|
|
رحيل عادل كوركيس عاشق المسرح العراقي |
|
|
|
|
تاريخ النشر
11/05/2008 06:00 AM
|
|
|
لم يكن الفنان المسرحي عادل كوركيس واحداً من العاملين في حقل المسرح فقط، بل كان عاشقاً لهذا الفن، منقطعاً الى كل ما يتصل به أو يتواصل معه. وكان للبعد الانساني، بطابعه الاخلاقي في شخصه، أثره الكبير في نجاحه. فهو كان، منذ أن جاء الى حقل المسرح وعمل فيه حتى أصبح رئيساً لفرقة «مسرح اليوم»، يعمل بحب في هذا الفن، كما كان يقبل على الناس ويقابلهم بالحب ذاته. وبالحب ذاته، أو ما يوازيه، كان يقبل على عمله في المسرح، فهو عشق هذا الفن وجعله محور اهتمامه، الذي لا اهتمام قبله أو بعده. لذلك كان يهتم بما يقدم، ولا يهتم لظهوره شخصاً... وكان بعمله هذا يريد أن يرضي نفسه فناناً قبل أن يفكر بأي شيء آخر. وكما كان يتابع عمله بحب يصل به حدّ التواصل الخلاق، كان يتابع معارفه وعلومه، وثقافته في هذا الفن، بما يساعد على تطويره، عنده وعند الآخرين. وقد درس هذا الفن دراسة أكاديمية وحصل على الماجستير، ودرس اللغة الانكليزية لتساعده على متابعة ما يجري في عالم المسرح في العالم. درس المسرح في تشيخيا وتعلم لغة الجيك، وترجم أكثر من عمل مسرحي عنها. وكتب في المسرح، نقداً، وشرحاً لعديد المفهومات، ومتابعة لأبرز الاتجاهات الحديثة. ودخل مجال التصميم السينوغرافي. ممثلون عراقيون يقدمون عرضاً في شارع المتنبي في بغداد وحين أصبح رئيساً لفرقة «مسرح اليوم» كان أن إنفرد، من خلال الفرقة بفنانيها الشباب الذي زرع في نفوسهم روح الحماسة للمسرح، بتقديم عروض ذات نكهة خاصة من خلال مسرح «الستين كرسياً» إذ كان يهمه من جمهوره هو أن يكون «نخبوياً» أو جمهوراً بامتياز. ونجح في هذا أيما نجاح. ويوم افتقدت الحياة العراقية المسرح كما كان، ويوم افتقد هو «مسرح الستين كرسياً»، مكاناً وزماناً، افتقد شيئاً يخص الروح. لكن تلك الروح، وهي تنطلق في فضائها المتخيّل لم تكن تجد مرتادها، فتندفع به في طريق آخر: طريق البحث عن ثقافة المسرح، وترجمة المسرح، وإشاعة الثقافة المسرحية. ومع هذه وتلك: البحث عن محبي المسرح وعشاقه، وعن المسرحيين الذين ما عادت لهم مسارحهم. فكنت تراه، صباح كل جمعة، يأخذ «شارع المتنبي» جيئة وذهاباً، يتابع ما يعرض من كتب. ولكن قبل البحث عن كتاب، أو في كتاب، كان يبحث في وجوه رواد الشارع عن «أصدقاء المسرح» ليحييهم بودّ. ويشعر أنهم لا يزالون ينتظرونه وينتظرون اليوم الذي يعود فيه المسرح، و «مسرح الستين كرسياً»، فيعود، هو عاشق المسرح، الى عشقه القديم. عندما جرى تفجير «شارع المتنبي» قبل اكثر من عام، وقبل ذلك عندما أغلق «صباح الجمعة» في المتنبي بفعل «حظر التجوال»، كان عادل كوركيس، أحد رواد هذا الشارع العريق ثقافياً، قد فقد آخر فضاء ثقافي: لم يعد يرى الكثيرين ممن كان يراهم هناك... وربما أضاع خطواته المتئدة فيه بعد أن ضاع منها طريقها. لقد كان فناناً بكل جوارحه، وبكل صدقه. هل مات من الغم؟ هل مات تحت وطأة همّ غياب المسرح، الذي كان حلمه وفضاءه؟ لقد مات قهراً... مات مقهوراً، لأنه لم يستطع الكذب، لا على نفسه ولا على الناس. ولم يفعل ما فعل البعض حين كذبوا على الناس والفن والتاريخ وهم يقولون: إن المحتل جاء ليفتح فضاءات أوسع للحياة في هذا البلد. بل ظل صامتاً، يراقب المشهد بحزن: مسارح مغلقة، مكتبات منهوبة ومتاحف محروقة. شارع الثقافة فجّر. المثقفون هجروا وهاجروا. حرائق في كل مكان، وكذب السياسيين يحتل أزمنة الفضائيات وأعمدة الصحف. مات عادل كوركيس. وللأسف لم يمش في مسيرته الى مثواه الأخير عدد كبير من المسرحيين! |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ ماجد السامرائي
|
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| |
|
|
|
|
|