والملفت حقا في أعمال الحداد – وبخاصة تلك الأعمال المنجزة في فترة زمنية حديثة- أنها لا تخضع لنمط ثابت يؤطرها ويقيد تحررها الشغوف حد أنها تتماهى عبر الأطياف المنبعثة من الأسطح اللامعة والملامس المتجددة دوما من عمل إلى آخر ومن مجموعة إلى مجموعة لتتوائم روحيا مع فكرة داخلية أو شعور باطني يذوب في المسافة الفاصلة بين عين المشاهد وكينونة العمل ذاته ليبزغ آنئذ نوع من التوحد بين البصر والبصيرة.. بين المرئي والمتواري..بين المحلوم بوجوده والمتلمس في الواقع المحيط.
تتنوع الحلول التشكيلية في أعمال وسام الحداد فهو في الوقت الذي يخضع فيه السيراميك لأشكال هندسية صارمة الحدود والأبعاد يذهب لتفكيك أجزاء وأقسام من هذه الأشكال عن بعضها البعض ليدخل الفراغ في لب العمل المادي دونما خضوع كلي لصرامة التشكيل الهندسي المنتج ذهنيا وهو بذلك يترك مجالا مفتوحا للتحرر من ذهنية الاشتغال وصولا إلى الانفكاك بدرجة ما تتسع رقعته في تلك الأعمال المتحررة من ذلك البناء التشكيلي العقلي والتي تتألف من تداخلات عفوية حرة لا تنميط لها أو مسار يعبث بانطلاقاتها وطاقتها الروحية التي لا تحد بمادة أو حائل يعيق من تواشجها
مع وجدان وقريحة جمهور المتأملين.. وهذه لعبة بصرية أثيرة لدى الفنان الذي يتنقل ما بين الذهن والوجدان مشرعا فضاءات التلقي أمام مختلف الذوائق ربما دونما قصدية منه خاصة إذا ما سلمنا بخضوع العمل الفني لحراك ومحفز ليس بالضرورة أن يظل قائما بكيفيته وحيويته وطاقاته وأبعاده بنفس القدر الذي يمكن رصده وتتبعه من عمل لآخر.
ووسام الحداد يسعى في أعمال معرضه هذا إلى التعبير عن مجمل خبراته التقنية التي تأتت له من خلال إضافات عديدة وبنسب متفاوتة لمواد وسوائل وخامات ووسائط مادية إلى عجائنه السيراميكية المتفوقة بالقدر الكبير تقنيا والمتجاوزة في الوقت نفسه لكثير من الأعمال الخزفية المطروحة سابقا.
ويبقى شغف الفنان قائما على الدوام في القسط الأكبر من أعماله بتفعيل اشتغالاته الكتابية على أسطح السيراميك وعبر مستوياتها المختلفة ونتوءاتها الهادرة، لتتحول الكتابات العربية لملامح تهب الأجساد الطينية رونقا وقيمة لا ينمحيان أبدا ولا يأفلان.
محمد مهدي حميدة
ناقد وتشكيلي مصر