ولِد خليل شوقي في بغداد عام 1924 ونشا فيها ، وارتبط بالفن بتشجيع من أخيه الكبير ودخل فرع التمثيل في معهد الفنون الجميلة مع بداية تأسيس هذا الفرع ، لكنه ترك الدراسة فيه بعد أربع سنوات ، وما لبث أن عاد اليه ليتخرج منه حاملاً شهادةً دبلوم في الفن في عام 1954. عمل موظفا ً في دائرة السكك الحديد وأشرف علي وحدة الأفلام فيها وأخرج لها عددا ً من الأفلام الوثائقية والاخبارية عُرضت من تلفزيون بغداد بين عامي 1959 و 1964 .
يعد خليل شوقي فنانا ً شاملا ً فقد جمع بين التأليف والاخراج والتمثيل وغطي نشاطه مجالات المسرح والفنون السمعية والمرئية . لقد كانت بدايته مع المسرح وكان من مؤسسي " الفرقة الشعبية للتمثيل " في عام 1947 ، ولم تقدم الفرقة المذكورة آنذاك سوي مسرحية واحدة شارك فيها ممثلا ً وكانت تحمل عنوان " شهداء الوطنية " أخرجها ابراهيم جلال . وفي عام 1964 شكـّل " جماعة المسرح الفني " بعد ان كانت اجازات الفرق المسرحية (ومنها فرقة المسرح الحديث التي كان ينتمي اليها ) قد الغيت في عام 1963 ، وقد اقتصر نشاط الجماعة المذكورة علي الاذاعة والتلفزيون . وكان ضمن الهيئة المؤسسة التي أعادت في عام 1965 تأسيس فرقة المسرح الحديث تحت تسمية " فرقة المسرح الفني الحديث " وانتُخب سكرتيرا ً لهيئتها الادارية . وعمل في الفرقة ممثلا ً ومخرجا ً واداريا ً وظل مرتبطا ً بها الي ان توقفت عن العمل . لقد أخرج للفرقة مسرحية " الحلم " عام 1965 ، وهي من اعداد الفنان قاسم محمد . ومن اشهر ادواره المسرحية ممثلا ً دور مصطفي الدلال في مسرحية " النخلة والجيران " ( وكان تناغم أدائه مع أداء زينب مثيرا ً للإعجاب ) ، ودور البخيل في مسرحية " بغداد الأزل بين الجد والهزل " ودور الراوية في مسرحية " كان ياما كان " ، وهذه المسرحيات الثلاث من اعداد قاسم محمد .
وربما سبقت بدايات تجربته في المسرح بدايات تجربته في الاذاعة . لقد بدأ عمله في الاذاعة في عام 1947 كاتبا ً ومخرجا ً لعدد من التمثيليات الاذاعية . أما في السينما فقد شارك ممثلا ً في عدد من الأفلام . فقد أدي دور سبع المطيرجي في فيلم " من المسؤول " الذي أخرجه عبد الجبار ولي ، ودورعمو حنا الطباخ في فيلم " أبو هيلة " الذي أخرجه محمد شكري جميل ويوسف جرجيس حمد ، ودور زاير راضي في فيلم " الظامئون " الذي أخرجه محمد شكري جميل عن رواية الكاتب عبد الرزاق المطلبي ، ودور " أبو سعيد " في فيلم " يوم آخر " الذي أخرجه صاحب حداد ، كما شارك في فيلم " شييء من القوة " الذي كتبه صباح عطوان وأخرجه كارلو هارتيون .
وفي مجال التأليف السينمائي كتب سيناريو فيلم " البيت " الذي أخرجه عبد الهادي الراوي في عام 1988 والذي قال عنه الفنان يوسف العاني : " انني وأنا اشاهد الفيلم لم أتصور أحدا ً منّا يستطيع كتابة السيناريو صدقا ً وواقعا ً قدر خليل شوقي . فخليل شوقي يتميز بتصور سينمائي جيد ، وهو يحسن كتابة الحوار الجميل والبليغ للواقع العراقي عبر الشخصيات المعيشة . " ( يوسف العاني ــ السينما : صفحات بين الظلام والضوء ــ بغداد ــ 2006 )
أما في مجال الاخراج السينمائي فقد تهيأت له في عام 1967 فرصة اخراج فيلم " الحارس " ( وهو فيلمه الروائي الوحيد علي حد علمنا ) . وقد شارك هذا الفيلم ، الذي كتب قاسم حول قصته ، في عدد من المهرجانات السينمائية ، ففاز بالجائزة الفضية في مهرجان قرطاج السينمائي عام 1968 كما فاز بجائزتين تقديريتين في مهرجاني طاشقند وكارلو فيفاري السنمائيين .
حارس العشق
يعدّ خليل شوقي من رواد العمل التلفزيوني في العراق . فقد عمل في تلفزيون بغداد منذ عام 1956 وهو عام تأسيسه ، عمل مخرجا ً وممثلا ً بعد أن مر َ بفترة تدريب فيه . وهو يقول انه كتب أول تمثيلية عراقية للتلفزيون ، وهي ثاني تمثيلية تقدم من تلفزيون بغداد ولكنها أول تمثيلية تكتب خصيصا ً للتلفزيون . ولعل أبرز أدواره التلفزيونية دور قادر بك في مسلسلي " الذئب وعيون المدينة " و " النسر وعيون المدينة " اللذين كتبهما عادل كاظم وأخرجهما ابراهيم عبد الجليل . وأدي دور سلوان في مسلسل " الأحفاد وعيون المدينة " الذي كتبه عادل كاظم ايضا ً استكمالا ً للمسلسلين المذكورين وأخرجه الدكتور حسن الجنابي ( وهو مسلسل لم يحقق مستوي النجاح الذي حققه سابقاه ) . ومن أدواره أيضا ً دور "أبو جميل " في مسلسل " جذور وأغصان " الذي كتبه عبد الوهاب الدايني وأخرجه عبد الهادي مبارك ، ودور " عناد " في مسلسل " صابر " ودور " صادق " في مسلسل " الكنز " ، والمسلسلان من تأليف عبد الباري العبودي واخراج حسين التكريتي . وأدي دور " أبو شيماء " في مسلسل " بيت الحبايب " الذي كتبه عبد الباري العبودي وأخرجه حسن حسني ، الي جانب أدواره في مسلسلات : " الواهمون " لعلي صبري واخراج عادل طاهر ، و" دائما ً نحب " الذي أعده وأخراجه صلاح كرم عن مسلسل كتبه قاسم جابر للإذاعة ، و " ايمان " لمعاذ يوسف ومن اخراج حسين التكريتي ، و " بيت العنكبوت " من تأليف عبد الوهاب عبد الرحمن ( في أول عمل درامي نراه له علي الشاشة الصغيرة ) واخراج بسام الوردي . وتألق في أداء دور الراعي في تمثيلية " المغنية والراعي " التي كتبها معاذ يوسف وأخرجها حسن حسني .
وكان لخليل شوقي حضوره الواضح في مجال الاخراج التلفزيوني لاسيما الدراما التي قدّم عددا ً من أعمالها المتميزة التي اتسمت بالرصانة . وشهد عام 1973 ذروة نشاطه في اخراج الدراما . فقد عرض تلفزيون بغداد من أعماله تمثيليات : " طيور البنجاب " و " كنز السلطان " ، و" لجنة محترمة " ، و" الافول " ، الي جانب مسلسل " من كل بيت قصة " الذي جاء في ثماني حلقات . ومن أعماله الاخراجية تمثيليات : " زقاق في العالم الثالث " لزهير الدجيلي ، و" السهم " لمعاذ يوسف ، و" الهجرة الي الداخل " لعبد الوهاب الدايني . وقد شارك العراق بهذه التمثيلية ، ضمن خمس وأربعين دولة عربية وأجنبية ، في مهرجان براغ للأعمال التلفزيونية عام 1985 فحصات علي استحسان واسع ونال الفنان جعفر السعدي جائزة احسن أداء عن دوره فيها . ومن اعماله أيضا ً تمثيليتا : " شروق شمس تغيب " لصباح عطوان " و " العمارة " لبدري حسون فريد ، الي جانب مسلسل " الاضبارة " لطه سالم . لقد قدّم خليل شوقي في مجمل أعماله ، كاتبا ً ومخرجا ً وممثلا ً ، نموذجا ً للشخصية العراقية بكل ما تنطوي عليه من قيم وتتوافرعليه من قوة وضعف في ظل ما تتعرض له من جور وما تعانيه من متاعب الحياة . فهو شغوف بتفاصيل الحياة الشعبية ، حريص علي أداء مهمته الاجتماعية من خلال الفن ، وهو يشتغل ، في الأعمال التي يخرجها ، بحرص واضح علي الكمال فيتجاوز بعض ثغرات التأليف . لقد ظل في كل أعماله رصينا ً ونأي بنفسه عن الانزلاق في شرك الأعمال التجارية في زمن الحصار الجائر الذي تعرض له العراق ، وقد آثر الانسحاب من الساحة واختار حياة المنفي القسري في هولندة ، تاركا ً بصمات ابداعه علي ما خلّفه من ارث درامي ، ليظل اسما ًمتألقا ً في ذاكرة الثقافة العراقية .
-----------------
اشارة : اعتمدنا في جوانب من هذا الاستقراء علي كتابي " الحركة المسرحية في العراق " و " فنانو السينما في العراق " من تأليف أحمد فياض المفرجي .