الحلقة (5)
الفصـل الأول منهجية البحث والدراسات السابقة عندما استمع الإنسان إلى صوته لأول مرة يعاد ويكرر من خلال ابتكاره العظيم – جهاز التسجيل الصوتي – وهو يودع القرن التاسع عشر ويستقبل القرن العشرين, يكون قد أعلن بذلك عن دخول البشرية منعطفا عظيما جديدا من تاريخها.. الأمر الذي قاد أكثر التحولات والتطورات والتغيرات في حياة الشعوب نحو آفاق اتسمت بالسرعة المتزايدة على الدوام. . وهي فعلا حقبة تحول وانفتاح بكل ما تستطيع احتواؤه هاتان المفردتان من معان وصفات لا حدود لها. .! وفي حقبة ما قبل 1932 انتشرت في بغداد بعض التسجيلات الغنائية لعدد من القوالب forms الغناسيقيه الموجودة ضمن انطو لوجيه (*) غناء وموسيقى العراق من شماله حتى جنوبه , بواسطة شركات التسجيل الأجنبيه التي كانت تتجول في البلدان لتسجيل تراثها الموسيقي. . وفي هذا الخضم برزت تسجيلات المطرب الكبير محمد القبانجي وعلى الأخص منها تسجيلات مؤتمر الموسيقى العربية الأول في القاهرة عام 1932 – الأمر الذي أصبح منعطفا في تاريخ تطور النواحي الفنية الأدائية وتطور في أساليب العرض وأمور أخرى. . ------------------------------- *الأنطولوجية. . تنوع المكونات ضمن المجتمع والجغرافيا الواحدة , والمقصود في هذا البحث , تنوع انعكاسات مختلف بيئات العراق من شماله حتى جنوبه , في موضوع الموسيقى والغناء الحاوي على الموسيقى المدنية والريفية والبدوية والصحراوية والسهلية والجبلية والحديثة , إضافة إلى موسيقى الأديان والقوميات والأقليات الموجودة في كل محيط العراق ,, ملاحظة/ اختصارا للموضوع تم مسح بعض صفحات خطة البحث من الفصل الأول
الفصل الثاني المؤتمر وتسجيلات محمد القبانجي الصوتية ---------------------- ما أن حلَّ القرن العشرون يبشِّر بديناميكية جديدة للحياة، حتى غدا التطور الصناعي يزداد اتساعا وقوة بصورة عامة في كل مجالات الحياة وغدت الموسيقى والغناء بطبيعة الحال من أكثر ظواهر الحياة تأثرا وظهوراً على ساحة الواقع.. وغدا أيضا, التطور الملحوظ لأجهزة النشر والحفظ والتوزيع والتسجيل من المعالم الكبيرة التي ميّزت هذه الحقبة الزمنية.. مما حتّم ذلك على الإنسان, والإنسان المبدع بصورة خاصة, ولأول مرة أن يخرج من طوق المحلية إلى آفاق واسعة رحبة أخرى خارج هذه المحلية.. وقد أتاح هذا التطور المستمر في تزايده فرصاً جديدة أخرى للإبداع والتفكير والابتكار أكثر من السابق بكثير ومن خلال الوسائل الكثيرة التي استحدثت نتيجة هذا التطور المضطرد. . وطبيعي أن الإبداع قد شمل الكثير من نواحي الحياة، بل الحياة برمتها بفنونها وعلومها.. وكانت الإبداعات الفنية أكثر ظهوراً من غيرها على ساحة الحياة باعتبارها فنوناً تهتم بها غالبية المجتمع.. وكان ما أصاب الفنون التراثية الشيء الكثير من ذلك, وفي اخصِّها كانت الفنون الموسيقية التراثية.. وفي بلدنا العراق كان مطرب المقام العراقي محمد عبد الرزاق القبانجي , الرائد والمثير الأول للإبداعات المقامية ومنعطفاً جديداً في تاريخ التطور التراثي الموسيقي في العراق، خاصة بعد تسجيلاته الصوتية في القاهرة إبان انعقاد المؤتمر الأول للموسيقى العربية عام 1932 وما تلا ذلك , فقد وضع هذا الفنان الكبير الأسس المتينة لإبداعاته الأدائية التي سار على هدْيِها المؤدون اللاحقون من بعده , الذين برز بعضهم بصورة تميَّز فيها عن أقرانه من المغنين المقاميين، أمثال المغنين (الأربعة الكبار) حسن خيوكة (1912 – 1962) ويوسف عمر (1918 – 1986) وناظم الغزالي (1921 – 1963) وعبد الرحمن العزاوي (1928 – 1983) , فضلا عن مغنين آخرين أمثال عبد الهادي البياتي (1911 – 1974) وعبد الرحمن خضر (1925 – 1985) وحمزة السعداوي (1934 – 1995) وعبد الجبار العباسي (1937 -. ......) وعبد القادر النجار (1939 – 2000), واعتبروا أبرز المبدعين من المغنين الذين ساروا على نهج الطريقة القبانجية والطرق الأخرى المعاصرة , في التجديد والإبداع في حقبة ما بعد مؤتمر القاهرة 1932 الذي كان منعطفا كبيرا لتطور الموسيقى العربية بصورة عامة. . المهم في الموضوع، أن أجمل النتاجات الغنائية المقامية بمختلف انتماءاتها إلى الطرق الغنائية مثل الطريقة القندرجية 1* أو الطريقة القبانجية 2* أو غيرهما , وكذلك بمختلف صفاتها واتجاهاتها الذوقية والجمالية كان من نتائجها تثبيت أقوى لشكل المقام العراقي ومضمونه في حياة الإنسان العراقي، فالفرق في الفن الموسيقي هو في التفصيلات لا في النوع. . وفنون الموسيقى والغناء بما فيها الغناسيقى التراثية كالمقام العراقي , واسطة للتعامل مع واقع الحياة، أي ما ندعوه عادة بالحقيقة. .
مغنون مبدعون ------------------ كما أوجدت تسجيلات المطرب محمد القبانجي في القاهرة عام 1932 إبان انعقاد المؤتمر ومن بعده تسجيلات المبدعين من مغني منتصف القرن العشرين وبعد انتصافه, أملا وتواصلاً في تسجيل المقامات العراقية بأصوات مؤدين مقاميين أعقبوهم كجيل آخر، فان هذه التسجيلات أيضا قد أوجدت وأعطت أملا لمؤدين مغمورين مضى على تجربتهم فترة من الزمن دون تأثير يذكر , فضلاً عن مؤدين جدد , لتنمية طموحاتهم والاجتهاد في السعي في تقديم نتاجاتهم المقامية للإذاعة والتلفزيون … وهذه حقيقة اجتهد واكتشفها كل المغنين المقاميين المبدعين كالأربعة الكبار وغيرهم بصورة طبيعية عفوية لإظهارها كمحصلة لهذه الحقبة بسبب نجاحهم المضطرد في تأديتهم للمقامات من حيث شكلها ومضمونها 3* التعبيري والبيئي، وكأجيال تالية، فقد أتى على تأكيد هذه الحقيقة بالحماسة نفسها مؤدون كثيرون قلَّدوا أستاذهم القبانجي وقلدوا بعدئذ الأربعة الكبار وعلى الأخص يوسف عمر في هذا المنحى بصورة تكاد أن تكون متطابقة وحاولوا تطوير حماستهم مثل حمزة الســعداوي وعبد الــرحيم الأعظمي وعبد الملك الطائي وحامد السعـــدي وخالد السامرائي وغيرهم … هناك حقيقتان على كل حال يجب التركيز عليهما لِما لهما من اتصال وثيق بنجاح وسلامة التسجيلات المقامية التي سجلت بصوت محمد القبانجي في مؤتمر القاهرة عام 1932 من حيث شكلها ومضمونها وأدائها الفني بحقبة انتصاف القرن العشرين أو بعدها , ولعلهما تلقيان بعض النور على المشكلات التي يواجهها المؤدي المقامي المعاصر.. فالحقيقة الأولى , هي انه بالرغم من ظهور نتاجات إبداعية لمؤدي حقبة انتصاف القرن العشرين الذين أيقظتهم الإبداعات الجديدة في تسجيلات محمد القبانجي في القاهرة 1932 وبشَّروا بمستقبل مرموق في الأداء المقامي، فان المجال الذي تتيحه هذه النتاجات لنشر وانتشار المقام العراقي خارج حدود المحلية كان قاصراً جداً ما خلا المطرب ناظم الغزالي الذي جعل من تسجيلات المقام العراقي والأغنية البغدادية مشروعا لسماعها من قبل كل جماهير الوطن العربي وخارج هذا الوطن الكبير. .!! والحقيقة الثانية هي أن بعضا من تسجيلات هذه الحقبة التي تميَّزت بالإبداع الأدائي الفني ذات الانتشار الواسع محليا وعربيا، التي استفادت كثيرا من فحوى تسجيلات القاهرة المقامية 1932 بصوت محمد القبانجي , قد أشرت بشكل واضح نسبة مرتفعة من تسجيلات الدرجة الأولى من حيث المستوى التقني والفني في الأداء، ولابد من الإشارة إلى أن هذه النتاجات الإبداعية وما تلاها من تسجيلات أخرى بأصوات مؤدين آخرين، قد رسمت وفعلت الكثير في سبيل بلورة وصياغة الشكل المقامي الحديث والمعاصر… أن ما يهمنا هنا على كل حال، هو ليس سعة أو حجم القاعدة الجماهيرية من المتلقين الذين استقطبتهم هذه التسجيلات فقط، بل العدد الذي اجتذبته من صغار المؤدين الجدد أصحاب المواهب.. هذه التسجيلات التي أسهم فيها بانتظام مغنون كثيرون من مختلف الحقب الزمنية والاتجاهات الجمالية مثل جميل الأعظمي (1902 – 1967) ومجيد رشيد (1915 – 1982) وهاشم الرجب (1920 – 2003) وشهاب الأعظمي (1918 – 1997) وعبد الهادي البياتي وحسقيل قصاب (المتوفى 1969) وسليم شبث (المتوفى في 31 / 10 / 1981) وعبد القادر حسون (1910 – 1964) واحمد موسى (1905 – 25/8/1968) ورشيد الفضلي (1904 – 1969) وما تلاهم من مغنين … ورغم الحالة التقليدية في تتابع هذه التسجيلات بأصوات مؤديها المقلدين لغيرهم من السابقين، بيْدَ أن من المرجح أيضا أن يعثر المستمع لهذه المقامات المسجلة على بعض من هذه التسجيلات التي تتسم بخصوصية أدائية في معظم نواحيها بأصوات بعض المؤدين المبدعين الذين أُنجزت نتاجاتهم عند انتصــاف القرن وما بعد ذلك … من ناحية أخرى، يجب أن لا يدهشنا اهتمام النقاد الموسيقيين بهذه التسجيلات المنجزة في هذه الحقبة التي تلت مؤتمر القاهرة 1932، إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن هذه التسجيلات كانت في المقدمة عرضة لحركة نقدية نشطت في نفس الحقبة الزمنية التي بلغت هدفها نوعا ما … أن آثار هذا الاهتمام من قبل نقاد الموسيقى والنقاد المقاميين مثل جلال الحنفي و عبد الوهاب بلال وهلال عاصم وعبد الوهاب الشيخلي , تبدو محسوسة في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية بعدئذ , التي زخرت بها المجلات والجرائد اليومية في تلك الحقبة من انتصاف القرن ومازالت على هذا النشاط حتى وقتنا الراهن خاصة اهتمام الناقد الموسيقي عادل الهاشمي. ولا مجال للشك في كل الأحوال , بتأثر الأداء المقامي الحديث والمعاصر بنواحيه كافة بنوعية وقوة هذا النقد. أن هذه الحقيقة قد تكون ضئيلة الأهمية لو أنها تُميِّز فقط , ظهور الأربعة المبدعون الكبار حسن خيوكة وناظم الغزالي ويوسف عمر وعبد الرحمن العزاوي , الذين يُعدّون ضمن أفضل مغني حقبة ما بعد مؤتمر الموسيقى العربية في القاهرة عام 1932 … ولا يهمنا هنا إذا كان الاهتمام النقدي بمشكلات الأداء المقامي هو الذي أدى إلى هذا التطور، أو أن الاثنين لم يكونا سوى انعكاس لحاجة المؤدين إلى بعث الحياة في فنـِّهم الأدائي، فأول ما يهمنا هو حقيقة كون العقد الخمسيني قد شهد مثل هذا التطور في الفكر والمفاهيم الفنية للأداء المقامي أو بالأحرى في الغناسيقا العراقية على وجه العموم، وان النتيجة الجليِّة في أداء المقام العراقي في تسجيلات القاهرة عام 1932 كانت انتعاشاً وتبديلاً وتطوراً في الكثير من التعابير الأدائية والتأمُّلات 4* الحسيَّة والخيالات الحالمة ونحن نودع القرن العشرين ونستقبل القرن الواحد والعشرين , فنحن نستطيع في الأعم الأغلب قياس مدى هذا التطور في 1 - الأساليب الأدائية وتقوية تماسك البنائية اللحنية لمسارات غناء المقام العراقي. . 2 - الخروج عن طوق المحلية في التعبير المقامي وتنوعه. . 3 – تبلور وتطور النواحي الفنية في الأداء والتعبير.. 4 – وضوح لفظ الكلمة المغناة ومحاولة التعبير عن معانيها الأدبية والفكرية. . 5 – السهولة في التعبير والبناء اللحني. . 6 – الإعداد الموسيقي الجديد في غناء المقام العراقي وهو ما سمي بـ (المقام المصنوع) 5*. . إن الواضح على كل حال , هو أن المؤدين المقاميين في بغداد بل وحتى في محافظات الشمال كركوك والموصل وأربيل والسليمانية ودهوك التي تمتاز بممارستها لهذه الألوان الأدائية المقامية، قد اكتسبوا دفعاً جديداً وروحاً جديدةً واتجاهاً تعبيرياً خيالياً تأمُّليَّاً بصورة نسبية نحو فنِّهم الأدائي ولأول مرة في تاريخ هذا الأداء.
هوامش الفصل الثاني ------------- 1 * الطريقة القندرجية. . نسبة إلى المطرب رشيد القندرجي الذي أسس طريقة غنائية في المقام العراقي أصبح لها أتباع من المغنين وللباحث كتاب مطبوع موسوم (الطريقة القندرجية في المقام العراقي وإتباعها). . 2 *الطريقة القبانجية. . نسبة إلى المطرب محمد القبانجي الذي أسس طريقة غنائية في المقام العراقي أصبح لها أتباع من المغنين وللباحث كتاب مخطوط موسوم (الطريقة القبانجية في المقام العراقي وإتباعها). . 3 *المحتوى والشكل content and form كل شيء في الطبيعة والحياة لها محتوى وشكل , فالأول هو الجانب الأكثر أهمية حيث يعبر عن جوهر الشيء ويظهر خواصه وصفاته , أما الشكل فهو التنظيم الداخلي للمحتوى إذ يربط العناصر المكونة للمحتوى في كل موحد ولا وجود للمحتوى بدونه. . 4 * التأملية. . speculation فلسفة مثالية لا تعترف بمعطيات التجربة, بل تنظر إلى التأمل الذهني الخالص كمصدر وحيد للمعرفة.. والتأمل contemplation. Medltation استغراق الذهن في موضوع إلى حد يجعله يغفل عن الأشياء الأخرى بل عن أحوال نفسه, والتأمل عند الصوفيين درجة سامية من درجات المعرفة... 5 * المقام المصنوع. . سيأتي الحديث عنه لاحقا في الفصل الثالث من هذا البحث..
الحلقة (6)
ملاحظة / هوامش الفصل الثالث موجودة في نهاية الفصل, وليس في كل حلقة من حلقاته الفصل الثالث أثر تسجيلات القبانجي المقامية طيلة "75"عاما --------------------------------------------- أن إحدى الوسائل للنظر إلى ظاهرة أدائية امتازت برومانسيتها التعبيرية منذ تسجيلات محمد القبانجي في القاهرة 1932 هو أخذها على أنها اهتمام أوسع مدى بالمشكلات التي كانت قد غفل عنها كبار مغنينا السابقين رغم واقعية الأسباب. .. إذا ما استمرت هذه الظاهرة – والمفروض أن تستمر- فإنها قد تخفف من شعور العزلة والريبة والقلق من قضية حفظ وحماية هذا التراث الغناسيقي الذي يسيطر على المهتمين بشؤون المقام العراقي أو التراث الغناسيقي بشكل عام في الزمن الراهن … أن حسنات أو سيئات ظاهرة أدائية فنية تكنيكية 1* كهذه تهمنا فقط بمقدار ما يبدو من تأثيرها على مؤدينا المعاصرين من الجيل الحاضر، خاصة وان فرص تطور الثقافة أصبحت أوسع بكثير … وإذا كان هناك آثار سلبية لهذا الاتجاه الجمالي – كما يعبر عنها المعارضون التقليديون – في الأداء والتعبير والفن. ! تبدو هذه الآثار بأنها تنطوي على اتجاه نحو المحافظة على الأساليب القديمة أو نحو إنماء تسهيلات تكنيكية على حساب الموهبة والتعبير والأصالة 2* الأدائية … أن مثل هذا التفكير هو الذي يؤدي إلى الاستنتاجات المار ذكرها، أي أن مؤدينا المعاصرين في الأداء المقامي الذين يُفترض أن معظمهم قد تعلموا الكثير وأدركوا النواحي الفنية في الغناء والموسيقى خلال حقبة تعتبر كثيفة جدا في قياس جودة التسجيلات المقامية التي ظهرت منتصف القرن العشرين , أو في حقبة انتصاف القرن العشرين. . لقد كان من نتائج هذه الحقبة الإبداعية كأمر مسلَّم به هي أن الفنان المؤدي المقامي قد فهم وأدرك تقنيات أدائه حتى تسنى له أن يبدع ويترك لنا آثارا جليلة وكبيرة وعندما تصل عملية الأداء إلى هذا المستوى ليصبح الأمر الأدائي لا واعياً تماماً على وجه التقريب، فان المعرفة التي تكون قد أصبحت جزء من الفــــنان المؤدي نفسه تعمل على تكييف ذلك. . وكان من نتائج هذه الحقبة الإبداعية أيضا , التي بدأت منذ تسجيلات القبانجي تقريبا , كأمر ظهر جلياً , ظاهرة الصراع الفني الجمالي بين الطريقة الرشيدية التي كانت في ذروة كلاسيكيتها 3* والطريقة القبانجية القادمة ومضامينها الجديدة، وكان من نتائج هذا الصراع، أُفول الطريقة الرشيدية وسطوع نجم الطريقة القبانجية التي بشّرت بقيم جمالية جديدة وقيم فنية متطورة ومفاهيم أدائية تستحق الاهتمام والتقدير، وكان من هذه النتائج أيضاً ظهور مؤدين مقاميين استفادوا من هذا الصراع ولو بشكل عفوي , في تنويع أساليب أدائهم بشيء من الخصوصية المستقاة أصلاً من هاتين الطريقتين والطرق القديمة الأخرى مثل المغني عبد الهادي البــــياتي والمغني مجيد رشيد والمغني يونس يوسف. . من زاوية أخرى فان هذه الأساليب تعتبر إبداعاً يسجله التاريخ للمؤدين الذين تميزوا بأسلوب أدائهم المستقى …! وان من أهم الملاحظات الملموسة أن مقدرة المؤدي في التركيز على موضوعه الأدائي هي دليل إبداعه … أن الخطأ التقليدي للأداء المقامي الذي استمر لقرون كثيرة مضت، كان يبدو دائما افتقارا للاهتمام بالتكنيك الأوَّلي للفن، وهذا كما نعرفه عن تاريخ الأداء المقامي لتلك القرون التي مضت، يمثل تقييداً بالغاً للمؤدين في التقليد الطبيعي. بهذه الحصيلة من الحديث عن الإبداع الأدائي وبهذا المعنى، يعد المؤدي المقامي منذ تسجيلات القاهرة المقامية القبانجية ثائراً متمرداً على القيود القديمة التي أصبحت عديمة الجدوى في زمننا المعاصر، آخذاً بمبدأ التجربة سواء في الشكل أو المضمون … أن ذلك الخطأ التقليدي الذي اشرنا إليه عكَسَ الاتجاه البديهي الذي بتنا نعتبره مثالاً للأداء المقامي في العراق … وسيكون هنالك دوماً أسفٌ لضياع فترة الصِّبا وحيويتها. . على كل حال, نحن لا نقول أن النضج والبلوغ ليسا سوى أول علامات الاتكال، إلا أن هذا لا يعتبر انحلالاً.. بل انه تجميع للقوى التي لم تستغل حتى تلك الحقبة التي سبقت مؤتمر القاهرة عام 1932 … ومع ذلك فإنه يبدو من المرجَّح الآن كرؤية مستقبلية لحال الأداء المقامي والمقام العراقي بشكله ومضمونه بأننا سنضطر في يومٍ ما وبشكل يستمر إلى تطور أداء المقام العراقي ليدنو بصورة مستمرة من أذواق وجماليات العصر4* ومتلقيه ليكون على تماس دائم مع الواقع 5* والمستقبل 6*… ويجب أن لا ننسى بان المؤدين السابقين قد وطّدوا أنفسهم كمؤدي عصرهم البارزين دون شك. وان الأسباب الداعية إلى الملاحظات النقدية هذه حول نتاجاتهم وخط سيرها الفني، هو أن تلك الظروف سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو … أو.....الخ التي مرَّ بها بلدنا العراق أكثر إزعاجا لأي مواطن عراقي وعربي عندما يطلع عليها … وهي بالتالي أسباب ثقافية استسلم لها أكثر معاصريها من المؤدين من ناحية أخرى، فإننا نلاحظ، أن المؤدين الشباب أو الأكثرية الساحقة منهم، الذين ظهروا في النصف الثاني من القرن العشرين، قد امتازوا في عدم رغبتهم في التحرر من الشكل المقامي الصارم أيضا، كمعظم سابقيهم، حيث يبدو لنا، بان هذا الجيل المعاصر قد أفزعته واستثارته النماذج التي سبقته وثبّطت من عزيمته … ويبدو لنا، فيما يتعلق الأمر بناظم الغزالي أو يوسف عمر أو حسن خيوكة أو عبد الرحمن العزاوي رغم إبداعاتهم التي تستحق الذكر والتقدير ولكنها في الحقيقة استمرار لإبداعات أسلافهم القلائل وتطويراً لها، فكانت محاولات فنية تقنية أدائية أكثر منها ثورة جديدة على أولئك الأسلاف , أو هي تطويراً حقيقياً للثورة القبانجية في الإبداع والتغيير بعد تسجيلاته الشهيرة عام 1932 في القاهرة , حيث رافقته فرقة موسيقية تكونت من آلات موسيقية عراقية وعربية من خلال عازفيها المتميزين وهم , عزوري هارون على آلة العود ويوسف زعرور الصغير على آلة القانون ويوسف بتو على آلة السنطور وصالح شميل على آلة الجوزة وإبراهيم صالح على آلة الرق ويهودا موشي على آلة الطبلة 7*, بعد أن كان غناء المقام العراقي مقــــــتصرا على فرقة الجالغي البغدادي 8*, وبذلك يكون القبانجي رائدا في خلط هذه الآلات الموسيقـــــية في عمل غنائي موحد.. بصورة عامة , يبدو لنا أن هناك أملا كبيراً في أن يتجه الأداء المقامي ومؤدوه نحو علمية الأداء وجماليته العاطفية العصرية، كما هو الحال بصورة أوضح من غيره عند المؤدي ناظم الغزالي الذي يعتبر منعطفاً كبيراً جداً في إضفاء نواحي أدائية جمالية وفنية في روح الأداء المقامي، وسنبقى ننتظر من المؤدين اللاحقين نتاجات أدائية مقامية أقوى وأكثر أصالة. سواء في بغداد أو المحافظات الشمالية برمتها.. أن النصف الثاني لم يخلُ من محاولات أدائية في مثل هذه الاختبارات، فلو استمعنا إلى مقام المدمي (سلّمه حجاز) لعبد الرحمن العزاوي ونفس المقام من يوسف عمر وناظم الغزالي، نجد أن كلاً منهم قد حاول أن يدفع بتقنية الأداء إلى حدٍ يبزُّ به معاصريه، كذلك نرى أن الأسلوب الخفي الذي يعبر عن شخصية كلٍ منهم كان واضحا، ويبدو لنا أيضا أن كلاً من هؤلاء المؤدين وحتى غيرهم استقوا أدائهم من خبرتهم الخاصة للتعبير عن شخصياتهم، فعبد الرحمن العزاوي يؤدي منطلقا من كونه مؤديا تقليديا معبرا عن الروح الدينية والدنيوية في مسارات لحن هذا المقام. . ويوسف عمر يؤدي من كونه يتميز بالتقليدية الواقعية المتميزة بالسهولة والوضوح وناظم الغزالي يؤدي من كونه إبداعيا في رؤية معاصرة، فهذه الاتجاهات الجمالية الفنية التي تميِّز كل مؤدٍ منهم، تندمج في الحقيقة مع الأسلوب الخفي الذي يعبر عن شخصية كل منهم، لذلك لوْ عدنا إلى موضوع الأكثرية من مؤدي النصف الثاني وتميُّزهم بتقليدية الأداء العفوي، فإنه يبدو لنا بأن القلة القليلة منهم، هم الذين يسيرون في وجهة التطوير والخلق والإبداع، ومحاولة انتشال الأداء المقامي ومؤديه من الإصرار في أدائهم العفوي التقليدي الذين امتلكوه بالفطرة. ومن ثم دعم هذا الموضوع بالعلم والثقافة الموسيقية والمعرفة … تـوثيـــق التسجيلات الصوتية في الإذاعة العراقية بعد مؤتمر 1932 لقد كانت أولى الحفلات التي أقامها حسن خيوكة من خلال إذاعة قصر الزهور 9* منذ عام 1937 وغنى فيها تشكيلة من المقامات العراقية مثل مقام الأوج ومقام المدمي والأشعار مع الأبوذيات وغيرها، كانت ترافقه فيها فرقة موسيقية مكونة من آلات تراثية هي الجوزة والسنطور والرق والطبــــلة والنقارة (فرقة الجالغي البغدادي) ويزاد عليها أحيانا بعض الآلات العربية مثل العود والقانون والناي والكمان بالدوزان الشرقي10* لتصبح فرقة موسيقية يطلق عليها غالبا (التخت البغدادي العربي) 11*، واستمر في ذلك حتى دخوله إذاعة بغداد أوائل الأربعينات مؤديا الكثير من المقامات والحفلات على الهواء مباشرة كلما تسنح الفرصة لذلك، شأنه في ذلك شأن بقية المؤدين المعاصرين، حيث لم تسجل اغلب أو جميع هذه الحـفلات وذهبت هباءً مع الهواء إدراج الرياح. . أن أول بداية ليوسف عمر كانت عام 1952 في الإذاعة العراقية , حيث سجَّل مجموعة من المقامات والأغاني التراثية , واستمر بذلك بانتظام وفي هذه الحقبة قُدِّر لمعظم هذه التسجيلات سواء ليوسف عمر أو لغيره أن تسجل وتوثق وتحفظ على المدى التاريخي من خلال الإذاعة العراقية، لتطور الإمكانيات التقنية لأجهزة التسجيل الصوتي , وعلى هذا الأساس فإننا نستطيع على وجه العموم أن نتابع مسيرة هذا المطرب من خلال نتاجاته المسجلة في الإذاعة أو في التلفزيون بعدئذ 12*. أما بداية المطرب الكبير ناظم الغزالي فقد كانت ضمن فرقة تمثيلية اشتهرت في بغداد على نطاق واسع في تلك الحقبة، وهي فرقة (الزبانية) 13* المنبثقة من طلبة معهد الفنون لجميلة فرع التمثيل حيث كان الغزالي احد طلبة المعـــهد في هذا الفرع , ولم يدرس الموسيقى. .!!! حتى قدِّر له أن يجرِّب حظه في الغناء، فنال النجاح العظيم، الذي لم يحسب له الغزالي أي حساب . . وكانت أولى أغانيه الحديثة (وين الكه الضاع مني) التي لحنها له الفنان سمير بغدادي (وديع خوندة) وذلك بعد دخوله دار الإذاعة العراقية عام 1948… وعند تأسيس الفرقة التمثيلية (فرقة الزبانية) التي كان الغزالي احد أعضائها البارزين … قدَّموا عدة مسرحيات وتمثيليات كان يعدها ويخرجها عميد المسرح العراقي ورائده الكبير حقي الشبلي، وعليه كانت مهمة ناظم الغزالي ثنائية في كثير من الأحيان، فهو يمثل وهو يغني، واستمر الحال حتى استقلاله عن الفرقة واعتماده مطربا من الدرجة الأولى في إذاعة بغداد أواخر الأربعينات … ومن حسن الطالع أن بدايته هذه عاصرت ظهور موسيقيين كبار من خريجي قسم الموسيقى في المعهد والذين قدِّر لهم أن يغيِّروا موازين الثقافة الجمالية للموسيقى في العراق أمثال حسين عبد الله عازف على آله الطبلة الإيقاعية وجميل بشير وسلمان شكر ومنير بشير وخضير الشبلي وسالم حسين وغانم حداد وناظم نعيم وغيرهم الكثير. . أما بالنسبة إلى بداية عبد الرحمن العزاوي المتأخرة نسبيا , فقد كانت بعد لقائه بالخبير المقامي الشهير الحاج هاشم محمد الرجب الذي كان يرأس لجنة اختبار المطربين المقاميين للانضمام إلى الإذاعة والتلفزيون كمطربين مقاميين معتمدين في هذه الدار. الذي استمع إلى العزاوي في إحدى المناقب النبوية الشريفة 14* وفي هذا اللقاء تم الاتفاق على مثول العزاوي أمام لجنة الاختبار في الإذاعة والتلفزيون بعد مفاتحة العزاوي للرجب بهذا الشأن , فوافقت عليه اللجنة بعد الاختبار لتسجيل بعض المقامات , فسجَّل أول مقام له وهو مقام الراشدي (سلّمه جهاركاه) مع فرقة الجالغي البغدادي المكونة من عازفي الجوزة والسنطور شعوبي إبراهيم وهاشم الرجب نفسه , ونستطيع أن نقول أن معظم أو جميع تسجيلات عبد الرحمن العزاوي في الإذاعة والتلفزيون موجودة ومحفوظة 15*… ولعل المشكلة الأكثر تعقيدا في موضوعنا هذا، هي تسجيلات حسن خيوكة المقامية الأولى أي منذ دخوله إذاعة قصر الزهور 1937 وحتى بداية الخمسينات، غير موجودة ولم يعثر على اثر لها حتى الآن، وأرجح الظن أنها لم تسجَّل في وقتها، فقد كانت حفلات إذاعية على الهواء مباشرة دون تسجيل لها، لذلك فقد كان خيوكة يعيد غناء هذه المقامات مرَّات ومرَّات حتى سنحت الفرصة لتسجيلها وتوثيقها أواخر الأربعينات حتى بداية الستينات التي لم يكتب له القدر أن يعيش معظمها، وتقديري الشخصي، أن خيوكة نفسه لم يضمن أن مقاماته التي غناها خلال الحفلات الحية التي كانت تذاع للمطربين في كل أسبوع قد تم تسجيلها فعلاً على سبيل التوثيق. . لذا عكف على إعادتها مرَّات عديدة حتى سُجِّلت في دار الإذاعة العراقية. . أواخر الأربعينات ومطلع الخمسينات..
أهمية النتــاجات المسجــلة من المؤكد على كل حال، أن يكون من كبير الخطأ اعتبار مقامات مثل مقام الدشت (سلّمه بيات حسيني) أو مقام الأوج(سلّمه هزام) أو مقام المدمي أو الأشعار مع الأبوذيات أو مقام الراشدي(سلّمه جهاركاه) أو مقام الشرقي رست(سلّمه رست) أو مقام الأورفه(سلّمه بيات حسيني) أو مقام الهمايون(سلّمه نكريز) أو مقام الأوشار(سلّمه سيكاه) التي غناها كل من المطربين الإبداعيين الأربعة الكبار خيوكة وعمر والغزالي والعزاوي … من الخطأ اعتبار هذه المقامات مجرد مقامات صغيرة وبسيطة وليست كبيرة الشأن في تاريخ مسيرة كل منهم الفنية … وذلك لأن الأعمال لا تحسب لسعة حجمها أو تعقيداتها بالضرورة، بل ينظر إليها بشكل أوسع على أنها كيف أُديت وكيف أُنجزت وما قيمتها الفنية وقيمة بنائها الديناميكي ومتانة العلاقات الداخلية كعمل موحد. طالما كان غناء هؤلاء المطربين المبدعين للمقامات التي سجلوها، ناجحا في قيمها الفنية وحبكتها الديناميكية وتماسك علاقاتها كعمل موحد، وناجحا في إظهار الإمكانيات الفردية لكل منهم في الأداء المقامي، فان جميع إعمالهم تعتبر ناجحة وتشكل تاريخا فنيا طيبا لهم , بل تاريخا مقــــاميا منــجزا يحسب في القرن العشرين 16*. . وبالإجمال فإننا نستطيع أن نضيف إلى إعمالهم هذه، الأعمال الكبيرة التي سجَّلوها، مثل مقام الرست لحسن خيوكة وهو من المقامات الرئيسة والكبيرة الذي يمكن أن نعتبره أفضل انجازاته الأدائية دون تردد. وبه اشتهر خيوكة واستقام، إذ أكد من خلاله انه قادر على أداء المقامات الصغيرة والكـــبيرة بمـــستوى ناجح ذي بناء متماسك. . وكذلك المقامات الكبيرة والرئيسة التي سجَّلها يوسف عمر التي نجح فيها أيضا، ذلك النجاح الذي اعتبر مميزا بين معاصريه.. مثل مقامات الرست والحجاز ديوان والبيات والمنصوري(سلّمه صبا) والنوى(من النهاوند) والسيكاه و.. و ورغم أن مقام الصَبا ليس بالمقام الكبير من حيث تفصيلاته الفولكلورية المقامية الأدائية، بيْدَ انه سلَّم ومقام رئيسي كان قد غناه ناظم الغزالي بجمال خلاَّب بالقصـيدة الشهيرة (سمراء من قوم عيسى) في دار الإذاعة العراقية. . ثم غنى نفس هذه القصيدة في الحفلات التي أقامها بالكويت قبيل وفاته بفترة ليست طويلة بأسلوب مقام الجهاركاه. . أما المطرب عبد الرحمن العزاوي فقد أدى هو الآخر مقامات رئيسة وكبيرة بنجاح جيد في الأعم الأغلب. . منها مثلا مقامات العجم عشيران والخنبات(سلّمه يستقر على البيات مع إظهار جنس النهاوند) والحجاز ديوان والرست والسيكاه والمنصوري.
تحـول في جمالـيات التعبيــر لقد بات أمراً شائعاً في أية دراسة تتحدث عن أعمال ونتاجات المطربين المبدعين الذين ظهروا بعد عام 1932 خلف رائدهم ومثيرهم الأول محمد القبانجي , كخيوكة وعمر والغزالي والعزاوي , وناظم الغزالي على وجه التخصيص، أن يشار إلى إثباتات في أداءاتهم المقامية التي يبدو أنها تدل على تحول واضح، من الأساليب الغنائية التقليدية القديمة وجمالياتها التعبيرية التي يبدو أنها استهلكت وباتت في حاجة إلى رفدها بروح تعبيرية فنية جديدة … إلى اتجاه جمالي جديد سمح ومعاصر انطلاقا من روح الإبداعات المستجدة في تسجيلات محمد القبانجي عام 1932 لتقبل الأحوال التطورية والثقافية والمستجدات المعنوية في الحياة التي تسير بسرعة كبيرة، ودقائق نقضيها في سماع مقامات معظم المؤدين الذين سبقوا الغزالي وكذلك المقامات التي غناها الغزالي أو زملاؤه المبدعون خيوكة وعمر والعزاوي , لاستطعنا أن ندرك سريعا مدى الفوارق الجمالية والفنية بين هؤلاء المبدعين عن سابقيهم. . وكذلك فإنني أرى أن هذه المقامات التي غناها الغزالي مثل مقامات الحويزاوي(سلَّمه حجاز) والبهيرزاوي(سلَّمه بيات) والصَبا والحكيمي(سلَّمه هزام) وغيرها , أو زملاؤه المبدعون , مثل المقامات التي أداها حسن خيوكة كالرست والدشت(سلَّمه بيات حسيني) والمخالف17* أو المقامات التي أداها يوسف عمر كمقامات البيات والحجاز ديوان والمنصوري(سلَّمه صبا) أو المقامات التي أداها العزاوي كمقامات الراشدي والعجم عشيران وغيرها. . يمكن اعتبارها نقطة انطلاق جمالية وذوقية قرَّبت كلاً من المقام العراقي كغناء تراثي, والجماهير الواسعة لبعضهما.. أكثر من أي وقت مضى، وبذلك فقد استطاع هؤلاء المبدعون من المؤدين المقاميين أن يصلوا إلى مستوى التعميم 18* الذوقي والجمالي والتأثيري في المجتمع , وان يجعلوا المقام العراقي غناءً جماهيريا لكل فئات الشعب الذوقية والاجتماعية على حد سواء. . أن تطورا كهذا يبدو أكثر وضوحا في تسجيلات المقامات التي سجِّلت داخل الأستوديو الإذاعي، حيث تتسنى دقة متناهية نموذجية في هندسة التسجيل الصوتي.. مقارنات جمالـية لقد بُحثتْ مقارنات بين نتاجات المغنين المقاميين من الذين ظهروا بعد مؤتمر القاهرة 1932 الأربعة الكبار حسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبد الرحمن العزاوي كمغنين مبدعين من جهة , وبين نتاجات معاصريهم المقاميين من جهة أخرى، وهناك شبه بسيط ولا ريب في بعض خصوصيات الأداء فيما بين الجميع، إلا أن المغنين الذين عاصروا خيوكة ويوسف عمر والغزالي وعبد الرحمن العزاوي، كان معظمهم تقليديين جداً، حتى يخيَّل عند الاستماع إليهم من قبل الجماهير أنهم يصورون عقم الحياة المدنية والحديثة والمعاصرة التي امتازت بكثرة التغيُّرات والتحوُّلات في جميع الميادين , من خلال تعايرهم وأساليب عروضهم البائسة، أن هذه المقارنات على كل حال مهما بلغت درجتها من الصحة يبدو أنها أوثق فيما بين المؤدين المبدعين الأربعة الكبار, لِما يمتاز كل منهم بأسلوب أدائي إبداعي خاص من حيث المبدأ ومن حيث المنحى، أن خصوصية إبداع وأسلوب كل منهم مغاير للآخر رغم استقائهم من ينابيع أدائية متشابهة , وهنا تكمن قوة إبداعهم، لتحقيق وحدة العمل الجوهرية، كعمل مقامي محافظ على شكله، وقد يبدو أن حسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبد الرحمن العزاوي، والغزالي وخيوكة على وجه التخصيص، يعمدون إلى التوسع في إضفاء التعابير الخيالية المتسمة بالجمال العاطفي الرومانسي المتأمل لتسجيلاتهم المقامية، وتبقى الحقيقة مع ذلك، هي انه بالرغم من كون هذا المزاج الأدائي لكل من هؤلاء المؤدين المبدعين يضيف مستوى آخر بارزا يحسب لهم كقيمة فنية إلى الحصيلة العامة لنتاجات غنائية مقامية أو حتى غير مقامية لكل مغن من المغنين الآخرين.
الحلقة (7) قـيم فنية جماليـة
أن الغناسيقا بأسرها، تستند إلى القيم الفنية المتعارف عليها، وهي في العادة قيم فنية وُجِدت كضرورات لحاجة المتلقي والمتذوق لهذه النتاجات، أن عالم المُثل والقيم والأخلاق 19* والتربية والإرشاد. . هو في الحقيقة جزء من العالم الحي للنشاط الإنساني الذي يهدف الفنان إلى تصويره في فنِّه. وهكذا لجأ المؤدون المقاميون الناجحون إلى هذا التفاؤل الأدائي 20*، عندما كانوا في كثير من نتاجاتهم المقامية يعالجون قيماً جمالية لعالمِنا المعاصر، وهكذا أيضا نرى أن المغنين المقاميين الكبار السابقين أمثال احمد الزيدان (1832 – 1912) وحمد بن جاسم أبو حميد(1233هـ1298) وخليل رباز(1924 – 1904) وجميل البغدادي (1876-1953) وعباس كمبير الشيخلي(1883-1971) ورشيد القندرجي (1886 – 1945) ومحمد القبانجي (1901 – 1989) ونجم الشيخلي (1893- 1938) واللاحقين لهم كصدِّيقة الملاية (1900-1970) وجميل الأعظمي (1902 – 1967) وسليمة مراد (1905-1974) وسلطانة يوسف (1910- 1995) وشهاب الأعظمي (1918 – 1997) وعبد الهادي البياتي (1911-1974) ومجيد رشيد (1915- 1982) والأربعة الكبار حسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبد الرحمن العزاوي وغيرهم، قد أبدعوا في التعبير عن حقبتهم الجمالية في زمنهم المعاش , رغم تميَّز رائد الإبداع والتجديد محمد القبانجي والأربعة الكبار في تجاوزهم حقبتهم نحو تأملات المستقبل وهو ما أجمعت عليه كل الكتابات النقدية والآراء الفنية للمتخصصين والعاملين في الوسط المقامي … على كل حال، ثمة منطقية في القول، بان المغني العصري قد استلهم أسلوبه الأدائي الخاص من هذه القيم، في الوقت الذي يرى فيه الباحث أن يومنا هذا قد تضاءل فيه إيمان فناننا بما كان عليه في الماضي. فقد أمست الحياة أسرع منه وحصلت فجوة جمالية ما انفكت تزداد وتتوسع , ليس في مجتمعنا فحسب , بل في كل المجتمعات رغم تفاوتها … وسيبقى الاعتماد على مواكبة هذه الجماليات وروح العصر الذي نعيشه على الاستثناءات الجمالية والإمكانيات الإبداعية الفذة للقلَّة من الأفراد الفنانين الذين يوهبون فطرة التعبير عن حقبتهم، بل عن مستقبلهم … الأمر الذي يساعد على تقريب أو ردم هذه الفجوات في الرؤية الجمالية والذوقية … في محاولة جادة لتجديد القيم القديمة بأساليب تؤثر في المتلقي المعاصر كأُمور هي من صلب حاضره المباشر وذات علاقة برغباته المعقدة … على كل حال. . هناك شعور أو تصوُّر أو إدراك دائم من قبل الفــــنان خاصة والمتلقي عامة.. بأن عدم الرضا هذا يمثِّل حالة الفنون جميعا. هذا بالرغم مما أنجزه كل من المغنين المبدعين أو أستاذهم الكبير محمد القبانجي قبلهم أو حتى كل المبدعين الآخرين على قدر إبداعهم بصورة عامة. أن على كل فنان أن يدرك استحالة وصول عصره، أو أي عصر آخر، إلى معرفة الحقيقة النهائية أو المطلقة لواقع التعبير عن هذا العصر أو ذاك.. لأن الزمن مستمر وان التحولات سائرة بلا هوادة. . ولكن تبقى محاولات الوصول إلى أقصى ما نستطيع من الإبداع والتطور ومواكبة العصر الذي نعيش فيه للِّحاق بالرَّكب الحضاري والتعبير عن حياتنا من ماضيها حتى حاضرها ومستقبلها تـحولات جماليــة أن الجماهير المتذوقة للغناسيقا قبل العقد الرابع من القرن العشرين، كانت راضية عن جمالياتها ومقتنعة بالأساليب الأدائية المطروحة 21*… إلا أن ذلك الرضا أصبح منعطفا بعد مؤتمر القاهرة عام 1932 مع احتمال انطباق ذات الأمر على مجمل الشعوب العربية , وبذلك فقد كانت الأسئلة التي بدا أن الفنانين قد طرحوها عن وعي أو دون وعي. .
- أي من قيم الماضي الفنية والجمالية هي المناسبة ؟ - وعلى أي أساس تقوم تلك القيم ؟ - وهل هناك قيم جديدة يمكن أن نجعلها أكثر ملائمة لحاضرنا ومستقبلنا.؟ - وهل هي أيضا مناسبة ؟ - أو هل هي ذات ارتباط بالتعبير عن ظروفــنا الحديثة والمعاصرة ؟22*
هذه الأسئلة ومثيلاتها، كان يبدو أنها تكمن وراء فنيَّة وجمالية وإمكانية كل من حسن خيوكة ويوسف عمر والغزالي وعبد الرحمن العزاوي في العراق … أو أي مبدع آخر حتى في المجالات الإبداعية الأخرى، فنون أو غير فنون , أن تأثير الأحداث الجسام هذه على المجتمع أثرت على المبدعين الراحلين كما أنها بالتأكيد ستؤثِّر على سيماء وخلجات المعاصرين وتطبع على مجمل الإنتاج مسحةً متميزة تدل على التأثير العميق لطبيعة هذه الأحداث , أما المبدعون فنظرة متفحصة إلى خيوكة مثلاً نراه يعبِّر عن هذا التأثر في غنائه بهدوء بالغ وفي إحساس دقيق من فيض العاطفة وشجن خلاب جميل بصدق واضح عن تجربة كبيرة وهامة في حياته … فهو يعبِّر عن مأساته ويعاتب التاريخ والقدر أجمل عتاب خُلُقي تعبيري , ومن خلالها يتبنى مآسي المجتمع عموما بروح رومانسية لا يُملُّ منها أبداً، فهو يتخذ كل حياته مجالاً رحباً في بناء أسلوبه الأدائي في المقامات التي سجَّلها بصوته الرقيق المضـامين الأسلوبية بعد 1932 أن أهم ما يميِّز المبدعين عموما في التعبير عن الحقيقة والواقع المعاش، واهم ما يميِّز محمد القبانجي وتلاميذه المبدعين حسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبد الرحمن العزاوي أو غيرهم من المؤدين المقاميين. . هو استعمال أسلوب تعبيري ندرك من خلاله أنهم يدركون ويفهمون مشاكل المجتمع، فيوسف عمر يعتمد على وسائل أسلوبيه محافظة على روح البيئة البغدادية واشد محافظة على الشكل المقامي بأصوله التقليدية، فمهمة يوسف عمر تبدو مهمة تاريخية كان واجبها نقل هذا التراث الغنائي والموسيقي من السابقين إلى اللاحقين بكل أمانه دون زيادة أو نقصان من حيث الشكل , لكنه تلاعب في المضمون حيث عبَّر بصورة حاكى فيها أذواق عصره وكسب من خلالها جماهيرية طاغية. . ولعلَّ الأمر يقترب كثيرا من هذا المعنى بالنسبة إلى المطرب عبد الرحمن العزاوي الذي كان يتمتع بشاعرية جميلة في تعبيره الأدائي أوصلته إلى الجماهير بصورة مباشرة. أما الغزالي فقد كان يعتمد على وسائل أسلوبية منوعة بين الوصف الافتراضي والمخاطبة المستفيضة للموضوع والحضور المسرحي والأناقة التي يهتم بها كثيرا وكذلك في اختيار مادة كلامه المغنى من كلمات الأغاني أو الزهيريات23* أو القصائد الشعرية ذات المفردات الغنائية والمعاني المناسبة. على كل حال – أن أياً من المغنين المبدعين لا يكتفي بمجرد تصوير بسيط لهذا الثالوث (الماضي والحاضر والمستقبل) بل أن كلاً منهم يرى أن موضوعه التعبيري قد صدق فيه وجاء عفويا وانعكاسا طبيعيا للواقع المعاش ورؤية متعددة الأشكال لهذه الأزمنة.. إن غناء المقامات أو الغناء التراثي بصورة عامة لا يقوم على مبدأ توضيح اتجاهات وأفكار يسبق توقعها، بل العكس صحيح، لأن الصدق في التعبير هو محور القضية... من ثمــار- 75 – عاما (المقام المصنوع) إن الفترات الزمنية التي ظهر فيها محمد القبانجي وتسجيلاته المقامية 1932 واللاحقين من بعده، تعتبر انعطافا في الفن العراقي بحق , لوقوع بعض الأحداث الفنية المهمة، منها تأسيس الإذاعة العراقية أوائل الثلاثينات وفي نفس الزمن تأسيس معهد الفنون الجميلة الذي تخرَّج منه ناظم الغزالي ممثلاً … وكان قد عاصر الغزالي منذ فترة الدراسة كزملاء في المعهد فنانون موسيقيون أصبحوا فنانين كباراً لهم شأن كبير في الموسيقى , استطاعوا أن يُنهِضوا بالفن الموسيقي إلى أعلى المراتب الفنية والعلمية والجمالية، وخلاصة القول نلاحظ أن التسجيلات المقامية التي أُنجزت في الفترة المعاصرة لخيوكة والغزالي وعمر والعزاوي الواقعة في عقود الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن العشرين ، كانت على نوعين من الأداء … إذ يمكن أن نلقي بعض الضوء على هذه التسجيلات من ناحية أخرى … حيث أن المقامات التي أداها المطربون المقاميون في الحقب السابقة لمؤتمر القاهرة عام 1932 ، كانت قد أديت كما وصلت كموروث غناسيقي من حيث الشكل والمضمون أباً عن جد، من السابقين إلى اللاحقين، دون تدخل العقل بصورة مباشرة في أدائها، وأعني بذلك أنها أُدِّيت بوعي عفوي تلقائي تقليدي من حيث أداء القالب التراثي (form) مع الموسيقى , أي مقدمة موسيقية بسيطة أو بدونها. . وهو ما نلاحظه في تسجيلات رشيد القندرجي ومغني جيله بل وحتى تسجيلات محمد القبانجي الأولى التي سجلها في ألمانيا في عشرينات القرن العشرين , كانت بداية جيدة لتطور العمل الفني بصورة عامة ثم يتابع الموسيقيون المطرب حتى نهاية المقام ثم تأتي الأغنية التي تتبع المقام (بسته)24 * دون أن نستمع إلى وضع أو إدخال تحليات أو إضافات تذكر لمثل هذه الأعمال المقامية لأجل إبراز دور الموسيقى، حتى يصل الأمر في معظم الأحيان إلى استغنائهم عن إجراء التمارين الكثيرة (البروفات) لأعمالهم قبل تسجيلها..!! 25* وهذا يعني من جانب آخر أن دور الموسيقى كان ثانوياً. .!! ولكن ما أن تخرَّج طلبة الدورات الأولى في قسم الموسيقى بمعهد الفنون الجميلة حتى ظهرت ثمرات طموحاتهم الفنية والذوقية، فبدؤوا أولا بإعداد مسبق للأعمال الغناسيقية بصورة عامة اعتمد على حيِّز جيد من التفكير الموسيقي ومن جماليات الذوق المعاصر وبصورة ملفتة للسمع والنظر. . ذي علاقات فنية متماسكة جماليا، وبناء فخم من الإعداد المتقن، بحيث عادت إلى الموسيقى قيمتها الحقيقية , وأعتقد أن معظم المطربين المعاصرين لهذه الحقبة كان لهم حظَّاً في إنتاج هكذا أعمال معدة فنياً وموسيقياً وقد أطلق على هذه المقامات من قبل النقاد والمتخصصين في الشأن المقامي بـ (المقامات المصنوعة أو المقام المصنوع) ولعل المطربين المبدعين, والغزالي على وجه الخصوص , كانوا أوْفر حظاً في إنتاج إعمالهم بهذا الأسلوب الفني. وبلا شك أن الرؤية الجمالية والإحساس الكبير بفنية الأداء التي يمتلكها ناظم الغزالي بالفطرة يشاركه كذلك حسن خيوكة في هذا الأمر إضافة إلى الزميلين الآخرين يوسف عمر وعبد الرحمن العزاوي قد ساهمت هي الأخرى متفاعلة مع مضامين وجهود العمل الغنائي الذي قاموا بأدائه وسُجِّل لهم كمقامات عراقية ستبقى تسمع إلى زمن يطول كثيرا … وضمن هذا الموضوع يجدر بنا أن ننتبه عند سماعنا المقامات التي أنجزها ناظم الغزالي إلى أنها ظاهرة فريدة من نوعها من حيث الأداء الفني والتأملات الرومانسية التي كان رائدها حسن خيوكة والذي كان ناظم الغزالي معجبا به26* , ومقامات الغزالي مثل مقام الحويزاوي ومقام البنجكاه(سلّمه رست) ومقام الصبا ومقام المخالف. . وفي مقام الحويزاوي (سلَّمه حجاز)الذي يغنيه الغزالي بقصيدة للبهاء زهير , نلاحظ قيمة الإعداد الموسيقي ودوره الفني في النـــــــتاج مع أغنية (وشبان مني ذنب). . ويصل ناظم الغزالي قمة أدائه الفني في مقام البنجكاه الذي بزَّ فيه من ناحية الأداء الفني كل معاصريه بقصيدة جعفر الحلي. . وكذلك مقامات حسن خيوكة مثل مقام الرست بإعداده المميَّز ومقام الدشت ومقام الأوج ومقام المدمي والشعر مع الابوذية27*. . إضافة إلى المقامات التي أداها يوسف عمر مثل مقام العجم عشيران والأشعار مع الأبوذيات ومقام الإبراهيمي(سلّمه بيات) ومقام الكرد. . وكذلك مقامات عبد الرحمن العزاوي مثل مقام الحكيمي(سلّمه هزام) ومقام الشرقي رست. . تسجيلات مقامية تعتبر خطوة إلى الأمام في سبيل تنمية العنصر الذوقي والجمالي، أن هذه التسجيلات في منحاها الإعدادي الفني التي سار عليها معظم المعاصرين واللاحقين من المؤدين المقاميين، كانت منعطفاً إبداعيا جديداً بحق… أن حيرة بعض من الجماهير الذين يكنُّون أقل احترام للإبداع والتجديد. تنتج عن ميل مجتمع شديد التمسك والمحافظة على الشكليات والتقليديات للإبقاء على جماليات انتهى رونقها، وأذواق وتعابير باتت صلتها بالحياة الحاضرة واهية أو شبه معدومة أو معدومة في بعض الأحيان … عكس ميول مجتمع يمتلك وعياً ثقافياً ورؤية متحررة إلى إنكار كل بناء تعبيري جمالي شكلي تقليدي مستهلك فقدَ مقوِّمات وجوده في العصر الراهن. هذه هي المتناقضات التي فتش عنها الباحث وسال عنها واطلع على المصادر في التسجيلات المقامية التي خلفها لنا كل المؤدين تقليدين وتجديديين. . إنها دراما بين الجميع. . دراما يحتدم صراعها على طول الزمن بين القديم والجديد، وهذا هو شأن الحياة وإحساسنا بها.
المقام العراقي في خمس وسبعين عاما الحلقة (8) حقـــبة انتصاف القرن العشرين
إن قضية الأداء في حقبة انتصاف القرن العشرين التي تعتبر امتداداً أصيلا لحقبة التطورات والتغيرات والتحولات في العقود الأولى للقرن العشرين التي كانت هي الأخرى منعطفاً للبشرية جميعاً والتي كانت بوادرها في العراق منذ أواخر القرن التاسع عشر متزامنة مع السرعة المذهلة في تطور الصناعة والتكنولوجيا بصورة عامة وأجهزة الحفظ والنشر والتسجيل والاتصال. أن هذه الحقبة ستبقى مستمرة بشكل أكثر إدهاشا وذهولاً كلما مضى الزمن، طالما أن الحياة ومتغيراتها أصبحت سريعة بصورة تكاد أن تكون تعجيزية بحيث أصبح اللحاق بها أو مواكبتها أمرا صعباً يحتاج إلى وعي وثقافة متحضرة ومتفتحة … إن حقبة انتصاف القرن العشرين هذه تفترض الحيرة بصورة مباشرة، إذ تفترض أن الوسائل والإمكانيات الثقافية والفنية والموسيقية عاديَّة ولا تُلبِّي كل الطموحات في بلورة إبداعاتنا وتأصيلها لمعالجة مشاكل المجتمع العاطفية والذوقية، أن المشاكل الفنية موجودة في كل مجتمع، وهذه هي مشكلتنا ولابد لها أن تكون قابلة للحل الإبداعي … أن هذه الحقبة أيضا تفترض علاوة على ذلك، بان المتلقي يكون قد قطع شوطاً هاماً في عملية الفهم والإدراك الذاتي إذا ما تعلَّم أن يحيا بالمعرفة، وهذه هي (التجربة)28* التي ينبغي أن يعيشها الجميع. . على كل حال. . فإن الوسائل والإمكانيات المتاحة التي بها يحصل الاكتشاف والابتكار والإبداع، هي مادة مضمون الأداء، سواء مضمون أداء خيوكة أو يوسف عمر أو الغزالي أو العزاوي أو غيرهم من المبدعين عموماً، هي الاكتشاف بأن العنصر الثقافي والجمالي للمتلقي لم يعد يقتنع أو يرضى بالنتاجات التي تعتمد على الفطرة والعفوية فقط، والملاحظة الأخرى هي أن الاكتشاف الآخر في هذا الأداء هو فهم وإدراك المتلقي لحاجته الثقافية والذوقية والجمالية لأكثر أساليب الغناسيقى كذلك فإن الأداء في حقبة انتصاف القرن العشرين قد اقترب في التعبير عن قضية الإنسان العراقي الحديث والمعاصر في بحثه عن الاعتبار وسط خواء القيم الفنية القديمة. وهكذا نرى أن (التجربة) أوصلتنا في هذه الحقبة إلى إدراك أن المعرفة العلمية للموسيقى ودراستها أمراً لابد منه.. وبدون ذلك ستبقى حتى إبداعاتنا الاستثنائية دون الطموح بكل تأكيد، وأبسط ملاحظة في ذلك ما كان من تفوق حقبة انتصاف القرن العشرين على ما سبقها من أساليب الأداء العفوي والنقل الببغاوي للمادة المقامية التراثية الذي يحتم بناء جاذبيته بالدرجة الأولى على مقاييس القيم الفنية القديمة إن إدخال الفكر الموسيقى في عملية الأداء والإبداع ومزجه مع مضامين الفطرة كمادة أدائية تراثية، يعالج مشكلة الفن والجمال والذوق المعاصر بصورة مباشرة. وهكذا فإن (التجربة) في إعداد المقام العراقي وباقي الأغاني عند أدائها بأسلوب الحقبة كالمقامات التي أُعدت موسيقياً لخيوكة والغزالي ويوسف عمر والعزاوي وغيرهم من المعاصرين، تُظهِر جمالية هذه (التجربة) وجعلها بداية فنية جمالية سار على نهجها اللاحقون وأضافوا إليها، لتجديد المواقف الجمالية التي تجري فيها الإبداعات الأكثر شمولاً …إنها أكثر إبداعاً، لا لكونها أكثر معاصرة في التعبير عن جماليات الحقبة، بل إن الأساس الجمالي الذي اقترن بالمعرفة والدراسة الموسيقية قد جسَّم وشخَّص الأسلوب القريب في التعبــــــير عن ذوق ملائم لها … هذه المقاييس الأدائية الفنية والجمالية في التعبير عن ( التجربة) والتحولات التي اتسمت بها، والتي أصبح بموجبها الإدراك الفني والجمالي، لا مجرد مشكلات عاطفية بسيطة، أنها مشكلة أحاسيسنا بكل ما يحيط بنا، وهي أيضاً مشكلات جماليات الإنسان المعاصر في مجتمعنا … على كل حال، إن هذه المشكلات هي بالتالي مشكلاتنا جميعاً في عصرنا الراهن، وستبقى كذلك إذا لم نعِ هذه المشكلات خاصة ونحن نعيش في مجتمع نامٍ يحتِّم علينا الوعي والإدراك الكبيرين بما مطلوب منا في اللِّحاق بركب الحضارة التي يعيشها إنسان اليوم في دول العالم المتقدم، فلابد إذن أن نعي وجودنا وندرك قيمتنا ونعمل ما بوسعنا. لعل هذا هو أقرب ما باستطاعتنا الوصول إليه في تلخيص الموضوع ووجهات النظر النقدية، أو ما أُلقي بعض الضوء حول الإنجازات الفنية المقامية لأبرز المطربين المبدعين في القرن العشرين بعد أستاذ الجميع المبدع الأول محمد القبانجي، ونعني بذلك - حسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبد الرحمن العزاوي – الذين تعد نتاجاتهم المقامية من أفضل الأعمال المرموقة في فن أداء المقام العراقي في القرن العشرين , والذين استطاعوا مع أستاذهم القبانجي بنتاجاتهم توجيه الذوق الجمالي والفني في بلدنا إلى تيار خيالي تأملي رومانسي لأول مرة فيه كل التفـــــاؤل والأمل . قيـمة نتاجات المغنين المبدعين ومن ناحية أخرى، فنحن لا نقِّيم التسجيلات المقامية التي خلفها لنا محمد القبانجي ولاحقيه على أساس الإنجاز الفردي، بالرغم من إمكانية تشخيص أن الأغلبية الساحقة من تسجيلات محمد القبانجي وتسجيل مقامات الرست والدشت والأوج لحسن خيوكة ومقامات البنجكاه والحويزاوي والصبا لناظم الغزالي ومقامات العجم عشيران والإبراهيمي والبيات ليوسف عمر ومقامات العجم عشيران والحكيمي والشرقي رست لعبد الرحمن العزاوي … هي من أفضل ما تم إنجازه من تسجيلات غناء المقام العراقي من الناحية الفنية والذوقية والأدائية في القرن العشرين , أن لم تكن أفضلها فعلاً، إلا أنه من العسير الإثبات أن هذه التسجيلات الغنائية المميَّزة التي خلفها لنا هؤلاء المطربون الكبار، بأنها أقوى تأثيرا من جميع التسجيلات التي ظهرت من خلال أداء المطربين الآخرين في القرن العشرين، صحيح أن القيمة النهائية لكل من هؤلاء المطربين المبدعين خيوكة والغزالي و عمر والعزاوي فضلا عن أستاذهم القبانجي، تتمثل في تفوق تسجيلاتهم المقامية، ولكن هذه القيمة تقوم أيضا كامتداد لذلك التفوق في المجموع الإجمالي الرائع لأعمالهم، وهو تفوق فني وذوقي قد لا يمكن لغيرهم من السابقين والمعاصرين مجاراة هذه الأعمال … ومثل هذه القيمة توجد أيضا في مكانة هؤلاء الفنانين المبدعين في تلك الخصائص الفنية والذوقية التي جعلت منهم مطربين كبار لا يختلفون عن الجيل الذي سبقهم فحسب، بل يتفوقون عليه بلا شك. أن الأحداث التي واجهها وعاشها إنسان القرن العشرين في بلدنا العراق، قد فرضت إعادة تقييم واختبار للمبادئ الفنية والجمالية والأدائية التي قام عليها الفن الغنائي والمقام العراقي على وجه الخصوص في بلدنا … وان كلاً من المبدعين المقاميين، يمثل بأسلوبه وطريقته الخاصة في الأداء المقامي، طليعة حركة التقويم الفني والجمالي والدقة الأدائية في نواحيها التقنية في المقام العراقي، وبالرغم مما يبدو اختلافهم في نواح أدائية وتعبيرية وجمالية كثيرة، إلا أن تشابههم وغايتهم في منحاهم التجديدي والإبداعي يرجح على الفروقات، فإذا ما تعسَّر علينا النظر إليهم كمطربين مبدعين أو تجريبيين أو طليعيين، فما ذلك إلا لأن قيمتهم قد نالت الاعتراف من الجميع وباتت جزء من التراث. . أن كلاً من محمد القبانجي ولاحقيه المبدعين عبد الرحمن العزاوي وحسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي قد دعا من خلال نتاجاته الغنائية , لاتخاذ موقف واضح في إعادة النظر إلى الأمور العلمية والفنية والجمالية في الأداء المقامي في العراق، بالرغم من أنهم لم ينكروا القيم السابقة وكذلك القيم الموجودة في عصرهم ولم يتجاهلها كل منهم، بقدر ما أصرُّوا على تمحيصها بدقة في ضوء المتغيرات وتحولات عصرهم … ولعمري فان هذه هي ميزة الفنان المبدع، فكانوا من أوائل المؤدين الذين رأوا هذه الحاجة وحاولوا إنجازها، لذلك فان خلاصتهم تعطينا مبرراً كي نطلق على محمد القبانجي أستاذ الجميع وكل من ناظم الغزالي وحسن خيوكة ويوسف عمر وعبد الرحمن العزاوي لقب مجدد أو مبدع أو أستاذ من أساتذة المقام العراقي.
هوامش الفصل الثالث -------------------- 1* التكنيك.. الأداء الفني المتقن للحركة(تقنية) وغالبا ما يكون الحديث عن التكنيك والتكتيك الذي هو الأداء الخططي لمجموعة من المهارات.. 2* الأصالة.. originality امتياز الشيء على غيره بصفات جديدة صادرة عنه, وهي القدرة على الإبداع والابتكار في النتاج الفني... 3* الكلاسيكية classicism في الكلاسيكية التقليدية يكون الميل في الأدب والفن إلى مراعاة الإشكال التقليدي والأصول التي استقر عليها العرف ومن شأنها الاهتمام بوضوح الفكرة وعذوبة الأسلوب وتناسق العبارات وموضوعية فكرة العمل الغنائي أو الموسيقي والتركيز على توازن البناء, 4* العصر.. age حقبة من الزمن محددة بتواريخ معينة أو صفات خاصة... 5* الواقع.. reality درجة دوام المعاني التي يتم اكتشافها في آية تجربة أو التي تتصل بأي شيء أو شخص أو فكرة أو قيمة فهو الوجود الفعلي... 6* المستقبل.. الزمن القادم المجهول, والمستقبلية futurism نزعة نحو الجديد والمجهول والمستقبل أساسها الخروج على المألوف والرغبة في المغامرة.. 7* معلومات موجودة في عدة كتب منها (الموسيقى الفنية المعاصرة في العراق) لـ ي , قوجمان , صادر في 1978 بلندن وكتاب محمد القبانجي لسعدي حميد السعدي الصادر في تشرين الثاني 2005 ببغداد. . 8* الجالغي البغدادي. . تعاف الناس على تسمية الفرقة الموسيقية الصغيرة التي ترافق غناء المقام العراقي بجالغي بغداد , وكلمة جالغي تركية الأصل ترجع إلى التعبير المركب من (جالغي طقميسي)الذي يعني جماعة الملاهي , وتتألف هذه الفرقة الموسيقية من الآلات التالية. . 1 – السنطور 2 - الجوزة 3 – الطبلة 4 – الرق 5 – النقارة 9* إذاعة قصر الزهور أنشأها الملك غازي عام 1937 في بغداد (سالم, كمال لطيف, أعلام المقام العراقي ورواده, مكتبة النهضة, بغداد, 1985, ص107) 10 * الدوزان. . أي نصب الآلة الموسيقية وضبط وانسجام أصواتها . . 11 * التخت البغدادي. . فرقة موسيقية تجمع الآلات العراقية التراثية كالجوزة والسنطور مع الآلات العربية كالعود والقانون والناي , دون ضم الآلات الغربية. 12* سالم, كمال لطيف, أعلام المقام العراقي ورواده, مكتبة النهضة, بغداد, 1985, ص107 13 * فرقة الزبانية. . خلال تلمذة الغزالي في معهد الفنون الجميلة منتصف الأربعينات , كوَّن الغزالي مع زملاء له في المعهد فرقة تمثيلية أسموها بالزبانية وهم ناجي الراوي وفخري الزبيدي وحامد الاطرقجي وخليل شوقي ومحمود حسين القطان وانظمَّ بعد ذلك حميد المحل إضافة إلى ناظم الغزالي الذي كان أبرزهم (انظر كتاب – ناظم الغزالي سفير الأغنية العراقية – لكمال لطيف سالم ص22) والجدير ذكره أن أعضاء هذه الفرقة أصبحوا جميعا من الفنانين العراقيين المشاهير. . 14 * المناقب النبوية الشريفة والشعائر الدينية – أ - الأذكار – مفردها ذِكِر يجتمع فيه الصوفيون ويقرعون دفوفا خاصة وترافق هذه الدفوف آلة إيقاعية تسمى الخليلية ويردِّدون قصائد نظِّمت باللغة الدارجة في مدح الرسول الأعظم (ص) وقد تشعب هؤلاء إلى عدة طرق منها الطريقة الرفاعية نسبة إلى السيد احمد الرفاعي والطريقة القادرية نسبة إلى الشيخ عبد القادر الكيلاني والطريقة السهروردية نسبة إلى الشيخ عمر السهروردي والطريقة البدوية نسبة للسيد احمد البدوي والطريقة النقشبندية ومؤسسها الشيخ محمود النقشبندي وقد أخذها من الطريقتين السهروردية والسرهندية وأصبحت طريقة واحدة سميت باسمه. ب- التهاليل – مفردها تهليلة وهي أن يقف الصوفيون على شكل دائرة ( حلقة ) ويذكرون أسماء الله الحسنى بأصوات منسجمة وأوزان خاصة وينبعث من بينهم مؤدي مقام ينشد قصائد لشعراء صوفيين ويتوسط الحلقة رجل مرتد لباساً خاصاً وهو لباس المولوية يستدير بمكانه بسرعة وهو واقف ويعمل بيديه حركات متنوعة حيث يفرش في الدوران رداءه العريض وسط هذه الحلقة أما الواقفون فهم يوحدون بلفظه دايم الله حي , وبلفظه لا اله إلا الله , حسب أصول متبعة , أما رئيس هذه التهليلة فيسمى شيخ الحلقة أو المرشد. جـ- المناقب النبوية الشريفة- مفردها منقبة وتتلى فيها المدائح النبوية وتتكون من أربعة أو خمسة فصول ويرتلها رجل يسمى ( الملا ) يجلس قرب البطانة المكونة من ثمانية أو عشرة أشخاص وهم يرددون الأشغال الملحنة حسب المقام الذي ينشده الملا أو مؤدي المقام ( خليل، شعوبي إبراهيم، المقامات، وزارة الإرشاد، مط اسعد، بغداد 1963، ص 35-36 ). 15* سالم, كمال لطيف, أعلام المقام العراقي ورواده, مكتبة النهضة, بغداد, 1985, ص93 16* مكالمة هاتفية أجراها الباحث المقيم في عمان مع الخبير المقامي احمد شاكر سلمان المقيم في بغداد يوم 16/12/2006) 17* مقام المخالف.. * مقام المخالف. . هو احد المقامات العراقية الخاصة بالعراق ولا يستعمل في أي بلد آخر, وهو ليس سلَّما سباعيا بل عقدا خماسيا يرتكز على درجة السيكاه (مي كار بيمول). . وهذا هو عـقد المخالف بالنوتة أدناه. .(العباس , حبيب ظاهر , نظريات المويبفى العربية , بغداد , 1988)
18* التعميم.. generalization عندما تبدي التجارب الفنية مثلا صحة حالة إبداعية من الحالات دون وجود حالة تناقضها أو تتعارض معها , فان تلك الحالة تنتقل إلى مستوى التعميم الجماهيري , وهو إطلاق الصفات المنتزعة أو المجردة على جميع الظواهر التي تشترك فيها. . 19 * الأخلاق.. ethics وهي القواعد والأصول التي يسترشد الناس بها في علاقاتهم المتبادلة, لا بقوة الإلزام القانوني وإنما بقوة الواجب واحترام الرأي العام وأواصر الضمير... 20* التفاؤل.. optimism موقف من مواقف الفرد يتسم بالتنظيم الاجتماعي أو الحياة بصورة عامة في أهمية النواحي الجيدة ويتسم بالأمل... وفي المفهوم العام هو عكس التشاؤم... 21* مناقشة بين الباحث والخبير المقامي الحاج هاشم الرجب في بيته يوم19/6/2003 22* نفس المصدر السابق. . 23* * الزهيري. . نوع من أنواع الشعر الشعبي , يتكون من سبعة اشطر , الأشطر الثلاثة الأولى تنتهي بكلمة هي بمثابة القافية متفقة في اللفظ ومختلفة في المعنى , والأشطر الثلاثة الثانية تنتهي بكلمة أخرى جديدة متفقة في اللفظ ومختلفة في المعنى أيضا والشطر السابع ينتهي بنفس كلمة الأشطر الثلاثة الأولى وبمعنى جديد. . 24*البستة. . تعني الأغنية الخفيفة التي تتبع المقام بعد أدائه وهي من نفس سلمه وتعبيره طبعا – وهي كلمة فارسية معناها (الربط) أي أنها تربط بالمقام المغنى(الأعظمي , حسين إسماعيل , المقام العراقي إلى أين ؟ , المؤسسة العربية للدراسات والنشر , ط أولى , بيروت , 2001 ,ص80) 25* أن التطور الفني الذي حصل في حقبة انتصاف القرن العشرين في شان الإعداد الموسيقي للغناء في العراق عموما وفي غناء المقام العراقي على وجه التخصيص, تطور مرة أخرى في العقود الأخيرة الواقعة بين منتصف الستينات حتى نهاية القرن.. 26* سالم , كمال لطيف , ناظم الغزالي , مط اشبيلية الحديثة , ط أولى 1986 , ص13 27* الابوذية. . الابوذية..نوع من أنواع الشعر الشعبي , تتكون من أربعة اشطر , تنتهي الأشطر الثلاثة الأولى بكلمة موحدة في اللفظ ومختلفة في المعنى بمثابة القافية , وينتهي الشطر الرابع بكلمة تنتهي بحرفين هما (الياء والتاء المربوطة) مثل مفردة , المنية, خطية, سوية, علية, وطية...... 28* * التجربة.. experience التدخل في مجرى الظواهر للكشف عن فرض من الفروض أو للتحقق من صحته, وهي جزء من المنهج التجريبي, ويقال تجريب أو تجربة, اختبار منظم لظاهرة أو أكثر وملاحظتها ملاحظة دقيقة ومنهجية للتوصل إلى نتيجة ما وصل إليه المجتمع من فهم وإدراك ومعرفة سواء بالفطرة أو بالدراسة...
الفصل الرابع الاستنتاجات 1 –التوصيات المصادر والمراجع 1. البحث الموسيقي , مجلة المجمع العربي الموسيقي , المجلد الثاني – العدد الأول , خريف , 2002 – شتاء 2003 2. البحث الموسيقي, مجلة المجمع العربي الموسيقي, المجلد الثالث – العدد الأول, صيف وخريف 2004.. 3. البحث الموسيقي , مجلة المجمع العربي الموسيقي , المجلد الرابع – العدد الأول , شتاء وخريف 2005.. 4. البحث الموسيقي , مجلة المجمع العربي الموسيقي , المجلد الخامس– العدد الأول , شتاء وربيع 2006. . 5. سالم , كمال لطيف ,أعلام المقــــام العراقي ورواده، مط النهضة , بغداد , 1985 6. الوردي , حمودي , الأغاني القديمة , بغداد 7. سحاب, د.فكتور , مؤتمر الموسيقى العربية الأول في القاهرة 1932 8. قوجمان ,ي , الموسيقى الفنية المعاصرة في العراق , اكت للتراجم العربية , لندن , 1978 9. رشيد, د. صبحي أنور, الآلات الموسيـــقية المصاحبة للمقام العراقي، بغداد, 1989 10. الأعظمي , حسين إسماعيل , المقام العراقي إلى أين. .؟ , المؤسسة العربية للدراسات والنشر , بيروت , 2001 11. الأعظمي , حسين إسماعيل , المقام العراقي بأصوات النساء , المؤسسة العربية للدراسات والنشر , بيروت , 2005 12. الرجب , الحاج هاشم محمد , المقام العراقي، مط المثنى , بغداد , طبعتي 1961 و1983 13. العامري , ثامر , المقام العراقي، بغداد , 1988 14. خليل, شعوبي إبراهيم, المقامات، مط اسعد, بغداد, 1963 15. العلاف , عبد الكريم , الموال البغدادي , مط المعارف , بغداد , 1964 16. العامري , ثامر , محمد القبانجي , دار الشؤون الثــــقافية العامة , بغداد , 1987 16. السعدي , سعدي حميد , محمد القبانجي , بغداد , 2005 17. الوردي , حمودي , مقام المخالف، مط اسعد , بغداد , 1969 18. الرجب , الحاج هاشم محمد , من تراث الموسيقى والغناء العراقي , بغداد , 2002 19. سالم , كمال لطيف , ناظم الغزالي، بغداد , 1986 20. محمد , كاظم جاسم , يوسف عمر، بغداد , 1987
الملاحق ملحق رقم – 1 – اسطوانات المؤتمر الموسيقي الأول في القاهرة عام 1932 شركة جرامافون(صوت سيدة) علامة الكلب البريطانية بصوت محمد القبانجي والفرقة الموسيقية 1 – مقام الرست , شعر يا يوسف الحسن 2 – أغنية ما دار حسنه بشمر 3 - = الويل ويلي 4 - = لتظن عيني تنام 5 – مقام منصوري , شعر كيف يقوى 6 – مقام الإبراهيمي , شعر راحت ليالي الهنا 7 – مقام مخالف, شعر مالي أرى الهم 8 – أغنية أمسلم 9 – شعر مع ابوذية , شعر أرى آثارهم 10 – مقام بهيرزاوي , شعر من يوم فركاك 11 – مقام مدمي , شعر يا صاح ربعي جفوني 12 – مقام همايون , شعر طهر فؤادك 13 – مقام شرقي دوكاه , شعر يا ناعس الطرف 14 – مقام حسيني, شعر طلت يا ليل ملحق رقم – 2 – شركة بيضافون (على الكهرباء) 1 – تقاسيم اوج وطاهر وحديدي وسيكاه وحليلاوي وعريبون , آلة السنطور , العازف يوسف زعرور 2 – تقاسيم عشاق ومحمودي وراشدي وجبوري واوشار , آلة الجوزة , = صالح شميل 3 – تقاسيم حكيمي ودشتي ولامي , آلة العود , = عزوري هارون 4 – تقاسيم حجاز وخنبات وبنجكاه , آلة القانون , = يوسف زعرور 5 – تسعة أوزان, آلة الدف, العازف إبراهيم صالح 6 - = = , آلة الطبلة , = يهودا موشي انتهى بعون الله تعال |