"ضائع"،
هو عنوان المعرض الذي يقيمه الفنان العراقي سلام عمر في "غاليري أجيال"،
الحمراء، إلى 25 تشرين الأول الجاري. وإذا كان العنوان يستدرجنا إلى
إشكاليات الفقدان التي نشعر بها بسبب غياب شخص ما، فإنها هنا سرعان ما
تقودنا إلى مآسي الضياع وكوارث الهجرات والتيه التي تتعرض لها الشعوب
والأوطان، وخصوصاً في منطقتنا العربية، حيث لا يعود من حقيقة سوى المجهول
الوجودي الأليم. لكن سلام عمر يكشف عن وجه أنثوي، يراه أمامه وخلفه وفي
العالم الافتراضي، حيث الضياع الكامل. ألواح مركّبة، بعضها إلى جانب بعض،
فتبدو الصبية الصغيرة سجينة التصور الآني، الذي من شأنه أن يخلق حالاً من
الذعر تلي التحقق من الواقع.هل
نخاف؟ هل نفهم حقا ما الذي اضاعه الفنان العراقي من زوادته الذهنية
والجمالية والواقعية ومن وطنيته التائهة في ثنايا الالواح اللماعة المسمّرة
ضمن وصلات سوداء كسواد ليل بلا ضوء ولا قمر؟
المبنى
الذي يمثل أمامنا، هو "على العظم". لا ناس، ولا حتى خيالاتهم، ولا أيضاً
شبابيك. لا شيء البتة. فلا أصوات تملأ فراغ الغرف الخاوية. إنما فقط ثمة في
الواجهة تجويفات سوداء تحيل على عدم. أين ذهب هؤلاء جميعهم؟
إنه عالمٌ سوداوي من الفراغ يستولي على العين. لا شيء يذكّر بضحكة تكرّ على السلالم غير المرئية.
في
عالم التيه، يتساقط الواقع وأهله في شدق العدم، فلا يعود أمام المتلقي سوى
أن يرحل مع الذين رحلوا، وتركوا ذكرياتهم ها هنا. ليس ثمة راهنٌ في
التآليف الهندسية المدروسة. ليس ثمة حاضر، ولا توقع العودة في المستقبل.
الأرض تتشقق من تحت أقدامنا. إنه سفر الخروج إلى التيه والهاوية. فكيف لا يكون ثمة "ضائع"؟
أليس هذا ما يعيشه العراقيون؟ أليس هذا ما نعيشه جميعنا في هذا الشرق؟
من النهار