يعتبر الغناء هو السمة البارزة في الممارسات النغمية في العراق , سواء في المدينة أم القرية أم البادية .
أما الموسيقى ( البحتة ) أي الآلية فهي قلما ظهرت في اعمال ونتاجات الأوائل والمحدثين وذلك لأن الغناء ارتبط في البدء بالشعر , ولما كان الشعر ديوان العرب وسمة بارزة في حياتنا عبر المراحل التأريخية فقد اثر الشعرعلى الموسيقى التي اصبحت في العصور الأسلاميةالمتأخرة ( الأموي والعباسي ) وسيلة من وسائل ايصال وتجسيد الشعر , فلم يكن للموسيقى الآلية الا دورا ضئيل في مسار النغم العربي , ليس في العراق فحسب, بل في بلدان المنطقة دون استثناء . ولما كانت جغرافية العراق شأنها شأن جغرافية كثير من الأقطار العربية تتكون من المدينة والقرية والريف والبادية , لهذا نشأت عندنا صيغ متعددة من الغناء هي : أولأً الغناء الشعبي وثانيا الغناء التقليدي وثالثا الغناء الحديث ولكل من هذه عناصر جوهرية اثرت في عناصر النوع الآخر بحكم البيئة والمرحلة التاريخية التي ظهرت فيها . ولا بد لي ان استعرض بايجاز كل نوع من هذه الأنواع الغنائية . في مناطق ( صوران ) شرقي العراق و ( بهدينان ) في الشمال الغربي ينتشر الغناء الكردي المنفرد الذي لا تصاحبه اية الة موسيقية . ومن اشهر انواع الغناء المنفرد الحرهو ( حيران ) في المنطقة الصورانية وهو يعتمد على مواضيع ملحمية , ويؤدى بسرع مختلفة وقد تتبعه اغنية خفيفة موزونة . يقابله في منطقة اكراد ( بهدينان ) غناء ( اللاووك ) . ومن الأنواع الشهيرة الأخرى من الغناء الأنسيابي المنفرد هو ( القتار ) و ( الله ويسي ) و( خورشيدي ) وهو غناء شعبي ديني . ينتشر غناء الموزون ( البستات ) في جميع انحاء المنطقة ويصاحب الدبكات الجماعية كما يؤدي منفردا ايضا .
أما اشهر الآلات الموسيقية التي ترافق في هذه المناطق الشمالية هي الة الطنبور والبزق والطبل و الزرنة والناي بأنواعه . في المناطق الصحراوية غربي العراق علينا ان نميز بين غناء البدو الحقيقيين ( الرحل ) اللذين يشملون اكبر قبيلتين عربيتين هما ( شمر وعنزه ) وبين غناء البدو المستقرين واشباه المستقرين . ويعد ( الكصيد ) من اهم غناء عشائر البادية وهو غناء حر من ناحية الوزن , يمكن ان يؤدى من دون اية مصاحبة الية , ولكن في معظم الأحيان يؤدى بمصاحبة الة الربابة. ولأهمية ( الكصيد ) فقد سمي المغني في البادية وهو عازف الربابة في الوقت ذاته ب ( راعي الكصيد ) . يميز اهل البادية بين انواع مختلفة من ( الكصيد ) منه ( كصيد شمر) و ( كصيد عنزه ) ويسمى كلا النوعين ب ( كصيد البادية ) , ثم ( كصيد غزي ) و ( كصيد بني هلال وبني صخر ) وغيرها من التسميات . ويتبع ( الكصيد ) من حيث الأهمية ( الحدي ) وهو غناء يؤدى على ايقاع الخيل في الحروب والغزوات وفيه يمكن ان تلعب المرأة دورا مهما في الأنتخاء وفي اطلاق التهاليل والزغاريد .أما غناء ( الهجيني ) فيؤدى على ايقاع الابل ويعده البدو نوعا من انواع ( الكصيد ) اذ يسمى ( كصيد هجيني ) وكذالك الحال بالنسبة للسامري الذي تعرفه البادية كلها ويؤدى في مناسبات الأفراح والاحتفالات .
اما الغناء للقبائل شبه المستقرة التي تعيش على حدود كل من البادية والمناطق الريفية والتي تتعمق السهول اثناء موسم الكلأ فهو ( العتابه – النايل – السويحلي ) وهذه الأنواع الثلاثة من الغناء هي الأكثر انتشارا في كثير من مناطق العراق بسبب تنقل القبائل شبه المستقرة ودخولها عميقا في كثير من المناطق . تعد ( العتابة ) بمنزلة ( الكصيد) عند البدو الحقيقيين . أما ( النايل ) فينتشر غنائه بين القبائل شبه المستقرة على ضفاف دجلة الغربية والمناطق القريبة من بغداد . وغناء ( السويحلي ) معروف عند الدليم ( محافظة الأنبار ) وكذلك تكريت ( محافظة صلاح الدين ) ومنها ( سامراء ) , مع وجود بعض الأختلافات البسيطة بين المحافظتين من حيث التركيب الشعري , ولا يختلف عنه من حيث المجال الصوتي وبكل الأحوال تكون الربابة هي الآلة الوحيدة التي ترافق الغناء . يعتمد غناء قبائل الفرات الأعلى على الأسلوب الجماعي الأيقاعي المصاحب للرقص اكثر من اعتماده على الغناء الحر المنفرد .
ومن اشهر الأشكال الغنائية ( الموليه – الشوملي – ابو ردين – الميجنا ) وهي كلها اسماء لرقصات جماعية معروفة تؤدى بمصاحبة ( المطبج ) . لعل اكثر انواع الغناء الشعبي انتشارا من الناحية البقعة الجغرافية هو غناء ( الأبوذية ) ( سيد الغناء ) كما يسميها اهالي السهول . وتنتشر ( الأبوذية ) من شرق الفرات لتشمل منطقة ما بين النهرين من جنوب بغداد الى شمال البصرة , وتمتد الى شرقي دجلة من الكوت والى مناطق الأهوار الجنوبية الشرقية . وتشمل المنطقة كلا من الحلة , الديوانية , الناصرية , الكوت , العمارة , وتمتد تأثيراتها الى الرمادي والسماوه وبغداد حيث ملتقى انواع مختلفة من الغناء الشعبي . تؤدى الأبوذية الأصيلة من دون مصاحبة الة موسيقية . وبالأكتفاء عند الحاجة بالنقر على الصينية أو على علبة ثقاب أو دق الأصبع ( الأصبعتين ) . دخلت حليا الآلة الموسيقية لمرافقة هذا اللون الشعبي من الغناء وخصوصا آلة الطبلة ثم ادخلت آلات اخرى وخاصتا عند الشباب منقراء الأبوذية , غير ان التقليدين من لا يرضون على هذا الأسلوب في الأداء الموسيقي المرافق للأبوذية . للأبوذية اطوار عديدة , فهنالك الأبوذيات التي تشتهر بها منطقة او مدينة مثل الحياوي نسبة الى الحي في الكوت , الشطري نسبة الى الشطرة في الناصرية , المجراوي نسبة الى المجر في العمارة وغيرا . وهنالك ما ينسب الى اشخاص ابتكرو في الأداء مثل الغافلي والجادري وغيرهما . يشير الواقع في المدينة ان الأغاني والموسيقى تنقسم الى اتجاهين بارزين هما الأتجاه الديني والأتجاه الدنيوي . وكلا الأتجاهين يؤثر احدهما في الأخر وخاصة الأتجاه الديني فهو اقدم الأتجاهين .ولما كانت المدينة مصدر الممارسات الغنائية ومنبعا رئيسا لظهور الفعاليات الأبداعية في حيات الأنسان ولذا فقد تنوعت مصادر العطاء الموسيقي فظهر عبر التأريخ :
– المقام العراقي
– الموشحات
– المربع
– البستة
- المونولوج .
مضافا الى الموروث الشعبي في الممارسات الغنائية العديدة ومنها لعب وأغاني الأطفال الشعبية , ثم هنالك الأغاني الحديثة التي بدأت تظهر منذ الأربعينات من هذا القرن .
والتي تعد مصدر التغير والتطور في حياة الشعب.
أعداد فرات حسين قدوري – المصدر ( مأخوذ من كتاب الموسوعة الموسيقية )
تأليف الأستاذ حسين قدوري . furat@furatmusic.com |