في نصه البصري يخرجنا امجد الطيار من شروط الرسم الضاغطة وهو يشتغل على موضوعة اشكالية .. الطبيعة ، ليلغي المسافة بين الواقع والفنتازيا ..
سيحتاج امجد الطيار كثيرا الى عدّته النظريه ليحكي فكرته كل مرّة في مواجهتنا .. لذلك يقول : انا اشتغل على علاقة الكتلة بالفضاء .. وعلى التناقض بين المساحات .. وبين السماء والكتلة الأرضية .. والخط الفاصل بينهما واقصد خط الأفق !
ويوم ندقق فكرته من الناحية النظرية سنكرر معا قالب الحوار المليء بالمحاذير ؛ لكنه في التجربة يضيء ، يخرج حقا ، الى فضائه الخاص.. يسجل تجربة فنان دؤوب يشتغل على ترويض تلك الصعوبة ، دون ان يقاطع وعينا وهو يمضي الى فسحة الجدل ليؤكد ان مهمة الفنان هو اعادة تفكيك كل ثيمة ممكنه بما في ذلك الطبيعة المكرره للوصول الى نتائج بصرية مغايره نتيجة انسجام الأسلوب .. والرؤية .. والتقنية ..
*
في معرضه السويدي ( قراءات خارج نص المواطنة ) في مدينة نخو .. يقترح الوانا لطبيعة بيضاء ، ثمة ثلج كثير.. ثلج كثير .. وثمة ثراء لطبيعة متقلبة عبر الفصول ، طبيعة باردة متناقضة مع الطبيعة الداخلية للرسام لكنه في اعماله يسجّل اعلى درجات الأنسجام بين فنان .. وبين بيئة عمله كما يعيشها او يعيد عيشها بطريقة ثانية
. لقد اختار في انطباعية جديدة ان يحاور وجودا بأكمله مختصرا كل اسلوب ليثمر اسلوبا .. اليست التجربة التشكيلية هي قضية ذاتية اذن لتكن خيارات الأسلوب حرة ومفتوحة لكي يمّحي اي حذر او سؤال امام اية شروط سوى شرط الحرية .
انه لاينقل التفاصيل بقدر مايثري تفاصيل بيئته الجديده ، وهو الرافديني المحمل بأشكالية الأساليب .. والتقنيات .. يمنح غربته رسوخا من خلال التماهي في موضوعات غربته الثلجية البيضاء ، فيما يختزن حرارة الوان الشرق ليؤرخ رؤيته لعالم آخر .. – سنلاحظ في اعماله الجديدة خروجا كليا الى فضاء اكثر تكريسا لخواصه - والحق ان دربة امجد الطيار على معالجات عديدة لموضوع التكنيك هي التي منحته مسافة تنوع للأشتغال على تقنيته الخاصة ( في اعماله لمعرضه ببغداد 2007 اشتغل على تجربة جريئة هي الرسم بالشمع والباستيل وتعريضه الى درجات متفاوته من الحرارة للحصول على مستويات متباينة من كثافة المادة الشمعية المتدرجة باللون على سطح خامة الكانفاز .. ) هكذا يشير .. ويخيل الي انه استطاع ان ينجز مهمة تشكيلي مكثّف منذ البداية بحرص معلم خبير يتقن فعل كيميائه ويديه – وقد اشرف فترة على مرسم كلية الطب ببغداد – يستدرج شروط الأتقان .. لأنها توثيق لتجربة اللون وتقنياته بكل المغامرة المفتوحة..
*
يمارس امجد الطيار فعلا صوفيا حين يعلن عن نصين متباينين ، نص معلن مرئي ، هي سطوح وكتل وافضية لمكان محسوس ومعاش ( المنفى ) فيما يختفي نص الوطن اللامرئي بكل اختلاف طبيعته .. وكثافتها .. انه نص مدغم في لاوعي الأعمال التي تختصر سيكولوجيا خاصة . ان سيكولوجيا الأغتراب قد تمارس المحو حينا .. عندما تتحول الأشياء الى رموز مكرّسة ، او هكذا سأفهم نص الوطن اللامرئي لديه ، كما تمارس انعكاسا باهتا وقلقا .. وفريدا ايضا لنص الحاضر المعاش . في لوحته يحضر الشحوب وحيدا .. وكئيبا مفعما بالقلق .. لكن يد الفنان لم تتغير في درجة رسوخها .. الأبيض ..الأبيض وكأنه يبتكر للأزرق تدرجا لانهائيا لسماء بيضاء .. وارض مفرطة في بياضها المضلل.. مفرداته لاتشي بشيء .. فضاء ابيض ومفتوح لكنه فضاء موحي حتى نهاية السطوح حيث نكتشف ان علينا ان نعيد قراءة اللوحة .. سطوحها .. وافضيتها التي تمارس تضليلا بصريا .. وهنا افضيته تفضح نوايا الرسم .. في اخفاء كل حقيقة لأنتظار مرسوم ..
يفاجئنا في تجارب لاحقة ان سطوحه تتعايش مع رنين الوانه الساخنة التي عاد ليشتغل عليها فيما بعد ، انهما مرحلتان لبيئة نفسية يعيشها الرسام في غربته خلال وقت قصير .. ثمة عثرات .. وانتظار .. وثمة امل يطلق امالا .. في قصائده اللونية اللاحقة وقد تقرر ان يقيم في هذا المنفى نازعا قلق الأسئلة الواقعية .. يمضي الى فنتازيا جديدة في محاولة لأعادة حياة مفتقدة لبيئة ابتكرها مجددا .. في نصوصه خارج قراءاته للمواطنة والغربة يقرر مقاطعتنا لنكتشف .. لكنه في تداركه ايانا يصطاد وعينا مجددا لنعيد اكتشاف حلم البصيرة .. وثنائية البصر امام اعمال تسمي امجد الطيار فنانا رافدينيا يسجل سيرته من اقصى الغياب هناك .. الى اقصى الحضور