً وزهواً لوجودنا الإنساني .


المناورة الخلاقة وتطويع الأفكار
لا يبدو ما أوردناه - قبل قليل- وأشرنا إليه ، أمراً بديهياً ، أو عادياً في مجمل تصريفات التعامل مع قواعد ومسك مساند الإبداع ، حين يتعلق الأمر- هنا.. في الأقل - بفحص وتتبع مجريات ما تنتجه مخلية وعقل النحات عماد الظاهر وهو يناورعلى تطويع أفكاره ونواتج رؤاه ، من خلال تركيباته النحتية وإتباعه لطرق ومسالك غير عادية وغير سهلة على الأطلاق عبر تبنيه صناعة تلك الأفكار وتوريدها على نحو يثير الكثير من الفضول ، ويحرض على القبول بتأويلات وأستنارات فكرية ، نحجت في ضخ عدد من تكوينات بأنساق حرة وتصميمات متداخلة ومحتشدة ومحتمية ببعضها ، كما تشي ، بوجوده وطريقة إخراجها الفني-، بشىء من الألفة والحميمية والتفكير بالعودة الى البدائية ، بالاضافة الى أعمال ونصب مصغرة (ماكيتات) تصلح بأن توضع في الشوارع والساحات العامة ، فضلا عن جداريات (ريليف) مهمة ولافتة للإثابة والأهتمام ، كذلك الوجوه الطيعة المعبرة،وأجساد نساء يتعمد أن يهيل عليها بملمس (تكسجر) خشن تارة ، وناعم، أملس من تارة أخرى أخرى، كذلك حفر مقاصد وتنويعات لخيول وثيران وحيوانات خرافية وطيور وأزهار، تأزرت بطريقة مغايرة عما هو مألوف ، تشعر بأنها جاءت لتحرص على توثيق مدركاتها بوعي مماثل لحقيقة التفكير الذي أصر عليه (عماد الظاهر- تولد بغداد/1964بكالوريوس أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد/1989،عمل في عمان بين عامي (1994- 2005) يقيم الآن في أستراليا ) وسار فيه ، متخذاً من التعبير الى جانب التجريد والإختزال اليقظ ، سبيلاً وتلخيصاً لحث مجموعة من العلاقات والتداخلات الفكرية والعاطفية ، ظلت ملخصة - طيعة لقيمة ولجوهر النحت الحقيقي ، ووضوح تبرمه بالإعتماد على مادة البرونز الأثيرة ، حتى حين مالت رياح أفكاره نحو سفن الحداثة والمعاصرة البحتة (كما في عمله المستل من الإستحواذ على أصل حنفية الماء التقليدية،التي أبدل فيها - عبر لحظة سوريالية - خروج االماء من فتحة الحنفية بسرب طيور بملامح رمزية) والتي قاد منها (أي تلك العلاقات والتداخلات الفكرية) أغلب ملاك معرضه الشخصي الذي حمل عنوان (أيدي تفكر) والذي تبنى أقامته مركز رؤى للفنون في العاصمة الأردنية عمان للفترة من يوم الأحد الموافق/22حزيران وحتى يوم22/تموز، بعد ذلك جرى تمديده حتى اليوم الثاني من شهر آب/2014، ذلك المعرض الذي ضم (44) منحوتة وبأحجام متنوعة ، وليسجل هذا المعرض رقماً صعباً في عموم تجربة هذا النحات ، بعد إقامته لأكثر من ( 12 ) معرضاً شخصياً على مدار سنوات توزعت ما بين الأعوام (1997- 2014) في كل من عمان / أبو ظبي / بيروت/ سيدني/ وباريس ، فضلاً عن مشاركات جماعية ومهرجانات عالمية،في بغداد /عمان / أستراليا / ايطاليا / وبيروت ، فيما حصل على عدة جوائز فنية في مجال النحت داخل وخارج العراق ، ففي العام 1989 حصل على جائزة نصب الشهيد في بغداد، وعلى جائزة مهرجان الشباب في النحت – أيضاً - ، كما حصل على الجائزة الأولى في العام 2005 في مسابقة النحت في Black Town للفنون في (سدني) والجائزة الثانية للعام 2007 في المسابقة العالمية ذاتها .

جماليات الإصابة بفجر السلالات
تتحد أعمال (عماد الظاهر) - بالأخص في ملاك معرضه الأخير- مع مقومات التلاقي الحر في إمكانية إستثمار الدفق الداخلي لمنحوتاته البرونزية ، وتركها تحلق في فضاءات ومتسعات ما تراكم في داخله وطبيعة تفكيره وبهاء عقله المنتمي الى أصل ذلك الجذر الرافديني المتغلغل في ثنايا ومفردات حضارة العراق القديمة ، منذ فجر السلالات ، من حيث صياغة بلاغة الرموز الدراجة والمعروفة في قاموس تلك الحضارة ، ومن ثم إعادة تركيبها ، على وفق أستخدامات (عماد) لجوانب وعيه التجريبي المعاصر وحيثيات صدق ميوله الأكاديمية ونصاعة موهبته ومراسه المتواصل للكثير من نواحي وسبل التعبير الحاني والشفيف ، جراء ما يسكن روحه من موجات عواطف واختلاط مشاعر متداخلة ما بين شعور غامض بوجع الغربة وحيرة ذلك الحب والحنين المهول ، بذات الشوق الحارق والعارم نحو للحياة والوطن- الرحم من جهة ، ومابين هواجس الخوف والإنتظار والإحتدام المستعر والمستمر من جهة ثانية ، لذا نلمس نوعاً من عدم استقرار منحوتاته على قواعد أغلب أعماله ، وبما يعطي إحساساً صادقاً بذلك الإضطراب الذي أصاب العالم ، جراء الحروب والصراعات والكوارث التي مرت عليه ، (عماد) ينفخ الروح في جسد مخلوقاته من خلال منحها أجنحة وهمية ، حيث تفيض تلك الأعمال بحركة وحرية نابضة وحيوية واضحة ، يمدها - بين الحين والحين- بمقومات واجراءات ذهنية ونفسية تعاضد فكرة مواجهة الفناء بالبقاء الحتمي ، من خلال الرهان على بطولة الإنسان والأشياء والموجودات - معاً- من لقى آثرية وأيقونات وأدعية ومفاتيح ، بل كل ما متاح حوله وتحت يديه المفكرة والقادرة على تطويع ما يمكن تطويعه لصالح الفكرة والمعادلة التي يزرعها عماد الظاهر على مدارات واستدرات منحوتات وهي تتحول الى قوارب أو مصاطب أو مساند ، بل حتى (فاترينات) يعرض على سفوحها مفردات ووحدات نحتية تعاند - بوثوق- حقائق الواقع الصعب ، الذي نحياه وإيجاد الحلول والمصدات التي تجعل الكثير من أعماله تقف - قصداً- حائرة ، قلقة على أرضية يعمد (عماد)على وضعها بشكل محير، يترواح ما بين محاولات تداني الثبات ، كما يفعل الطائر المحلق حين يحط على غصن شجرة ، و بين ما توحي بالهرب أو الخوف من مجرد الوقوف ذلك الغصن ، وأعني – هنا - قاعدة العمل التي يراهن عليها - كثيراً- (عماد الظاهر) كما يراهن على حضور الإنسان في مجمل مختصراته النحتية ، التي وسمت تجربته بالتميز والإخلاص لكل شروط الحداثة ، مرهونة بعمق وسعة موهبة واضحة ، لها من الإمتداد -أيضاً- ما يجعلها تقف في صف التجارب النحتية المهمة في العراق.

عن جريدة الغد





رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  حسن عبد الحميد


 

بحث :

Search Help


دليل الفنانيين التشكيليين

موسوعة الامثال العراقيه

انضموا الى قائمتنا البريدية

ألأسم:

البريد ألألكتروني:



 

 

 

 

Copyright © 1997- IraqiArt.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
ENANA.COM