مع استعداداتي للرحيل إلى أرض المهجر "كندا " في العام 2008، راودتني وقتئذ أسئلة كثيرة ما يزال بعضها عالقاً في ذهني إلى الآن. ومع مرور الزمن وحينما بدأت بالشروع في إعادة تأسيس مشروعي الفني ، باتت تلك الأسئلة أكثر إلحاحاً. أتوقف أحيانا للبحث عن أجوبة شافية عنها، وأحياناً أخرى أقنع نفسي بأن الزمن هو الكفيل بالإجابة عنها. رغم ذلك كانت أكثر الأسئلة إلحاحاً هي الآتية: هل ستكون هناك تغيرات بالمعنى الأسلوبي والرؤية على أعمالي الفنية كرسام؟ وهل سأكون جزءاً من منظومة ثقافية جديدة أتفاعل معها بكل معطياتها؟ أم أني سأظل محافظاً على إرثي الفني الذي تراكم على مدى سنين عديدة ينهل من تراث فني وثقافي سابق ومختلف له علاقة بالمكان الذي عشت فيه؟

لم يكن التعامل مع تلك الأسئلة بالأمر اليسير، وكذلك الإجابة عنها لم تحسم حتى بعد مضي زمن قصير. لقد أصبح الأمر يتعلق بخوض تلك التجربة الإنسانية والفنية معاً. وبعد مرور زمن وجدت أن تلك الأسئلة قد بدأت تترك أثرها الواضح على أعمالي الفنية، لاسيما خلال السنوات الخمس المنصرمة، إذ ثمة عوامل ساهمت في هذا التأثير منها: المكان الجديد، والثقافة الجديدة، واللغة، والتداول الفني .

إن لوحاتي في هذا المعرض الذي سمّيتُه "خطوات في المهجر" هي خلاصة أفكار فنية ظهرت للوجود، وتمثلت على سطوح لوحاتي بشكلها الحاضر، بفعل العوامل المذكورة. وهي قد تأخذ في المستقبل منهجاً آخرَ وبأشكال مختلفة. إنها نتاج لخبرتي الذاتية ورؤيتي كرسام وهواجس أسئلتي الذاتية ومحاولاتي المتعلقة بالإجابة عنها. هذه التغيرات أعلنت عن حضورها بشكل تدريجي من خلال استخدام مواد جديدة وعناصر لم تكن متوفرة في السابق، مثل بعض التشخيصات التعبيرية الإنسانية التي تتمثل بتبسيط واختزال شديدين للأشكال من خلال بعض المساحات اللونية والخطوط. كذلك هنالك أشكال أخرى ذات دلالة تشير إلى أماكن معينة من خلال بعض الرسومات المبسطة على شكل خرائط معينة، وأخرى كتابية ورقمية وتواريخ ورموز متعلقة باللغة الجديدة المتداولة.

في كثير من الأحيان لا ينظّم تلك الأشكال والكتابات والرموز قانون صارم في محيط اللوحة أو منظور خاص بها، وإنما تُترَك لبعض العشوائية والفوضى المقصودة لغرض التنصل من مراكز محورية أو عناصر تريد أن يكون لها أولويتها في مركز العمل الفني، وإن كان لبعض تلك الأشكال حجم أكبر و يشغل حيزاً كبيراً من مساحة اللوحة. وبالتالي فإن أيّ منظومة نعتقد بأنها غير متجانسة في كثير من الأحوال  أو الأسباب لابد لها من أن تنتظم ضمن إطار واحد يجمع عشوائيتها واختلاف أجناسها، وهذا ينطبق على بعض الأماكن والمدن التي عشت فيها من مدن المهجر.

من خلال تلك الأعمال، أحاول أن أقدم رؤية إنسانية وفنية ذاتية لتجربتي الجديدة في المهجر. ربما هي حكايات أو نوع خاص من الذاكرة المرتبطة بالزمان والمكان الجديد، وصعوبات التأقلم فيه لإنسان ورسام قادم من الشرق الأوسط، وجد نفسه في وسط كم هائل من التجارب، بعضها جديد وآخر متعارف عليه. إنها نتاج رحلة بدأت منذ ست سنوات.

2014

فنان تشكيلي عراقي / كندا