ولوحات برهان صالح تعني فيما تعني من موضوعاتها العديدة بعوالم أسطورية مستلهمة من الموروث الحضاري العراقي القديم ، وهو موروث عريق وعميق تجلي في كثير من الآثار والمنجزات الفنية الحضارية منذ آلاف السنين ونري له الآن صدي واستلهامات كثيرة في شتي فنون البصر وغيرها من أفرع الإبداع الأخري كما أنها تعني أيضا بالشخوص البشرية من نساء ورجال يؤلفون فيما بينهم مشاهد درامية متنوعة وموحية بأكثر من معني فنراهم تارة يستجيبون لعناق والتحام حد الذوبان والاندماج في كيان واحد وتارة نراهم شاخصين في حالة من الترقب والانتظار والتحديق إلي حيث لا يمكن لنا ان ندرك المتواري في تلك المرامي والماورائيات النائية.
وتأتي الرموز والإشارات الخطية والرسومية كالزهور والأهلة والنباتات وأجزاء من الأسيجة الخشبية أو المعدنية وغير ذلك من العناصر المنتثرة في ثنايات المسطحات البصرية كأدلة صغيرة تقود نحو المضامين العميقة والفلسفات والأفكار الرصينة التي لا تتكشف إلا لمن تريد من متأمليها والباحثين بإخلاص عن كنهها.
وعن تجربة برهان صالح يكتب الناقد عدنان حسين احمد: " لا يميل برهان صالح إلي المحاكاة الصماء، ولا يستسيغ التقليد الأعمي، وربما هو يعيد طرح السؤال الكبير الذي أثاره هيغل وهو" لماذا يبذل الفنان جهداً مضنياً من أجل تقليد ما هو موجود فعلاً؟ ". فمحاكاة الجمال الطبيعي ليس همه الأساسي، لأن هاجسه الأول هو خلق الجمال الفني، والإستمتاع به. من هنا قلما نجد تكراراً أو نسخاً أو إعادة إنتاج ما سبق إنتاجه في مجمل تجربته الفنية، اللهم إلا في بعض المقاربات الطريفة الناجمه عن الحب والوفاء والإخلاص لفنان ما، كما حدث في معرض " دوكم " المشترك مع الفنان ستار كاووش، إذ أنجز برهان ثلاث لوحات تتطابق كثيراً مع موضوعات وتقنيات ستار كاووش حتي أنه لم يُحرمها من إسم " رجل وإمرأة " وهو ذات العنوان الذي كان يحمله أحد معارض كاووش الشخصية. إن ظروف الإعتقال، والتجارب النفسية المريرة، وما ولّدته من ضغوط شديدة الوطأة تركت بصماتها علي منجزه الكرافيكي خاصة والتشكيلي عامة. وقد تجسدت هذه المعاناة الشخصية في أعماله الفنية. فلوحته أو عمله الكرافيكي لا يضج فقط بالرموز والإشارات الأسطورية، وإنما هناك طلاسم، وأيقونات، وشيفرات توحي بالضغط النفسي الذي كان يتعرض له الفنان طوال حياته في العراق."
ولأن خطاب برهان صالح هو خطاب لوني في الأساس فإن المسطح البصري لديه يضج بالألوان الصريحة الزاهية التي تتجاور فيها الألوان الحارقة مع الألوان الثلجية والباردة في تباينات لا تزكي روح التنافر بالقدر الذي تسعي فيه لخلق نوع من التعايش والألفة تحت مظلة منشودة تهدف إلي تصالح المجموع في عالمهم الواحد الذي يكون لكل منهم دوره المستقل فيه والذي لا غني عنه بالنسبة للبقية الباقية.. إن الألوان المتباينة تتصالح فهل تتصالح أيضا الطوائف والعرقيات هي كذلك بالشكل المامول والطريقة المنشودة؟
ويؤكد برهان في لوحاته علي تحرك وديناميكية المسارات الخطية وتداخلها بما يسمح له بإنتاج فيض من مساحات متقاطعة مع بعضها البعض ومتنوعة في أشكالها وكذلك فيما تشغله من أبعاد تتباين أو تتشابه خلال المساحات الكلية لمختلف اللوحات التي ينسج خلالها الفنان سيمفونياته اللونية المشبعة بالرغبات والطموحات وكثير من امنيات الانعتاق والتحرر والذهاب إلي حيث تكون الرحابة التي يصعب استقصاء حدودها أو تصور كنه خطوطها الخارجية المتلاشية حتي بداخل المخيلات.