... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله Bookmark and Share

 

  سينما و مسرح

   
علي الوردي وغريمه .. مسرحية لعقيل مهدي

ماجد السامرائي

تاريخ النشر       11/08/2008 06:00 AM


اختط الفنان عقيل مهدي طريقه الى المسرح، وفي المسرح، من خلال ما يمكن ان نسميه: بناء الفكرة المسرحية على «الشخصية» التي جعل منها محوراً قضية وتمثيلاً لموقف، وبناء لرؤية فنية أو أدبية يسعى الى تقديمها ضمن ما تتعين به من أبعاد تمثلها «الشخصية - المحور». واعتمد ما للشخصيات التي قدمها حتى الآن من عمق الحضور في الحياة الثقافية - الاجتماعية لجمهوره، بما عرف لهذه الشخصيات من وجوه إبداعية، وبما حملت، الى المشاهد، من أفكار، او أشاعت من رؤية.
في هذا السياق جاءت أعماله التي قدمت شخصيات من المسرح (حقي الشبلي، ويوسف العاني)، ومن عالم الشعر (السياب، والجواهري) والفن التشكيلي (جواد سليم)... وأخيراً جاء عمله عن عالم الاجتماع علي الوردي، الذي كان على مدى اكثر منتصف قرن من تاريخ العراق الحديث ثورة حقيقية في عالم الفكر وفي حياة المجتمع.
لا يقوم هذا العمل، في اطاره الدرامي، على استعادة سيرة علي الوردي المفكر، وعالم الاجتماع، وداعية التغيير في حياة المجتمع، بل يقوم على (أو ينطلق من) موقف افتراضي: مما حدث في المجتمع، وللمجتمع العراقي من بعد رحيله، فكان الموقف الذي قدم فيه، ومن خلاله، يتحدد في الجواب عن سؤال: على أي نحو سيكون موقف الوردي من الاحتلال الاميركي لبلده؟ وماذا سيقول في الظواهر السلبية التي افرزها هذا الاحتلال في المجتمع العراقي والتي انعكست بدورها، على حياة الإنسان، أو بعض شرائح المجتمع؟
في مثل هذا المسار يضع الفنان عمله هذا، مقدماً الوردي الإنسان وعالم الاجتماع وداعية التغيير محاصراً بقوة غوغائية، يترك له أن يدل على حالاتها حتى يصل الى حقيقة ما تمثله من «جوهر فاسد» و «موقف» يقوم على استغلال «الفرص الفاسدة» في التاريخ، وفي حياة المجتمع أيضاً. فهو هنا، ومن موقف عالم الاجتماع المضطلع بمسؤوليته الاجتماعية: يؤشر ولا يبرر، ويدين السلوك التدميري لحياة الإنسان والمجتمع ولا يبحث عن عذر له - ليصلنا من خلال هذا الموقف بعديد المعاني الكاشفة لكل من الحقيقة والزيف في نطاق رؤية مسؤولة تتخلل جسد الواقع، في حالاته الشاذة اجتماعياً، وصولاً الى ما هو مضمر.
وكما فتح الوردي أمام إنسان هذا المجتمع، في حقبة مبكرة من حياته الحديثة، باب التفسير المغاير لعديد «المعاني اليقينية»، والمتعينة واقعاً وتفكيراً، فإن استعادته، نظرة تحليلية - تشخيصية لأمراض واقع، هو الواقع الــقديم نفــسه، مــن خــلال رؤية نــافذة الى دواخل هذا الواقع متمثلاً بإنسانه، هو ما قصد إليه هذا الــعمل في ان يفتح أمام مشــاهده آفــاقاً لرؤية جديدة، ليبصره بما استجد في حياتنا اليوم من مــعان سلبية شكلت، وتشكل الــيوم نقــائــص وعــيوباً فــي الــحياة الــحاضرة للــمجتمع.
إننا أمام عمل درامي ذي دلالة فكرية - اجتماعية، وهو عمل يتمثل ويستوي فنياً في نسق من الأفكار والمواقف ينبغي معها تفسير عناصره المكونة من خلال ارجاع بعضها الى الواقع مورداً والعودة ببعضها الآخر الى الرجل - المفكر (الوردي) رؤية للواقع وموقفاً من الواقع، وعقد صلة الوصل بين بعض ثالث منها ومواقفه في هذا الواقع، تلك المواقف التي كان الفكر الاجتماعي المحرك الأساس لها.
يتجلى الطابع الفكري المميز لهذا العمل في منطقه الخاص به، والمتكون بفعل العلاقة القائمة بين «الوردي - رجل الفكر» و «الآخر - المنطق المغاير» القائم على تحين المواقف والفرص - وهي مسائل تابعها العمل متابعة حية (من خلال تمثيلات الفكرة) وجسدها في حركة درامية مشبعة بالمعاني المكتسبة من مثل هذا الموقف.
إن عالم الاجتماع (الذي يمثل العقل والحركة المتوازنة للحياة في المجتمع) يظهر «مداناً» في العمل، من خلال غريمه (المتقنع بأقنعة لا يلبث عالم الاجتماع ان يهتكها فيكشف، في نهاية العرض، عن الوجه الحقيقي لهذا الغريم) الذي يتحكم (وهو الجاهل - المحتال) بالعالم العارف، لا رأياً، بل مصيراً، فيواجهه بهجوم صارخ، ومقذع، يمس شخصه وعقله. و «غريمه» هذا ليس أكثر من غوغائي يعيش بذات خاوية ونفس مريضة تريد التنفيس عن مكبوتاتها من خلال الجريمة. وهو يتحرك بسلوك من علمته تربيته «الشاذة» «ان الرجولة لا تتحقق الاّ بقتل الآخر وتدميره» وساعة يهدده بتسويره بأسلاك شائكة، او يحجزه بين كتل من الحجارة ليقي الناس من شروره (شرور العلم والمعرفة) على حد ما يرى ويقول، يردّ عليه الوردي من موقف العالم العارف بطبيعة مثل هذا السلوك في النفس البشرية.
من هذا الموقف الزائف لعليوي، والذي يريد تزييف وعي الآخرين به، ومن خلاله، نجده يدعو «الوردي - العالم» الى ان يغسل قلبه بالموعظة الحسنة! فيرد الوردي عليه برأيه القاطع: «لا يصلح الوعظ طبيعتنا البشرية» مديناً إياه بتأويل الدين بحسب مصالحه وأمراض نفسه. وإذ يواجه الوردي (أو الفكر الذي يمثله) مصيره على يد هذا «المجرم المحترف» وهو يقول له بلهجة حاقدة: "بحرقك يخلو العالم من العيوب"، فيرد عليه الوردي مختتماً العمل:"بالحوار يكون العالم أقلّ عيوباً"






رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  ماجد السامرائي


 

بحث :

Search Help


دليل الفنانيين التشكيليين

موسوعة الامثال العراقيه

انضموا الى قائمتنا البريدية

ألأسم:

البريد ألألكتروني:



 

 

 

 

Copyright © 1997- IraqiArt.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
ENANA.COM