... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله Bookmark and Share

 

  جديد الفنانيين التشكيليين

   
زها حديد سيدة العمارة العالمية : مشروع جديد في ابو ظبي

غادة سليم

تاريخ النشر       08/06/2008 06:00 AM


كانت التصاميم التي أبدعتها حديثاً على أرض لبنان وقطر والإمارات مبعث بهجتها ومصدر سعادتها. فبعد انتهائها من تصميم جسر الشيخ زايد في أبوظبي وقع عليها الاختيار لتصميم منصة رحبة لانطلاق أرقى فنون المسرح والموسيقى والأوبرا هي دار المسارح والفنون بأبوظبي. وهي واحدة من الصروح الثقافية الخمسة المنتظر أن تقام على أرض جزيرة السعديات في إطار مشروع ثقافي متكامل يضع الإمارات على خريطة الثقافة العالمية.

في أبوظبي

وعلى الرغم من تميز كل التصاميم الهندسية للمباني الثقافية الأخرى إلا أن تصميم زها حديد يعد بحق تحفة معمارية نادرة تتلعثم أمامها كلمة ''مبنى''، فدار المسارح والفنون لا يشبه المباني في شيء. إذ يتخذ شكلاً نحتياً أقرب إلى خط الطغرة العثماني العربي. يبدأ بممر للمشاة يمتد من متحف الشيخ زايد الوطني، ثم يتطور تدريجياً في تراكيب عبقرية معقدة ومتشابكة إلى أن يزداد عمقاً وارتفاعاً في اتجاهه نحو البحر. وسيقام المشروع على مساحة تقدر بحوالي 52381 متراً مربعاً وسيضم خمس قاعات للحفلات الموسيقية وقاعات للمسرح تسع 6300 شخص ومركزاً للمؤتمرات وداراً للأوبرا وأكاديمية للفنون الأدائية.

سيرة عراقية

ولقد حرصت زها حديد على أن يكون تصميمها واسطة العقد بين المباني الثقافية التي أبدعها عظماء المعمار فوق جزيرة السعديات. وهو أمر يتفق تماماً مع نزعتها الأصيلة للتفرد، وحرصها المستدام على التميز، ونشأتها المجبولة على الإصرار والتحدي. فلقد ولدت زها حديد في العاصمة العراقية بغداد يوم 31 أكتوبر 1950 لعائلة موصلية موسرة تشتهر بالوطنية والنزاهة. فجدها هو المناضل حسين حديد رئيس بلدية الموصل والذي لعب دوراً بارزاً في الحفاظ على الموصل جزءاً من العراق. ووالدها هو السياسي والاقتصادي العراقي المعروف محمد حديد أول وزير مالية في الحكم الجمهوري والذي قام بتسيير اقتصاد العراق والتخطيط للعديد من مشاريعه التنموية بين عامي 1958 ـ .1963 تلقى تعليمه في كلية لندن للاقتصاد في الثلاثينات وكان صاحب مصنع وزعيماً للحزب الديمقراطي التقدمي العراقي. وتركت أفكاره الليبرالية وثوابته الوطنية بصمة واضحة في شخصية ابنته زها التي ورثت عنه الانفتاح على العالم والتفاني في العمل. أما والدتها فكانت مدرستها الأولى التي تلقت على يديها دروس الرسم وتذوق الألوان والحس النقدي للأعمال الفنية. فوالدتها ربة بيت اشتهرت بشخصيتها الديناميكية وميولها الفنية المبدعة. أما أول مدرسة نظامية تتلقى فيها زها حديد تعليمها كانت ديراً فرنسياً للراهبات يضم بنات النخبة البغدادية من مختلف الطوائف والديانات. وكانت تقع في حي الرصافة ببغداد ويتوسط ساحتها نصب الحرية لفنان الشعب العراقي جواد سليم. وهو العمل الرفيع الذي بقي خالداً في مخيلة زها حديد ولا تفتأ تذكره كلما أخذها الحنين لذكر بغداد. وفي العديد من حواراتها الصحافية أشارت زها بأنها أرادت أن تصبح مهندسة معمارية منذ أن كانت في سن الحادية عشرة. إذ كانت في طفولتها تبدي إعجاباً بالمباني السكنية التراثية في حي المنصور، ويجذبها مبنى وزارة التخطيط على طرف جسر الجمهورية.

بيروت ولندن

وفي سن السادسة عشرة توجهت إلى بيروت لدراسة الرياضيات في الجامعة الأميركية عام 1971 ومنها إلى لندن لدراسة الهندسة في الجمعية المعمارية. وبعد تخرجها عام 1977 أصبحت معيدة في الكلية المعمارية بلندن. ومنذ تخرجها مارست دور أستاذة زائرة في أبرز جامعات أوروبا وأميركا منها هارفرد وشيكاغو ونيويورك وييل وهامبورج. وتحاضر الآن في جامعة الفنون التطبيقية ذات السمعة العالمية بفيينا، كما تشغل كرسي المهندس المعماري الياباني كينزو تانغه في جامعة هارفارد، وكرسي المعماري الأميركي سوليفان بكلية العمارة في جامعة شيكاغو. وهي تدير مكتبها الهندسي الخاص بها منذ عام 1979 وقوامه الآن 250 موظفاً يعمل في عدة مجالات تتراوح بين تصميم مشاريع معمارية وأثاث منزلي وحتى سيارات.

مسيرة التحدي والصعاب

والمتابع لمسيرة التحدي في حياة زها حديد يعلم جيداً أن أول عمل لها كان بمثابة دفعة قوية إلى الأمام في مشوار نجاحها. فلقد كان مشروع تخرجها في كلية الهندسة بلندن عام 1977 وهو جسر على نهر التايمز أطلق عليه اسم ''الجسر التكتوني'' اعتبره النقاد بياناً معمارياً يوضح أسلوبها التجريدي المتأثر بفن الخط العربي. لكن ذلك لا يعني أن طريقها للقمة كان حريرياً مفروشاً بالزهور. فمثلما كانت تصميماتها الجريئة والسابقة لعصرها سبباً في فوزها بالمسابقات الدولية ونيلها الكثير من الجوائز العالمية والأوسمة الملكية، كانت أيضاً سبباً في تأخر شهرتها وتعطل إنجازاتها. فعلى مدى 12 سنة ظلت أعمال زها حديد توصف بغير الواقعية وبأنها فاقده للاستقرار البصري، خاصة أنها تقوم على دعامات عجيبة ومائلة. فكان أصحاب المشاريع لا يصدقون أن هذه التصاميم ستصمد يوماً ما على الأرض.

وكذلك توالت الصعاب أمام زها حديد في سنوات عملها الأولى. واعترفت أن جانباً من الصعاب كان يتعلق بتصاميمها المكلفة وغير التقليدية، أما الجانب الآخر فيتعلق بعدم اعتياد أصحاب المشاريع الغربية التعامل مع امرأة عربية. فبعد أن فاز تصميمها لمشروع دار أوبرا كارديف بمقاطعة ويلز على 268 مهندساً آخر من أنحاء العالم في منافسة مفتوحة، قرر الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا وقف المشروع من دون إبداء السبب. مما فجر عاصفة من التساؤلات، هل توقف المشروع لكون العقلية المعمارية في ويلز لا تزال محافظة؟ أم لغياب التمويل الكافي للمشروع؟ أم لكون مهندسة المشروع بريطانية من أصل عربي؟. ولم تكن تلك هذه هي المرة الأولى التي يحصل فيها مثل هذا الأمر في مسيرة هذه المهندسة المثابرة. فلقد كانت تصاميمها يتعين فهمها من زوايا مختلفة، وبدا القلق وعدم الاستقرار واضحاً على خطوطها المتعرجة ومبانيها التجريدية. لكنها في نهاية المطاف استطاعت أن تفرض أسلوبها على عالم المعمار.

فقلما تجري مسابقة عالمية لمشروع معماري مهم لم تفز فيها بالمركز الأول. حتى أصبحت تصاميمها الهندسية تغطي أرجاء العالم. من أستراليا والسويد وألمانيا وبريطانيا وأسبانيا وأميركا إلى كوريا وهونج كونج والصين واليابان. وارتبط اسمها في عواصم عالمية عديدة بمبانٍ فنية فريدة. ففي دبلن منزل رئيس الوزراء الأيرلندي، وفي نيويورك مبنى هيئة المطافئ، وفي برلين مجموعة مباني I.B.A، وفي ويلز ببريطانيا دار أوبرا كارديف، وفي سيؤول مجمع دونج ديمون التاريخي، وفي ولاية سنسيناتي مركز روزنتال للفن المعاصر، وفي هونج كونج نادي الذروة على قمة جبل كولون، وفي تايوان متحف كوكنهايم تيشنج. وفي سابورو باليابان نادي مونسون بار، وفي برشلونة ميدان عام ودار للسينما، وفي ليبزيج ألمانيا مبنى شركة بي إم دبليو. أما أكثر مشاريعها الجديدة غرابة وإثارة للجدل فهو مرسى السفن في باليرمو في صقلية، والمسجد الكبير في ستراسبورج ومتحف الفنون الإسلامية في الدوحة، وجسر الشيخ زايد في أبوظبي الذي من المتوقع أن يفتتح عام .2010

كوكب في مداره

وبعد أن لمع نجمها في عالم التصميم الهندسي استطاعت زها حديد أن تنتزع ألقاباً عالمية كثيرة. فكانت أول امرأة تقوم بتصميم متحفٍ في الولايات المتحدة الأميركية هو متحف روزنتال للفن المعاصر. وكانت أول مهندسة معمارية غير إيطالية يسمح لها بتصميم مبنى في إيطاليا. بعد أن وقع عليها الاختيار لتصميم المتحف الوطني للفن المعاصر في روما والذي حولته من ثكنة عسكرية قبيحة إلى واحة جذابة للرسم والنحت والتصوير. كما كانت المرأة الوحيدة التي تفوز بجائزة ''بريتزكر'' للمعمار وهي بمثابة جائزة نوبل للهندسة. وكانت أصغر فائز بجائزة ''بريتزكر'' منذ إنشائها قبل 25 عاماً. ونظراً لتوالي نجاحاتها في عالم الهندسة المعمارية اختارتها مجلة ''فوربس'' واحدة بين أربع نساء بريطانيات في قائمة أقوى نساء العالم من بينهن الملكة إليزابيث الثانية. وكان تفوقها المتميز في مجال التصميم الهندسي سبباً في حصولها على الكثير من الجوائز العالمية أبرزها وسام التقدير الملكي الذي منحته لها ملكة بريطانيا. كما فازت بجائزة الاتحاد الأوروبي للهندسة المعمارية المعاصرة عن تصميمها محطة تقاطع وسائل النقل في مدينة ستراسبورج الألمانية. وهي جائزة تمنحها المفوضية الأوروبية لأبرز الأعمال المعمارية في الاتحاد الأوروبي.

واعترافاً بمقدرتها الفنية ومستواها التخصصي في العمارة تحظى المهندسة المعمارية زها حديد بتقدير عالٍ من النقاد العالميين فعقب تخرجها وصفها المهندس المعماري الهولندي ''رم كولهاس'' بأنها كوكب يدور في مداره الخاص. ومنذ عقدين من الزمان أثارت تصاميم زها حديد انتباه نقاد الفنون والعمارة في النمسا لأسلوبها في استخدام التقنية الحديثة من مواد إنشائية وشكل ولون بما يتناسب مع مستحدثات البيئة. فكلفت تصميم منصة الانزلاق على الجليد في مدينة انسبورج لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية. وعند فوزها بجائزة ''بريتزكر'' العالمية عام 2004 قالت عنها مؤسسة حياة للفنون في لوس أنجيلوس بأميركا إنها تتمتع بقدرة غير عادية على صياغة تصاميمها بصورة واضحة وبشكل لم نشهده منذ سنوات وأن كل مشروع لها ينطوي على إبداع جديد لا يشبه سابقه. ولقد لاحظ عليها بعض النقاد تأثر أعمالها بخلفية نشأتها الإسلامية وتميز تصميماتها بالتناغم والاستمرارية بين الفضاءات الداخلية والخارجية وهو ما يميز العمارة الإسلامية. إلا أن زها حديد التي تعتبر من المجددين في عالم العمارة لا تتفق معهم في ذلك فهي تميل إلى عدم الالتفات إلى القديم. وأعربت في عدد من المناسبات عن إحساسها بكمون العمارة الشرقية في عقلها الباطن وتتجلى أحياناً في خطوطها وتصميماتها. حيث توجد عناصر فنية خفية تعكس تأثرها بالبيئة العربية والإسلامية، إلا أن زها حديد ترى أن العودة إلى الأصول الشرقية في استخدام العناصر الإنشائية أو التصميمية في أعمالها ليس من صميم اهتمامها. وهي تؤمن بأن الاستفادة من الإنجازات الحضارية التي وصلت إليها البشرية أهم من الغور في الماضي واستلهام مفرداته التراثية العتيقة.

العمارة العربية

ولقد شرحت زها حديد رأيها في العمارة العربية في حوار أجراه معها بيت المعماريين العرب في بيروت. أعربت فيه عن استيائها من البشاعة التي غزت فن العمارة في العالم العربي، بعد أن تميزت فترة الستينات ببناء عمارات جميلة ومبانٍ عظيمة. وترى المهندسة زها حديد أن أسلوب العمارة في العالم العربي يعاني من مشكلة تتجسد في المباني التجارية التي تشيد بمنطق اختصار التكلفة وتفتقر إلى أي أسس جمالية. فباتت المباني تتأرجح بين أمرين إما أن تتخذ شكل الطراز القديم الذي يكتسب صبغة فلكلورية غير عريقة أو تتخذ شكلاً حديثاً لا يمت لروح البيئة بصلة. كما تشخص زها حديد مشكلة العمارة العربية في غياب التخطيط المستقبلي للمدن والافتقار إلى المعادلة السليمة بين ما هو تراثي وحداثي.

وترى أنه إما أن تتم المحافظة على النمط التراثي أو يهدم ويقام فوقه نظام حديث. وعن تفكيرها في تشييد مشروع في بغداد من تصميمها ترى زها حديد أن الوقت ليس مناسباً الآن. فالأولوية هي لمشاريع البنى التحتية والتخطيط العام. وتعتقد أن عملية إعادة الأعمار في العراق بمثابة فرصة رائعة لمراجعة كل شيء ووضع تخطيط عمراني وفق أسس علمية جديدة ومعايير التطور العالمي بما يتلاءم مع متطلبات البيئة العراقية.

وعندما يرد ذكر بغداد يقودها الحنين دوماً للحديث عن الوطن فتقول في إحدى حواراتها لا أدري ماذا يقال عني في العالم العربي، ويسعدني أن أقرأ مقالات وموضوعات تنشر عن أعمالي. ولقصيدة يكتبها عني شاعر عراقي مغمور أفضل عندي من كل الشهادات والجوائز والأوسمة العالمية.






رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  غادة سليم


 

بحث :

Search Help


دليل الفنانيين التشكيليين

موسوعة الامثال العراقيه

انضموا الى قائمتنا البريدية

ألأسم:

البريد ألألكتروني:



 

 

 

 

Copyright © 1997- IraqiArt.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
ENANA.COM