ففي مجاورتي للفنان وجدت فيه الوعي الفني والسياسي الذي يتمثل في اعادة انتاج الحلم العراقي كحياة وطن يحاول ان يتعافى من جراح هشمت جمالياته دون القدرة على المساس بذاكرته القوية المحمولة بالالاف السنين ، ليعود بلاسم من هناك متتبعا خطوطه القوية التي تحمل دلالات (جماسياسية ) جمالية وسياسية فكان بياض الورقة النقية مادة لتحركات خطوطه الواثقة التي تحبر تاريخا للنفس المتعبة والحالمة بغد جديد ، فلم يترك شاهدا واقعيا الا وبنى عليه واقعا اخرا بدء من اشعار الافال المجانين الذين كانوا الاصدق في التعبير عن الحلم العراقي ويبدو لي ان نص المجانين هو الاقوى كونهم الاكثر عقلانية من العقلاء المجانين ( انا مجنون لسبب وانت عاقل بلا سبب ) تلك العبارة تؤسس لقراءة المشهد العراقي السياسي والثقافي ليأتي هذا المعرض ضمن سلسلة معارض سابقة للفنانين العراقيين الذين فقدوا وطنهم ولو لىحين فالخروج الى الواقع ،
عنوان يحمل دلالة المشاهدة والمعاينة والانطحان بتفاصيل الحدث ونتائجه في واقع الرسم المحمل بالعاطفة والنقد معا وفي مسار اخر نجده قد حقق مناخات اتصفت بالجرعة السريعة المحملة بالتعبيرية العالية من خلال الجمع بين الرسم السريع وحلم التلوين مستفيدا من مفردات سياسية منها الخط الاخضر والخط الاحمر كمحمول فني وسياسي حيث يتحرك الخط بسرعة هائلة للقبض على الحالة العاطفية عبر مسارات تنتظم في تردات الخط الواحد او الخطوط المتتالية التي تشكل فيما بعد حزمة من الخطوط مقتربة من النسيجية باتجاه واحد أي التوازي المتجاور والملاصق حيث يعتم الوجه وتبقى حرارته التعبيرية وكذلك الاختزلات الكبيرة في مادة الجسد وحركته ليتحول من التفاصيل الى الايماء البصري الاكثر فاعلية فالورقة تحولت الى عالم من المذكرات الخطوطية التي ترصد حالة الانفعال والحزن لدى الفنان كما لو انه يتسابق مع اندلاق العاطفة وحركة اليد المجنونة في اقتفاء الشكل والقبض علية بسرعة الصياد حيث ارى الى مكنونات لا تشبه الا حالة جارحة ، حالة من البكاء على سطح الورقة وكذلك ينتقل الاحساس في الاقتصاد اللوني الى سطح القماشة عير اضافات تقنوية اعطت تلك السطوح غنى من نوع اخر دون الخروج عن سياق التجربة ، وفي جميع الحالات نجده قد اعطى من الخط بطولة ما تتحرك وتتحول في فضاءات الرسم الى جانب العلامات الموحية التي تتمثل في اللون الاحمر ومرة اخرى الاخضر تلك العلامات هي معادل موضوعي لجغرافيا بغداد السياسية تحت وطأة الاحتلال فالمنطقة الخضراء شكلت في الذاكرة العراقية حالة من الامان الكاذب تكشفه تخطيطات بلاسم وكذلك الاحمر الذي يشي بالتوقف ناقدا بذلك وهم هذه التوقفات حيث لا علامة مقدسة في جغرافيا الدم ،
انها الاحلام التي تطرح مواقف كانت بالامس جميلة وتعاني الان من الفقدان الحلم بسرير وعودة النخلة الى لذاذة ظلالها وكذلك النساء اللواتي يحمل الحليب مشاهد حيوية اخذت من اللوحة العراقية الكثير انها المحاولة الدؤوبة لاسترجاع ألق الاشياء .
اعتقد ان هذا المعرض هو علامة اخرى من نقد المثقف العراقي للحالة المعاشة والعودة اليه يعني بالتأكيد العودة الى ذكريات مؤلمة لا يمكن محوها الى بالحب فهل تؤسس تلك التخطيطات لحالة من الحب الذي يتعطش اليه العراقيون .